ناصر محمد العطار - وقف الانسان في جميع الأزمنة أمام قصص وحكايات عن فتن وحروب وصراعات واعتداءات بين ابناء جنسه، وبغض النظر عن زمان وقوع أيٍّ منها أو على من وقعت تكون أشدها وقعاً في الوجدان وألماً وحزناً في الضمير تلك التي غاب أو غُيب فيها مشهد الدفاع عن النفس ليترك المجرمون لإتمام جرائمهم بلا رحمة للضعفاء أو مراعاة لحرمة جوار أو صلة قرابة.. والأمرّ من ذلك أن يزودوا بأبشع وسائل القتل ليثخنوا الجراح والآلام ويمعنوا في التعذيب بحرق أو إغراق ضحاياهم أو دفنهم تحت الانقاض وتجويعهم وترك دمائهم تنزف حتى الموت.. وقضت حكمة الله أن تقع أول فتنة على الأرض بين أخوين هما هابيل وقابيل وعدم وجود روادع دينية أو دنيوية من قبل نزول الاحكام التي تحرم الاعتداء وتحدد عقوباته، وذلك حتى يتعظ الناس بأن الشر لا دافع له إلاّ الحقد والحسد وأنه لو ترك في مواجهة الخير دون قمعه لتغلب عليه، فلم تُجدِ الاخوة ونصح قابيل لأخيه وتخليه عن بسط يده عليه لدرء خطره، ولربما كان ذلك مشجعاً له للإقدام على القتل.. الخ، ومن حينها والشرائع السماوية تنزل تباعاً حتى آخر الرسالات وبنص واحد تشدد على الحفاظ على الحق في الحياة وذلك بتحريم وتجريم الاعتداء على النفس والعرض والمال حتى ولو كان بغرض الدخول في دين الله لقوله تعالى: «ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين» أو قوله: «لا إكراه في الدين». صدق الله العظيم
وفي حالة عدم اتعاظ المعتدي أبيح الدفاع عن النفس قال تعالى: «من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» ومن هذا الحكم يعتبر المعتدي الأول هو المجرم والمستهدف للحياة ويشكل خطراً محدقاً على النفس والعرض والمال ولا يمكن درؤه بوسائل أخرى.. وفي هذه الحالة يكون مباحاً الدفاع عن النفس والمال والعرض بما يتلاءم مع الخطر ويدرأه ولو أدى الى القتل وفي حالة لم يدرأ الاعتداء ومضى حتى تحقيقه وجب الاقتصاص من الجناة «مساهمين، محرضين، متمالئين، مشاركين» يقول تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» في الدنيا.. أما في الآخرة فعقوبة ازهاق النفس عند الله كمن قتل جميع الناس، ومثل ذلك عقوبة النار على مرتكبي جرائم الفتن والافساد في الأرض.
وعلى ضوء ذلك وضعت النواميس والاعراف الانسانية بما يتعلق بحياة الفرد وحقوقه والأسرة، ويكفي أن نشير الى ما حدث بعد إلقاء القنبلة الذرية على هوروشيما ونجازاكي باحتجاج الأسرة الدولية في منظمة الأمم المتحدة وسنت أهدافها ومواثيقها ومبادئ القانون الدولي وبما من شأنه عدم تكرار مآسي الماضي باحترام سيادة واستقلال الشعوب وعدم التدخل في الشئون الداخلية وتجنب المدنيين أثناء الصراعات والحروب وعدم حرمان أي شعب من الدفاع عن نفسه.. الخ.
وما يؤسف له أن كل تلك القيم والمبادئ قد نسفت وأهدرت في التعامل مع قضية شعبين بأكملهما الأول الشعب الفلسطيني الذي يُقتل ويشرد من قبل عام 1948م وحتى اليوم، والثاني الشعب اليمني والذي يسير حاله كسابقه، وهناك شعوب تعاني من نفس الجور والظلم، إلاّ أن حالتي الشعب الفلسطيني واليمني متطابقتان من حيث مآرب عدو كل منهما فالصهيونية وآل سعود يطمعون في الأرض ويدمرون هوية وثقافة الشعبين ويسعون باستخدام المال أو غيره للتأثير على القرارات الدولية والرأى العالمي.
حتى أنهم استطاعوا استصدار قرارات أممية ونفث حقدهم والمزود بوقود الأسرة الدولية والذي مكن آلات الدمار والموت من العمل المتواصل على مدى سبعة آلاف ساعة وربما سيكون القادم أسوأ عند وصول الصواريخ الذكية.. وما يؤسف له أن كل ذلك يجري على مشهد من العالم أجمع بما يفعله آل سعود.
ألم يأن للضمير العالمي أن يصحو من التنويم المغناطيسي والذي أوهمه بأن أزمة اليمن كانت وستظل سياسية.
وبعد الكم الهائل من الاعتداءات والجرائم والتي بلغت أرقاماً قياسية، أي بعدد واحد لكل واحد منها، قنبلة أو صاروخ كبير بما فيها المحرمة دولياً والتي طالت منشآت سكنية، وخدمية، ومطارات، وموانئ، وطرقات ومدارس ومساجد ومستشفيات وجسور ومزارع ومخازن غذائية.. الخ.
إضافة إلى الحرمان من الغذاء والدواء وخدمات الكهرباء الماء، النقل، وغيرها، جميعها قد وقعت على الشعب بأكمله وعلى مستوى كل فرد وأسرة.
إن اليمن اليوم غير مؤهل لتطبيق القرار «2216» فقد أهلكت مقومات وركائز تنفيذه، فمؤسسات الدولة دمرت والمرافق والمكونات الدفاعية والأمنية هي الأخرى دمرت وفي المقابل نمت وترعرعت جماعات التطرف القاعدة، الدواعش وغيرها من الميليشيات.
لا يمكن تدارك انهيار اليمن إلاّ بقرارات فورية وملزمة تتضمن الآتي:
- إنهاء العدوان بكل صوره واشكاله، وتمكين السلطات الدستورية «مجلس النواب من خلال ملء فراغ المناصب الشاغرة، رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء».. ووقوف المجتمع الدولي الى جانب السلطة المختارة في مكافحة الارهاب وتزويد اليمن بالأسلحة اللازمة وتوفير الأموال والمتطلبات اللازمة لإعادة بناء المرافق والمنشآت الحيوية والتنموية وكافة البنى التحتية.
- منع آل سعود وزبانيتهم نهائياً من التدخل في الشأن اليمني وتشكيل لجان للتحقيق في جرائمهم وإحالة المجرمين الى القضاء الدولي.. وقبل ذلك يجب استصدار قرارات دولية بحجز جميع ممتلكات وأموال الدول المعتدية والضالعين في العدوان على اليمن لتعويض اليمن..
- تشكيل لجان تحقيق وطنية في جرائم ومخالفات الأحزاب والفئات والافراد الذين ساهموا وشاركوا في العدوان على اليمن.. أو أفسدوا الحياة السياسية وكافة الجرائم التي وقعت منهم واحالة نتائج التحقيق للقضاء لمحاكمتهم وتوقيع العقوبات الرادعة بحقهم وقبل ذلك حجز ممتلكاتهم وفقاً لنص المادية «125» من قانون الجرائم والعقوبات.
- وضع خارطة زمنية لتهيئة المناخات وصولاً الى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية وازالة العقبات والعوائق..
وبغير ما سبق لن يصلح حال اليمن حتى ولو تم وقف العدوان فستظل تداعياته مستمرة على الأرض عبر مرتزقته من الداخل، وسيعود المجرمون ابطالاً ليواصلوا إفسادهم وفسادهم.
٭ رئيس الدائرة القانونية بالمؤتمر الشعبي العام
|