أ.د/عبدالعزيز صالح بن حبتور -
خسرت اليمن جراء عدوان الحلف العربي بقيادة المملكة السعودية مُنذ عشرة أشهر عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وخسر ما يقارب الثلث من بنيته التحتية ومقدرات مواطنيه في قطاعي الدولة والخاص (الإحصائيات الأولية تظهر أرقام خسائر مخيفة للدمار)، ولازال العدوان مستمراً في حصد أرواح المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ وكأن المعتدين غشّوا بصرهم وبصائرهم بغباء نادر وصمّوا عن كل المناداة والمطالبة الإنسانية الدولية بإيقاف عدوانه الوحشي البربري على الشعب اليمني المسالم الفقير، خسائر اليمن المباشرة جراء العدوان كبيره ولكن هناك خسائر مصاحبة للعدوان لا يجري حتى مجرد إحتسابها في التقارير من باب الاستشهاد بالأرقام، مثال على قولنا هذا كم هي الخسائر البشرية التي يخسرها الوطن جراء عملية وفاة الاطفال بمرحلة الولادة والأطفال الخُدج ومرضى القلب والضغط والسكري وأمراض الشيخوخة وكل هؤلاء يتوفاهم الله بسبب انعدام ( الوقود ) والطاقة والأدوية والتغذية الصحية وكل ذلك نتاج العدوان والحصار غير الإنساني وغير القانوني، وهذه الحرب العدوانية الممتدة لعشرة أشهر لانخسر بسببها الشهداء والجرحى والدمار لمقدرات الشعب فحسب بل اننا لم نعد نستطع حتى من وداع أحبائنا الذين غادرونا ونقوم بواجب العزاء لأسرهم وهم عاشوا عمالقة كبار في تاريخ اليمن وعدن على وجه التحديد وهذا هو الفصل الحزين من فصول حرب العدوان على هذا اليمن العظيم، ولو القينا نظرة سريعه لخسارة مدينة عدن لعدد من رموزها المميزين في مجالات العلم والأدب والإعلام والسياسة والإبداع خلال عشرة أشهر من العدوان الغاشم لأدركنا كم كانت الخسارة فادحة وكبيرة لقد خسرنا البروفيسور / عبدالله علي القرشي، والأعلامي الموثق / عبدالله محمد العديني، والأستاذ/طه أحمد غانم، والإعلامي/ إقبال علي عبدالله، والأستاذ/ عيدروس بلفقيه، والأستاذ / حسين المقدي، والمربي/ عبدالله صلاح علان، والبروفيسور/ المهندس / شمشير والعديد من القامات العلمية من عدن وجامعتها.
وخلال أسبوعين تقريباً ودعنا عدد من الرموز الثقافية الهامة بالمدينة رحمة الله عليهم والآتية أسماؤهم :
الشخصية الأولى هي :
الكابتن / محمود جميع مبارك باشبيل من مواليد عام 1949م بضاحية الشيخ عثمان بمدينة عدن، مؤسس لعبة الملاكمة بالجمهورية اليمنية ورئيس الاتحاد اليمني للملاكمة ، بطل الجمهورية في الملاكمة لعشرين عاماً بدون منازع، وعضو مؤسس لقيادة نادي الوحدة الرياضي العريق بالشيخ عثمان منذ التأسيس وحتى السنوات الأخيرة من حياته، ترأس وفود اليمن في العديد من البطولات الدولية والاقليمية في كل من كوبا الاشتراكية، الاتحاد السوفيتي، السعودية، سوريا، والكويت، تتلمذ على يديه أجيال من هواة ومبدعي هذه اللعبة، ينحدر الكابتن / جميع من أسرة آل با شبيل من محافظة شبوة وهي أسرة مهتمة بالعلم والثقافة
الشخصية الثانية هي :
الدكتور الشاعر / حسن أوسان واسمه الكامل حسن عبدالله سيف العزعزي، ولد وترعرع في حي الشيخ عثمان بمدينة عدن وبرز نبوغه السياسي والأدبي مُنذ المراحل الدراسية المُبكرة، كان أحد الأعضاء المؤسسين لحزب الشعب الديمقراطي ( رفاق السلفي و باذيب ) وبعدها انتظم في صفوف التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية والحزب الأشتراكي اليمني، له عدد من الدواوين الشعرية والأبحاث في مجال اختصاص الإدارة، شغل العديد من المواقع الإدارية كان آخرها عميد معهد علوم الإدارة العامة في عدن لأكثر من عشر سنوات، ينحدر الشاعر من محافظة تعز منطقة العزاعز ولكنه ولد وعاش وتربى وخدم مدينته الجميلة عدن.
الشخصية الثالثة هي :
أ.د/ سالم علي الباني ( أبا فهد ) من مواليد م/ شبوة، ربط حياته في عدن مُنذ مطلع السبعينات، سافر الى ألمانيا للدراسة الجامعية وحصد منها شهادات الدبلوم والماجستير وعاد لليمن ليتعين معيداً بكلية ناصر للعلوم الزراعية بجامعة عدن وعاد الى ألمانيا مرة أخرى لينال شهادة الدكتوراه ويعود محاضراً بالكلية، كان نائب عميد الكلية للشؤون الثقافية لعدد من السنوات، عين مدير مركز التعليم المستمر بدرجة عميد كلية لأكثر من خمسة عشر سنة، انتُخب عضواً في مجلس الشعب الأعلى باليمن الجنوبي لدورتين، وواصل نشاطه الحزبي الى ان انتُخب عضوا للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام ونائب رئيس فرع المؤتمر بجامعة عدن حتى آخر يوم في حياته، مناضل صلب من أجل وحدة وتطور ونماء اليمن ووقف بصلابة الى جانب قيادة وقواعد المؤتمر الشعبي العام في تثبيت الأمن والاستقرار والنهوض باليمن في كل الجوانب له العديد من الأبحاث العلمية والكتب في مجال إختصاصه.
الشخصية الرابعة هي :
أ.د/ عمر محمد علي الوحش من مواليد م/ تعز، عُزلة الشمايتين جبل صبرا، أرتبطت حياته المهنية والعملية بمدينة عدن منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، عاد الى الشطر الجنوبي من اليمن بعد ان أكمل دراسته في جمهورية يوغوسلافيا الإشتراكية بحصوله على شهادة الدكتوراه في مجال إقتصاديات البلدان النامية، عمل مستشاراً باللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومجلس الوزراء، انتقل للجامعة كمحاضر بكلية الإقتصاد والإدارة وبعدها عين نائب عميد للكلية، وفي منتصف عام 1982م عُين نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الثقافية، وفي عام 1986م عُين عميداً لكلية الإقتصاد والإدارة، له العديد من الأبحاث والمحاضرات في مجال الفقر وإقتصاديات البلدان النامية.
الشخصية الخامسة هي :
أ.د/ عبدالغني محمد قادري الصُبيحي، تخرج من معهد العلوم الاشتراكية بالاتحاد السوفيتي وعمل محاضراً في معهد باذيب للعلوم الإشتراكية في زمن اليمن الديمقراطية وتبوأ فيها منصب رئيس قسم البناء الحزبي بالمعهد، وبعد الوحدة اليمنية المباركة في 22مايو 1990 م تم إلحاق المعهد الإشتراكي بكل قوامه الى جامعة عدن وتم توزيع الفقيد المرحوم في كلية التربية بطور الباحة وعين نائباً لعميد كلية التربية بطور الباحة لشؤون الطلاب، كان ناشطاً حراكياً سلمياً صلباً لكنه كان عقلانياً يدعو للانفصال عبر الحوار وكان مناهضاً لاي أسلوب دموي لتحقيق مطالب التشطير و نادى في العديد من اللقاءات والاعتصامات الحراكية بالإنفصال وبناء دولة الجنوب وله العديد من المقالات في اختصاصه وفي مجال الدعوة للإنفصال السلمي، إذ كان يحلم كغيره من الحراكيين السلميين طوال عقدين ونيف من الزمان بانفصال الجنوب عن الوطن الكبير اليمن.
رحم الله كل الزملاء الذين فقدتهم عدن وجامعتها ونسأل الله لهم بالمغفرة والرحمة بسم الله الرحمن الرحيم ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضة مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) صدق الله العظيم.
أتقدم باسمي شخصياً وباسم الأكاديميين وأعضاء المؤتمر الشعبي العام بعدن وجامعتها بالتعازي القلبية الحزينة على فراقهم وندعو الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وان يسكنهم جناته الواسعة وان يلهم أهلهم وذويهم وطلابهم ومحبيهم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
بقيت لي كلمة في هذا المقام انه وبسبب الحرب الإجرامية المتواصلة التي يشنها " الأعراب " على اليمن العظيم لم نتمكن من وداع أحبتنا ولم نستطع ان نقوم بواجب العزاء لأسرهم وهذا هو الفصل الحزين من فصول تراجيديا الحرب المؤلمة على الشعب اليمني، وهناك أصوات " يمنية!!! " تبرر للعدو جرائمه وربما تقوم بمساندته، أتمنى عليهم ان يفتشوا في ضمائرهم وعقولهم كي يصححوا مواقفهم غير السوية، ويتذكروا ان سجل التاريخ مفتوح وأمين يرصد كل هذه المواقف، ولا أظن ان عاقلاً في هذه الدنيا يرضى بان يكتب التاريخ عنه بحروف مخزية بانه ساند العدوان على شعبه وبلده ذات يوم!!!.
والله من وراء القصد
رئيس جامعة عدن - محافظ عدن الأسبق
رئيس فرع المؤتمرالشعبي العام بجامعة عدن
|