حاوره/ محمد أحمد الكامل - > أكد رئيس الهيئة العامة للآثار الاستاذ مهند السياني أن العدوان السعودي استهدف وضرب أكثر من (52) معلماً وموقعاً أثرياً كان آخرها تدمير مدينة وقلعة كوكبان التاريخية والتي تأثرت بنسبة تزيد عن 85٪ بالإضافة إلى تدمير مسجد الإمام عبدالرزاق بن صمام الصنعاني إلى جانب متحف ذمار وما يحتوي من آثار وفقدان ثاني أقدم منبر إسلامي في الوطن العربي والذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الهجري.. مبيناً صعوبة التوثيق والحصر العلمي الدقيق للاضرار في المواقع والمعالم الأثرية نتيجة لاستمرار العدوان السعودي من جهة، والحالة الاقتصادية التي يعاني منها البلد من جهة ثانية..
وقال السياني في حوار أجرته معه صحيفة »الميثاق«: إن جميع المتاحف التابعة للهيئة بالمحافظات قد أُغلقت جراء استمرار هذا العدوان، موضحاً أنه ورغم كل الجهود التي تبذلها منظمة اليونيسكو من أجل تجنيب المواقع والمعالم الأثرية وحمايتها من الاستهداف والقصف إلاّ أننا لم نلمس استجابة على الواقع، ويتواصل استهداف هذه المواقع الاثرية المهمة بدعوى أنها مخابئ أسلحة أو تمركز لأفراد مسلحين، مؤكداً استمرار عملية القصف الممنهج الذي تقوم به السعودية وحلفاؤها للمواقع والمعالم الأثرية في اليمن محاولةً طمس هوية الإنسان اليمني وتراثه الحضاري العظيم.. فإلى التفاصيل..
< في البداية ترحب بك صحيفة »الميثاق« ونشكرك على إتاحة هذه الفرصة.. دعنا نبدأ حديثنا عن استهداف العدوان السعودي للمواقع الأثرية والمتاحف اليمنية وحجم الاضرار الناتجة عن هذا العدوان؟
- أولاً اشكر صحيفة »الميثاق« لتسليطها الضوء على هذا الموضوع بهدف ايضاح الصورة الفعلية وحجم الدمار الكبير الذي تتعرض له آثارنا وتراثنا اليمني..
فهناك آثار مادية ملموسة وهي استهداف بعض المعالم والمواقع الاثرية استهدافاً مباشراً أو غير مباشر، حيث ان ما تم استهدافه إلى الآن (52) موقعاً اثرياً ومتحفاً منها ما تم اصابته اصابة مباشرة كما حصل لآخر موقع في قلعة أو قشلة كوكبان، أو كما حصل في سد مأرب وبراقش وفي صرواح وما حصل لمتحف ذمار الذي انتهى نهائياً، أما بالنسبة للمواقع الاثرية التي أُصيبت بشكل غير مباشر نتيجة مواقع بجوارها مثل الاضرار التي لحقت بالمتحف الوطني بصنعاء ومتحف الموروث الشعبي وما حصل في متحف عدن كذلك..
أيضاً بعضها تأثر نتيجة تأثر نتيجة التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها القاعدة وداعش في بعض المحافظات التي تسيطر عليها، كتفجيرها للقباب والمعالم والمزارات الدينية وهو ما حصل في محافظات حضرموت ولحج وعدن وتعز.
وأود أن أشير إلى أن هناك أثراً سلبياً آخر على التراث والثقافة اليمنية المتمثل بإيقاف العمل العلمي نهائىاً من البعثات العلمية التي كانت تعمل سابقاً في اليمن نتيجة لهذا العدوان السعودي على بلدنا.. بالإضافة إلى اغلاق جميع المتحاف التابعة للهيئة العامة للآثار.
< كم يبلغ عدد هذه المتاحف التي أُغلقت؟
- أغلقنا جميع المتاحف التابعة للهيئة في جميع المحافظات والبالغ عددها (22) متحفاً.
هذا تقييم أولي للأضرار التي نتجت عن العدوان السعودي بشكل مباشر أو غير مباشر مع استثنائنا المعالم والمواقع الاثرية في محافظتي صعدة وحجة لم نذكر منها إلاّ ما عرفنا وتأكدنا منه، أما بقية المعالم الاثرية فلا نستطيع أن نعرف عنها لأنها لاتزال تحت القصف.
< ماذا عن موقف منظمة اليونيسكو والمنظمات الدولية ذات العلاقة تجاه هذا الاستهداف والتدمير المباشر للآثار والمتاحف اليمنية؟
- في الواقع المنظمات المعنية بالتراث لها مواقف ايجابية معنا، حيث عقد مؤتمر في باريس أواخر رمضان الماضي دعت إليه منظمة اليونيسكو وخرجنا بخطة عمل قريبة وبعيدة ومتوسطة المدى تقوم في مراحلها الأولى على اقامة معارض وندوات وكتابات صحفية للمواقع الالكترونية وغيرها حول أهمية الحفاظ على آثار اليمن وتراثه وأهميته وقيمته الثقافية والإنسانية ومن أجل أن نقول للعالم إن هذا التراث قد أُصيب وفي خطر ويتم استهدافه.
إلى جانب ذلك دعونا المنظمات الدولية إلى ان تضغط على دول تحالف العدوان الذي تقوده السعودية لإيقاف الاعتداء على المعالم والمواقع الاثرية، ولكن للأسف الشديد لم يتم الاستجابة لدعوتنا أو التعامل معها بجدية، حيث كان لدينا عندما ذهبنا إلى باريس 25 موقعاً اثرياً تم استهدافه، بينما الآن اصبح لدينا (52) موقعاً أثرياً ومعلماً كل هذا لأن المنظمات العاملة في التراث والثقافة ليست منظمات مثل مجلس الأمن لديها قرار بإيقاف الحرب بل هي توصي وتدعو فقط.. وأحب أن أشير الى أننا في مؤتمر باريس شاهدنا من ذرف دمعاً على تراثنا الغالي وسمعنا منهم كلاماً جميلاً حول معرفتهم باليمن وتراثه العريق وخاصة ممن عملوا في اليمن ولهم باع طويل في مجال التراث والتاريخ اليمني مع معرفتهم وتأكيدهم أن بعض المعالم والمواقع الأثرية من الصعب جداً أن تكون ملجأ ومخبأ للصواريخ أو السلاح الثقيل أو حتى أن يختفي فيها أفراد مسلحون- كما يدّعي العدوان- لأنها مكشوفة وجغرافيتها واضحة يستطيع أن يراها الإنسان بالعين المجردة، ولا تحتاج أن تصوب بالطيران تحت حجة البحث عن أسلحة أو أفراد أو صواريخ.
< أفهم من كلامك انه تم التواصل مع قوى العدوان السعودي من أجل تجنيب المواقع الاثرية القصف والتدمير ولكن بدون فائدة بل على العكس من ذلك؟
- عملياً عن طريق اليونيسكو فقط حيث أبلغونا انهم سوف يتواصلون مع دول التحالف السعودي وبالفعل عرفت أنهم قاموا بزيارتهم طبعاً الأصدقاء في المنظمات الدولية سواءً منظمة اليونيسكو أو منظمة التراث العالمي، محاولين قدر المستطاع أن يكون الجانب السياسي بعيداً عن جانب استهداف التراث والتاريخ اليمني.
مع تأكيدنا حتى وان زاروهم ولا أفهم أي شيء آخر لأنهم لم يبلغونا ما الذي تم ولكن عرفت بشكل عام انهم تواصلوا معهم وحصلوا على وعود وتطمينات بتجنيب الآثار والمواقع القصف والتدمير ولكن كما قلت سابقاً لم يتغير شيء ولم نلمس أي استجابة على أرض الواقع.
< كيف تفسر هذا الحقد التدميري على تاريخ اليمن وهوية الأرض والإنسان؟
- في الحقيقة منذ بداية العدوان السعودي وأنا أسأل هذا السؤال وربما بصورة اشمل.. كيف نفسر الاعتداء على اليمن الأرض والإنسان والتاريخ وما ذنبنا حتى يعتدوا علينا؟
وهنا أجد أنه لشيء محزن أنهم دمروا أغلى ما يمتلكه الإنسان اليمني حياته وأغلى ما يمتلكه اليمن وهو التراث، وإلى الآن وأنا في حيرة لم أجد أي تفسير أو مبرر لهذا الجرم نهائىاً.
< هل قمتم بعملية حصر وتوثيق للمواقع والمعالم الأثرية التي دمرت.. وما أبرز هذه المواقع.. وما الصعوبات التي تواجهونها في هذا الجانب؟
- بالنسبة للحصر والتوثيق كما قلت لدينا (52) موقعاً ومعلماً تم حصرها وتوثيقها..أما أبرز المواقع وأهمها بدءاً بالموقع الأول مسجد الإمام عبدالرزاق بن صمام الصنعاني إمام الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وهو من المحدثين واصحاب الكتب المعروفة بالاضافة إلى متحف ذمار الذي دمر تماماً والذي فقدنا فيه أقدم منبر إسلامي في الوطن العربي للأسف الشديد، حيث يعود تاريخه إلى القرن الثاني هجرية، يلي ذلك معبد براقش أو مدينة براقش الأثرية معبد صرواح، سد مأرب القديم، مدينة وبوابة كوكبان، وقبلها مدينة صنعاء حي القاسمي وحي الفليحي هناك أيضاً تم قصف شوفة وبيت مال المسلمين في مسور عمران وضرب أيضاً دار الإمام في عمران كل هذا تأثر بشكل مباشر وبعضها مثل قلعة كوكبان.. وتقريباً وصل آثار الدمار فيها إلى نسبة 85٪ وأكثر مع التذكير كما تعرف ويعرف القارئ الكريم ان قلعة كوكبان بالذات عملنا فيها (11) عاماً من الترميم الاثري الدقيق استخدمنا فيها المواد الأصلية وأحضرنا بعض الاخشاب التي أخذت.. أكثر من عام سخرناه من أجل اتقان العمل في القلعة.
وطوال (11) عاماً ونحن نعمل على الترميم ولم ننتهِ بعد وكما يقال في غمضة عين انتهى هذا العمل العلمي وهذا الجهد لمدينة بالكامل.. كل كوكبان .. التراث.. البناء، الإنسان كل ما في كوكبان جميل وذو قيمة تراثية وتاريخية عظيمة وكبيرة..
< . عند توثيقكم وحصركم للمواقع الاثرية التي تم قصفها.. ما الصعوبات التي تواجهونها في هذا الجانب؟
- في الحقيقة نحن أمام عمل صعب جداً لأننا لا نستطيع التوثيق والنزول إلى هذه المواقع لأن البلد في حالة حرب، حيث ان العمل العلمي الدقيق بحاجة لأن يكون أمام فريق العمل فرصة ان يوثق توثيقاً دقيقاً.. مع الاشارة إلى أنه اذا كان هناك أي توثيق أو زيارة يستطيع البعض من مديري المكاتب التي لا توجد لديهم مشاكل أي لا تشهد تلك المنطقة حالة حرب، فيقومون بإعطائنا معلومات أولية عن كل موقع.
< يعني إنه لا توجد عملية حصر وتوثيق واستقصاء لهذه المواقع؟
- نعم هذه هي الحقيقة ويرجع ذلك إلى سبب القتال القائم في بعض المناطق واستمرار العدوان السعودي على بلادنا إلى جانب الحالة الاقتصادية التي تشهدها وتعيشها البلد.
لو أردت أن اشكل فريق بحث وتوثيق وتقصٍّ لا أريد أن أضع من نفسي مضحكة أمام الآخر لذلك يجب أن اشكل فريقاً علمياً دقيقاً من المهندسين، من الآثاريين والجيولوجيين، فرق علمية تعمل على رفع تقارير تليق بحضارة اليمن.. ونحن اصبحنا الآن أمام التوثيق الرقمي والتوثيق عبر الاقمار الصناعية والصور الفضائية.. الخ.
< من المنتظر إقامة مؤتمر ومعرض دولي للآثار في اليمن بدعوة من متحف الارتياح ومتاحف دولية ستنظمه منظمة اليونيسكو.. ما دوركم في هذا المعرض؟
- نعم.. هناك استعداد لإقامة معرض وندوة في مدينة سان بطرسبوغ في جمهورية روسيا الاتحادية في المتحف المشهور عالمياً »الارتياح« وهذا من ضمن مخرجات باريس، ففي باريس اتفقنا على تشكيل فرق عمل بعض المتاحف بعمل معارض لإبراز القطع الاثرية اليمنية في مناطقها الدائمة، في حين بعض العلماء يشتغلون على المواقع الالكترونية والبعض الآخر يقوم بعمل ندوات وورش عمل هذا كله يتم بالتعاون والتنسيق فيما بيننا وبين منظمة اليونيسكو ومنظمة الأسسكو ومنظمة التراث العالمي وغيرها من محبي التراث اليمني..
نحن على علم وتواصل بشأن هذا المعرض ولكن من الصعب في هذه المرحلة أن نشارك بأي قطعة اثرية، لكن يمكن ان نشارك إذا طلب منا- بإعطاء معلومات وصور أو أي بيان عن حالة عن التراث اليمني..
وما أود أن أقوله هنا ان هناك لقاء في شهر مارس ستقيمه الحكومة الألمانية من أجل ايضاح الصورة حول الآثار اليمنية والذي يمكن ان نشارك فيه.
< إذا ما تكلمنا عن الجانب السياحي وعلاقته بالآثار والتراث الحضاري.. ما تأثير قصف وتدمير المتاحف والآثار على السياحة بشكل عام؟
- في الحقيقة المعروف ان السياحة في اليمن هي سياحة ثقافية في الواقع، حيث ان معظم من يأتي إلى هنا من أجل ان يطلع على معالمنا الاثرية وتراثنا الثقافي ومدننا الحضارية ولهذا نقول إن السياحة تأثرت بنسبة 100٪ بسبب ما يقوم به العدوان السعودي من قصف وتدمير للمعالم الأثرية في اليمن إلى جانب ما تقوم به الجماعات الإرهابية من تفجير للقباب والمعالم والمزارات الدينية جراء ثقافة مغلوطة هي في تقديري أكثر خطورةً على تراثنا من أي شيء حصل، مع التأكيد أو عدم التقليل مما يقوم به العدوان السعودي من تدمير لهوية الأرض والإنسان في اليمن.
|