د.عبدالغني علي السبئي - طلبت المملكة السعودية من بنوك عالمية دراسة إقراضها قرضاً دولياً قد تصل قيمته الإجمالية الى نحو 10 مليارات دولار، السبب العريض وراء طلب الاقتراض لهذا المبلغ، يعود للضغط المتزايد على المالية العامة بعد انهيار أسعار النفط إلى حوالي 30 دولاراً للبرميل وزيادة النفقات على الحروب مما نجم عنه تزايد العجز في الميزانية، يأتى هذا بعد ان اتبعت السعودية مطلع العام الحالى سياسة تقشفية نسبياً ولكن هذه السياسة من وجهة نظرى كانت غير منضبطة وكان لها آثار سلبية كبيرة حيث كان الهدف منها الحفاظ على التصنيف الائتمانى أعلى من تصنيف التوصية بعدم الاستثمار في الأوراق المالية السيادية.
فى النصف الثانى من شهر يناير الماضي قررت وكالة ستاندرد اند بورز خفض تصنيف السعودية من A + إلى A-، لتكون فقط أعلى بأربع درجات من تصنيف التوصية بعدم الاستثمار في الأوراق المالية السيادية بالاستناد الى التوقعات القادمة لأسعار النفط، وقالت الوكالة إن أسعار النفط هبطت بشكل أكبر منذ مراجعتها الأخيرة في شهر أكتوبر 2015م، مشيرة الى أنها تفترض معدل 20 دولاراً لبرميل النفط بين 2016 و2019م، وأوضحت أن انخفاض أسعار النفط سيكون له تأثير ملحوظ ودائم على مؤشرات المملكة العربية السعودية المالية والاقتصادية نظراً لاعتماد المملكة الكبير على النفط.. وتتوقع الوكالة أن ترتفع أعباء الدين العام السعودي الى أكثر من 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بين 2016 و2019م.. وأبقت ستاندرد اند بورز توقعاتها على الجدارة الائتمانية في السعودية عند "مستقرة"، متوقعة أن تتخذ الحكومة خطوات لاحتواء التراجع المالي وسد العجز في الموازنة عبر السحب من الاحتياطيات الخارجية وإصدارات سندات الخزينة.
ولكن هل هذا كافٍ لأن تحصل السعودية على القرض الخارجي الضخم بسهولة.. وما السيناريوهات المقبلة!!
- سيناريو حتمي- تكبدت السعودية عجزاً مالياً في الموازنة بسبب اعتمادها على إيرادات النفط بشكل كبير التي انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وبسبب النفقات التي تواجهها الموزانة سحبت من الصندوق السيادي أموالاً، ومن ثم أدركت أن أسعار النفط ستبقى طويلاً منخفضة وهذا سيؤدي لاستنزاف أموال الصندوق، فعملت على الاقتراض الداخلي ولكن وصل لحده الأقصى الذي لا تستطيع تجاوزه حفاظًا على السيولة فما كان لها الا أن تقدم طلب قرض من الخارج.. ومما لاشك فيه ان الشركات العاملة في السوق السعودية هى الاخرى بحاجة ماسة إلى الاقتراض الدولي هذا العام بعدما وصل الاقتراض الداخلي حده الأقصى..
- آثار السياسة التقشفية نسبياً:
نذكر على سبيل المثال حالة تتمثل في خفض الإنفاق الحكومي على مشاريع التشييد والبناء، أدى لعرقلة وتعثر الشركات الكبرى مالياً في هذا القطاع لأنها غير معتادة على هذا الأمر فهي تعتمد على الإنفاق الحكومي بشكل كبير ومن بين الشركات »بن لادن« و»سعودي أوجيه« و»العجل« وقد أرغمت هذه السياسة العديد من الشركات على تسريح موظفيها للتقليل من النفقات كما فعلت شركة »بن لادن« حيث سرحت خلال الأشهر الأربعة الماضية 50٪ من موظفيها، والجدير بالذكر أن الشركات الثلاث تلك تمتلك أكثر من 70٪ من حصة المقاولات في السعودية.. وتشير التقارير الى أن أكثر من 5 ملايين عامل يعملون في السعودية في مجال البناء والتشييد يواجهون أزمة بسبب عدم تسلمهم الرواتب لعدة أشهر بسبب الركود الذي يعانيه القطاع العقاري نتيجة قلة الإنفاق الحكومي هذا العام، ويعد قطاع البناء والتشييد من أكبر القطاعات حيث يوظف نصف العاملين في القطاع الخاص تقريباً، علماً أن الشركات العملاقة تحصل على المشاريع الحكومية الضخمة بالأمر المباشر ثم تسند تنفيذها لعدد كبير من المقاولين لأنها لا تستطيع تلبية كل المشاريع والتي تزيد قيمتها عن 85 مليار دولار سنوياً، وكانت دراسة اقتصادية حديثة كشفت أن سوق المقاولات في السعودية كان من القطاعات الأكثر نمواً بأرباح تصل إلى 80 مليار دولار سنوياً.
- ينظر البعض الى أن الاقتراض من الخارج أمر طبيعي يمكن للسعودية ان تحصل علية من المؤسسات المالية العالمية بسهولة بالاعتماد على التصنيف الائتمانى وعلى العكس أراه:
قد يرى البعض ان السعودية والشركات العاملة بأسواقها ستجد مؤسسات مالية عالمية كثيرة لإقراضها المبالغ المطلوبة بالاعتماد على ذلك التصنيف الائتماني لوكالة ستاندرد آند بورز وعلى العكس انا أراه أمراً صعباً ومن وجهة نظري التي تستند إلى اسباب، اهمها:
- جميع البنوك العالمية الكبيرة ملتزمة بتطبيق المعايير الاحترازية لتجنب مخاطر الائتمان وفقاً لاتفاقية ومقررات »بازل«، ولقد أعادت اتفاقية »بازل 2« النظر في كيفية تقييم مخاطر الائتمان التي تتعرض لها البنوك، وذلك باستعمال طرق متباينة من حيث درجة تطورها، والتقنية المستعملة ومدى تلاؤمها مع البنوك والاوضاع القائمة.
وبناء على ذلك فإن البنوك العالمية عند دراسة طلب القرض المقدم من السعودية لن تعتمد فقط على المنهج المعياري أو النمطي: التي تقوم على أساس إعطاء أوزان مخاطرة لأصول البنوك، اعتماداً على التنقيط الذي تعطيه مؤسسات التقييم الدولية*.. وعلى الرغم من انه هيئات متخصصة في تنقيط ** الدول، المصارف، الشركات من حيث درجة المخاطر التي تحملها وفقاً لمعايير معينة.. مثل (وكالة ستاندرد اند بورز) ووفقاً لاتفاقية »بازل«.
- الوزن الترجيحي للقروض الممنوحة للجهات السيادية تقيم مخاطر الائتمان بأساليب التقييم الداخلية: والتى تستخدم بترخيص من السلطات الإشرافية وتقوم على تقدير البنك للمخاطر المرتبطة بمقترضيه، وذلك بناء على تصنيف مؤسسات التقييم الدولية له وكذلك معلومات أخرى حول مركز المقترض ووضعية القطاع الذي ينتمي إليه ووقوع العجز عن السداد، وحجم الانكشاف الكلي عند العجز عن السداد، أي حجم الخسائر الكلية التي سيتعرض لها البنك.. وآجال الائتمان حيث كلما مالت إلى الطول زادت المخاطر، ودرجة التركيز كلما تنوعت محفظة قروض البنك كان ذلك عاملاً مخففاً للمخاطر.. كذلك تأخذ بالاعتبار عند التقييم الجوانب السياسية كحالة السلم والحرب والجوانب الحقوقية المتعلقة بحقوق الانسان.. الخ.. وهناك اساليب أخرى متعددة للتقييم..
- أولت الاتفاقية اهتماماً كبيراً بمخاطر السوق والمخاطر التشغيلية، لأن تأثيرهما لا يقل خطورة عن المخاطر الائتمانية، وذلك باستعمال طرق معيارية وأخرى متطورة وحيث تم إدخال مخاطر السوق بعين الاعتبار، وذلك عن طريق إضافة شريحة ثالثة لرأس المال تتمثل في قروض مساندة لا يقل تاريخ استحقاقها عن سنتين وفقاً لشروطاً معينة له هي:
* أن لا تزيد الشريحة 03 عن 250٪ من مقدار الشريحة 01 المخصصة لتغطية مخاطر السوق.
* يمكن دمج الطبقة الثانية مع الثالثة لضمان الحد الأقصى المحدد وهو 250٪.
* أن تكون الشريحة 01 الشريحة 02+03
مخاطر السوق وفقاً لاتفاقية »بازل 2«: نظراً للخسائر التي قد تلحق بالبنوك نتيجة تقلبات أسعار مختلف المتغيرات في السوق فقد اهتمت الاتفاقية بها وحددت طريقتين لحسابها نذكرمنها:
الطريقة المعيارية: وهي تقوم على أساس إعطاء طريقة محددة لحساب المخاطر المرتبطة بـ: معدلات الفائدة، أسعار الأسهم، أسعار الصرف، أسعار السلع.. كمثال فمخاطر الأسهم قسمتها إلى:
* مخاطر متعلقة بالجهة المصدرة للورقة وتمثل 08 ٪ من قيمة التعرض للخطر.
* مخاطر السوق العامة: وهي تمثل 08 ٪ من القيمة الاسمية للورقة المالية.
وبناءً على كل ماسبق نتواقع بان طلب السعودية دراسة امكانية منحها قرضاً خارجىاً سوف يصطدم بالعديد من العوائق.. والامر اكثر تعقيداً بالنسبة للشركات العقارية العاملة بسوق السعودية بسبب اوضاعها المالية وعدم تبني معايير البلاغ المالى الدولية الموجهة نحو مدخل القيمة العادلة وكذلك فيما يتعلق بالشركات المحلية الاخرى التى تعمل بالاستثمار المتصل بالتجارة فإن اتفاقيات الجات ونشوء منظمة التجارة العالمية فرضت ظروفاً جديدة على واقع الاستثمار الدولي حيث إن الاستثمار المتصل بالتجارة لا ينسجم مع قواعد الجات.. وفي جميع الاحوال لامفر امام السعودية من اتخاذ اجرات اصلاحية وتقشفية مؤلمة.
- المرحلة تحمل العبء الكبير:
طلب السعودية الاقتراض من الخارج أمر أراه مقبلات للشعب السعودى تعقبها اتباع المملكة مجبرة سياسة تقشفية شاملة للخروج من هذا الوضع المالى تشمل تسريح الموظفين وتقليل الرواتب وتخفيض العلاوات وإلغاء كثير من المناصب الوظيفية للحد من البطالة المقنعة وتقليص المشاريع وإلغاء العديد منها والتوجه نحو رفع الدعم عن الكثير من المواد الأسياسية وأهمها المشتقات النفطية وفرض ضرائب على الخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة للمواطن، والبدء بالانسحاب من قطاعات وتسليمها للقطاع الخاص، لا خيار للمملكة اليوم غير القيام بإجراءات جذرية للخروج من عنق الزجاجة..
بالطبع هذه السياسة ستزعج الشعب الذي طالما تعود على الرفاه المصطنع وقلة الإنتاجية، لكن مثلما تقبل عن رضا العيش في ظل سياسة الخضوع والطاعة طوال السنوات الماضية عليه أن يشارك حكومته العبء والآثار الناتجة عن السياسات المتهورة وغير الرشيدة كلها هذه سمات المرحلة وهذا أمر لا مفر منه..
باحث ومحلل اقتصادى
|