عبدالرحمن مراد - لا ريب أن التظاهرة الكبيرة التي حدثت يوم 26 مارس 2016م كانت تظاهرة أذهلت العالم كله، ووقف أمامها فقهاء التحليل السياسي في ذهول وحيرة، وهي تفصح عن ذكاء حاد يمتاز به الزعيم علي عبدالله صالح الذي يُحسن صناعة اللحظة التحولية والانتقالية ويحسن في السياق ذاته اقتناص تلك اللحظة، وتلك المهارة فطرية فيه وقد أسهب في الحديث عنها كُتَّاب عرب وأجانب، بيد أن الذي أستغربه في المؤتمر هو حالة التماهي والاستغراق في الزمن وإهدار الامكانات رغم توافرها في ملء الفراغات النفسية والوجدانية والثقافية وقد تحدثت عن هذا البعد كثيراً ولم ينتبه لذلك أحد، والتقييم الصادق والموضوعي يدرك أن غياب البعد الثقافي من اشتغالات المؤتمر ترك فراغاً في التظاهرة بل وفجوات لم يملأها إلاّ الحضور المباغت والمفاجئ للزعيم ويظل الفراغ قائماً، وقد سبق لنا أن كتبنا كثيراً عن هذا الموضوع وهو موضوع مهم وحيوي ولا تكتمل دوائر التطور إلاّ به، وسنظل نكتب إذا استمرَّ التغاضي، فالمرحلة لا تحتمل مزيداً من اللامبالاة أو التغاضي ولكنها تتطلب جهداً مضاعفاً من أجل البقاء في طرفي المعادلة السياسية.
لقد أدرك العالم من حولنا وأدرك أعداء اليمن وأعداء المؤتمر أن سرَّ قوة المؤتمر تكمن في كارزما الزعيم وقوة حضوره في الوجدان الشعبي، ولذلك ظلت المؤامرات تتوالى على المؤتمر منذ تفجُّر مؤامرة عام 2011م الى عامنا هذا الذي نشهد عدوان السعودية ومن تحالف معها على اليمن ومايزال التآمر قائماً بشتى الطرق والوسائل والأدوات، إذ كانت البدايات في محاولات شق المؤتمر وتحقيق الانقسامات في بنيته التنظيمية، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية انفقت السعودية أموالاً كبيرة من أجل عقد مؤتمر عام في القاهرة ففشلت هذه الغاية ثم قيل إنهم صرفوا لبعض الرموز القيادية المحسوبة عليهم مبالغ اضافية لعقد مؤتمر عام وتعيين قيادة جديدة تتجاوز الزعيم على عبدالله صالح وتثبت هادي رئيساً للمؤتمر فكان ذلك ولكن اتضح للعالم أن الموضوع لم يتجاوز الدائرة المغلقة في فندق بالرياض ولم يكن له امتداد شعبي، ولم تدرك المملكة أن أموالها التي انفقتها على العليمي وبن دغر والشائف كانت رماداً بعثرته رياح «26 مارس» في ميدان السبعين وهذه الرياح التي حدثت في 26 مارس قلبت المعادلة رأساً على عقب واحدثت تحولاً وانتقالاً في المزاج الشعبي اليمني ونكوصاً وانكساراً للمحسوبين على المؤتمر في الخارج هذا بالاضافة الى الأثر السياسي والتحول على الصعيد الدولي، ويبدو أن القضية ذات أثر كبير وتركها دون العناية بها واستثمار أبعادها المختلفة غباء سياسي ماحق، ولذلك نقول إن اخطاء الماضي في البناء التنظيمي وفي التفاعل مع قضايا المجتمع المدني لكون الفجوات في هذا البناء كبيرة ومتسعة الاقطار وايضاً لفجوات في البعد الثقافي والنفسي والفني والوجداني ولا يمكن التعليل بالعدوان في العجز أمام ملء الفراغات في تلك الفجوات، لأن المؤتمر لديه امكانات ومؤسسات وهو ينفق عليها الاموال والأمر لا يحتاج إلاّ ترشيداً وتوظيفاً واعياً لتلك الاموال ولن يضاعف موازنة المؤتمر إلاّ ذلك الترف الذهني الذي يستوحي ويستلهم زمن التفرد والسلطة، واذا أدرك الكل في قيادة الصف الأول والثاني ابعاد المرحلة وضروراتها فبالتأكيد سيكون هناك رؤى قيمة تحفظ للمؤتمر توازنه وتحفظ له صدارة المشهد السياسي الوطني..
وفي ظني أن المؤتمر مرَّ خلال ما سلف من أعوام بتجارب مريرة، كان من المفترض أن يقف أمامها بقدر من التأمل والتحليل الطولي والسياقي والتقاطعي حتى يدرك اللحظة ويشذب نفسه ويتجدد ويتحدث ويتمكن من مواكبة التغيير والتبدل في حركة الواقع الاجتماعي والثقافي وفي حركته السياسية.
لقد خرجت الجماهير في 26 مارس وقالت كلمتها في ذلك اليوم، وقد كان الحدث مهماً وتحولياً، وقد ضاعف من رغبة خصوم المؤتمر في الاشتغال على مفردة الاشتغال القديم الجديد وهو خروج الزعيم من رئاسته، وقد تحول ذلك الاشتغال من همٍّ محلي عند اطراف سياسية بعينها الى همّ قوى خارجية، فقد تواترت الانباء عن ضغوط تسعى مجدداً في محاولة خروج علي عبدالله صالح من العملية السياسية ومن رئاسة المؤتمر ولذلك أصبح السؤال الحاضر في الوجدان بعد ذلك اليوم المزلزل.. ثم ماذا بعد؟! وكيف يستمر المؤتمر في قوته وفي تدفقه بذلك الزخم الجماهيري.. وهو سؤال مطروح على قيادة المؤتمر.. ولابد لها من الوقوف أمامه بتجرد وموضوعية ومسئولية.
|