فيصل الصوفي -
منذ ابريل 2015م إلى بدايات مايو 2016م، جرت بين السعوديين والإسرائيليين لقاءات مباشرة وعلنية كثيرة، أحدثها لقاء عُقد في واشنطن يوم الجمعة الماضية بين الأمير السعودي تركي الفيصل، والجنرال يعقوب عميرور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق.. الأمير تركي تباحث من قبل عدة مرات مع مسئولين إسرائيليين في واشنطن ولندن واستوكهولم، أما لقاءات السعوديين أنور عشقي، وإياد مدني، مع الإسرائيليين فتكاد تكون مرة واحدة كل شهرين، وأما جرأة الكتاب السعوديين في الدعوة إلى تطبيع كامل للعلاقات السعودية- الإسرائيلية.
وإقامة تحالف بين عاصمة اليهودية وعاصمة مذهب السنة، ضد عاصمة مذهب الشيعة، فلا يفوقها سوى صراحة الصحفيين الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى مكة والمدينة المنورة وحائل، لكي ينقلوا للمجتمع الإسرائيلي صورة واضحة عن الآثار الإسلامية التي دمرتها الحركة الوهابية.. لقد سمعنا الطرفين السعودي والإسرائيلي وهما يتبادلان الغزل والثناء والرغبة في تطبيع العلاقات بينهما تطبيعاً كاملاً، وهذا أمر واضح، فالسعودية التي اهتزت علاقة الغرب معها في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلق بنشر وتمويل الإرهاب، وإيقاظ المشاعر الطائفية، تود استعادة العلاقات الوثيقة السابقة من الباب الإسرائيلي.. ولا بأس.
لكن لما سمعت الأمير تركي الفيصل يقول:" أقول لليهود إنه بالعقول العربية، وبالمال اليهودي يمكننا المضي قدماً بصورة جيدة".. لتحقيق منافع علمية وتكنولوجية وإنسانية، ومنافع أخرى.. فقد شعرت بالإحباط لعدم قدرتي على فهم عبارة الأمير: " بالعقول العربية وبالمال اليهودي"! فقبله قال سعودي آخر: "بالعقل اليهودي وبالمال السعودي"، وهذه العبارة الأخير يفهمها أي واحد قليل الفهم مثلي، أما أن يقول الأمير تركي: " بالعقول العربية وبالمال اليهودي"، فهنا تبدو السياسة أعقد من الكيمياء.. المعروف أن المخاخ العربية تلقت ضربات مميتة من قبل السعودية- الوهابية، التي نمَّت ثقافة الخرافة والسلفية والوهم ومصارعة الجن، ونزعت فعالية معظم العقول في مختلف بلاد العرب والمسلمين.. ثم كيف يعني المال اليهودي؟
إذ المشهور أن السعودية هي الدولة الثانية الأغنى في الشرق الأوسط، مرتبتها بعد تركيا، وقبل إيران، وإلى جانب المال السعودي الهائل، هناك المال القطري والكويتي والعراقي والبحريني والإماراتي والليبي، فالمال العربي هو الأكثر، المال اليهودي ليس بشيء عند مقارنته بالمال السعودي وحده.. إسرائيل قائمة على الدعم الخارجي، وهي الدولة الأولى في العالم من حيث تلقي المساعدات الخارجية، والسعودية هي أولى في تصدير المال، فكيف يقول الأمير تركي: "بالعقول العربية وبالمال اليهودي"؟
إلا إذا كان يقصد أموال كل اليهود في العالم، فهي كثيرة بالفعل، لكن ليس كل يهودي يُعتبر إسرائيلياً، هل الأمير تركي الفيصل يغازل يهود العالم؟ الأمر الآخر أين راح العقل السعودي؟ لو كان للسعوديين عقل لما جننوا أمة العرب وصدموها بخطواتهم التطبيعية مع إسرائيل، في هذه الظروف العربية العصيبة، وفي مرحلة تمحق فيها القضية الفلسطينية محقاً عربياً أقوى من المحق الإسرائيلي.