محمد علي عناش - منذ أن وطأت قدماه أرض الجنوب اليمني، غازياً ومحتلاً، عمل الاستعمار البريطاني على فصل الجنوب عن الشمال وعمل على رسم الحدود الشطرية بين اليمنيين على أساس شمال وجنوب.
ومنع أي تواصل أو تقارب بين الشطرين، ولكي يكرس وجوده ونفوذه الاستعماري القوي على أرض الجنوب وتحكمه على حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية انطلاقاً من مدينة عدن، انتهج سياسة »فرّق تسد«، وعمل على تغذية النزعات العنصرية والمناطقية والنزعات الاستقلالية للسلطنات.
فدعم هذه السلطنات وجعل لكل سلطنة علماً خاصاً بها ومنح كل سلطنة حكماً ذاتياً مستقلاً على ما تحت يدها، كما دعم الحركات ذات المشاريع الصغيرة والمريضة، كحركة عدن للعدنيين وكذا رابطة أبناء الجنوب العربي ذات النزعة الاستقلالية بمحافظة حضرموت.
كانت هذه السلطنات، وهذه الحركات هي أدوات الاستعمار البريطاني في تكريس التقسيم والتجزئة وضرب الهوية الوطنية، وأدواته في مواجهة القوى الوطنية الوحدوية التي ناهضت الاستعمار وأعوانه وأشعلت شرارة الكفاح المسلح من أجل طرد المستعمر وألغاء الحدود الشطرية، وكذلك القضاء على السلطنات الرجعية والإقطاعية التي ارتبطت بالاستعمار وكرست وجوده ونفوذه بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين واللتين جعلتا هدف تحقيق الوحدة اليمنية هدفاً رئيسياً من أهدافهما الثورية إلى جانب أهدافهما الأخرى المتعلقة بتصفية بقايا الوجود الاستعماري والإمامي والمضي في الثورة الاجتماعية بالقضاء على السلطنات، إلا أن المستعمر من خلف البحار والأنظمة العربية الرجعية وعلى رأسها السعودية، وقفوا منذ الوهلة الأولى بكل الوسائل ضد تحقيق هدف الوحدة وبقية الأهداف، وعملوا على تكريس واقع للتجزئة والتشطير عبر الاستمرار في تغذية النزعة الحضرمية واحتواء الكثير من رموز السلطنات والإمامة، وعبر إثارة الحروب والمواجهات المسلحة بين الشطرين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل والتخطيط والتنفيذ لمؤامرة اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم محمد الحمدي قبل ذهابه الى عدن بيوم واحد للتوقيع على اتفاقية الوحدة.. هذه الجريمة التي ظلت من أكثر الجرائم غموضاً إلى أن بدأت تتسرب مؤخراً أوراقها والتي تدين السعودية وتكشف دورها الخسيس في تبنيها وتنفيذها وإخراجها بذلك السيناريو اللا أخلاقي.. وفي كل المراحل والمحطات ظلت الوحدة هاجساً ملحاً لدى كل الأحرار والشرفاء من رجالات الحركة الوطنية اليمنية وهدفاً رئيسياً من أهداف نضالاتها طوال عقود من الزمن، والتي توجت في الـ22من مايو1990م بقيام الوحدة اليمنية وتحقيق الحلم اليمني التاريخي علي يد الزعيم علي عبدالله صالح، كتراكم تاريخي إرادوي للحركة الوطنية بدءاً من لبوزة وباذيب وانتهاءً بصالح.. تحقق حلم قيامها مقترناً بفتح عهد جديد من الحياة السياسية القائم على الديمقراطية والانتخابات والتعدد الحزبي بعد عقود من الشمولية والحزب الواحد المرتبط أيديولوجياً ودبلوماسياً بالمعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي.. مضت دولة الوحدة تشق طريقها في بناء الدولة اليمنية الحديثة والقوية وترسخ النهج الديمقراطي وتفتح آفاقاً واسعة للعمل النقابي والمدني وتحقق بشكل متسارع نهضة تنموية كبيرة وممنهجة، إلا أن أعداء الوحدة من قوى التجزئة والمصالح في الداخل وكذلك الأنظمة الرجعية وعلى رأسها السعودية الذين تضررت مصالحهم من الوحدة وأرهبهم قيام دولة يمنية قوية ديمقراطية التوجه، عملوا بكل الوسائل على زعزعة دولة الوحدة ودعموا حركة الانفصال ثم حرب الانفصال في صيف عام1994م وانتصر الشعب اليمني لوطنه ووحدته ضد دعاة التقسيم ومن يدعمهم من قوى عربية ودولية، ومضت دولة الوحدة تشق طريقها في البناء والتنمية محققة على مدى عقدين من الزمن إنجازات مذهلة وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية وفي جميع المجالات إلا أنه ومن ذات الدول التي لجأ اليها أعداءالوحدة، وهي السعودية والإمارات وبريطانيا والدوحة، ظلوا يحيكون مؤامرات التقسيم تحت دعاوى ومسميات القضية الجنوبية والحراك الجنوبي السلمي.. هذه المؤامرات التي وجدت لها فضاءً واسعاً للتحرك في إطار جائحة الفوضى العربية في2011م تحت مسمى ثورات الربيع العربي، وهي في حقيقة الأمر ثورات فوضوية تبنت مشروع التدمير والتجزئة والتقسيم في المنطقة العربية وأثارت النعرات والصراعات الداخلية بالهوية والحامل لها التنظيمات الإرهابية »القاعدة وداعش«.
اليوم ونحن نحتفل بالعيد السادس والعشرين للوحدة اليمنية، نعيش في ظل تحالف عدواني همجي على بلادنا بقيادة السعودية، وفي ظل استعمار أمريكي اماراتي سعودي على أجزاء من المحافظات الجنوبية، وسيطرة تنظيم القاعدة وداعش على أجزاء واسعة من هذه المحافظات وبرعاية من تحالف العدوان والمستعمر الجديد.. أعداء الوحدة التاريخيين، من قوى إقليمية ودولية ومن خونة ومرتزقة، هم ذاتهم اليوم من يقومون بتدمير الوطن ويتقاسمونه ويستبيحون خيراته، هم ذاتهم من يدعمون الإرهاب تحت مسمى المقاومة، ويدَّعون محاربته تحت مسمى قاعدة عفاش والحوثي.
هم ذاتهم من يرتبون للانفصال واغتيال الوحدة.. هم ذاتهم من يطفحون بثقافة الكراهية والمناطقية والنزعة العنصرية ويقومون بتهجير أبناءالمحافظات الشمالية بتلك الطريقة الوحشىة التي تكشف مدى سقوطهم وإفلاسهم الأخلاقي.
|