رجاء الفضلي -
مر أكثر من شهر منذ بدء ما يسمونها بمفاوضات الكويت ولم يتحقق فيها حتى اليوم أي تقدم ينبئ بقرب انتهاء العدوان وانتهاء الحرب الداخلية وتحقيق السلام.
الوفد الوطني ذهب إلى الكويت وفي جعبته رؤية واضحة تؤسس لمرحلة انتقالية وتحدد معالمها بقواعد ضامنة تعتمد على التوافق, فيما وفد الرياض ذهب وفي جعبته القرار (2216) ولا يريد سوى تنفيذه وعودة شرعية هادي وحكومته..
منذ قرابة الشهر ووفد الرياض يتهرب من مناقشة مجمل القضايا بمسئولية وطنية, فتارة يرفض النقاش بعيداً عن القرار (2216) وتارة يتلكأ في تقديم رؤيته وتصوراته للمرحلة القادمة, وتارة أخرى يطالب بعودة هادي وحكومته إلى صنعاء لمدة 90 أو 30 يوماً ورابعة يطالب بحل الجيش وتسريحه، وخامسة يصر على أن يترأس علي محسن الأحمر اللجنة العسكرية المقترحة في المرحلة الانتقالية, ويريد ضمانات لتنفيذ القرار (2216) وهكذا هو ديدن "وفد الرياض" منذ الـ21 من أبريل.. وبالمختصر يقول "حبتي وإلا الديك"!!..
منذ البداية لم يذهب وفد الرياض إلى الكويت - وإن كان هو السباق في الذهاب - للتفاوض وإنما للمراوغة وممارسة الألاعيب وتضييع الوقت ـ بحسب التوجيهات التي تلقوها من النظام السعودي ـ وترك المجال لسادتهم من آل سعود لإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية ومد مقاتليهم في الكثير من الجبهات بالرجال والعتاد والاستمرار في الغارات الجوية والعمليات العسكرية علَّهم بذلك يحققون تقدماً ما يدفعهم للتفاوض مع الوفد الوطني بتعالٍ ووضع شروطهم التي تقود إلى إعلان وفد صنعاء القبول بها..
إن التوصل لاتفاق سياسي يقضي بتشكيل حكومة توافقية جديدة وإيجاد بديل عن هادي ومن ثم تنفيذ قرار الأمم المتحدة (2216) سيمثل انتصاراً للوفد الوطني وانتصاراً للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهو ما لا يمكن القبول به من النظام السعودي وحلفائه وبالذات "حزب الإصلاح" الذي لا يريد للحرب أن تتوقف ..!!
لننظر مثلاً إلى المفاوضات السورية مع ما يسمونها المعارضة ونسأل لماذا لم تحقق أي تقدم يُذكر , الجواب ببساطة لأن السعودية الداعمة الرئيسية لتلك المعارضة لا تريد أي توصل لاتفاق ينهي حرب السنوات الخمس التي دمرت سوريا وهجرت أبناءها, دون رحيل الرئيس السوري وحل وتسريح الجيش السوري!!.
نفس القضية واللعبة تنفذها في الحالة اليمنية, لا تريد بقاء الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح رئيساً للمؤتمر الشعبي العام أو يظل متواجداً في اليمن ويمارس العمل السياسي , كما لا تريد بقاء الجيش اليمني الذي صمد وواجه عدوانها طيلة عام ونيف ،لأسباب واعتبارات عدة, ويجب أن يحل ويأتي محله جيش آخر وهو الجيش الذي أعدته ودربته وأهلته في معسكراتها, يضاف إليه المتواجدون في الداخل تحت مسمى "المقاومة"!..
ولأن السياسة السعودية معروفة بتقلبها وعدم ثباتها فلن أتطرق هنا إلى ما قاله عادل الجبير وزير الخارجية السعودي من أن الحوثيين جيراننا وهم يمنيون... إلخ, كون ما قاله مغازلة للحوثيين أو بعبارة أصح لعبة يريد من ورائها خلق حالة من التصادم بين الحوثيين وقيادات الجيش المستهدف الأبرز من هذا العدوان من ناحية, وبين الحوثيين وقيادة المؤتمر الشعبي العام كونهما حليفين في مواجهة العدوان السعودي من ناحية ثانية..، وسبق وأن حاول ونظامه والآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكونها زرع بوادر الشقاق والتفرقة بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام ولكن باءت كل محاولاتهم بالفشل.
السعودية قد ترغب ببقاء الحوثيين ، ولكنها لم ولن توافق على بقاء الرئيس اليمني السابق ويجب أن يترك العمل السياسي ويرحل كونه أصبح يمثل عدواً بالنسبة لها ، والأمر نفسه مع قيادات الجيش الموالية لصالح حسب اعتقادها وما يروج له حلفاؤها في الداخل الوطني الذين لن يقبلوا إلا بحل الجيش وترحيل قياداته ومنتسبيه.. وهو هدف كانوا يسعون لتحقيقه منذ 2011م ..
النظام السعودي منذ عام ونيف من حربه العدوانية على اليمن, وبعد كل ما قدمه من أموال وسلاح وما خسره من كوادره وقياداته العسكرية, لن يقبل مطلقاً بالتوصل لأي حل في الكويت يؤدي إلى اختيار بديل عن هادي لإدارة المرحلة الانتقالية أو بتشكيل حكومة توافقية جديدة, وإنما يريد العكس تماماً وهو مايعني فشل هذه المفاوضات واستمرار الحرب والسعي صوب تنفيذ ما قاله العسيري في حال فشل مفاوضات الكويت وتهديده بدخول صنعاء..
لن أكون متشائمة إلى درجة سد منافذ الأمل والحكم بفشل مفاوضات الكويت ،إلا أن مؤشرات الفشل قائمة وتتكشف بأطروحات "وفد الرياض" الذي لا يريد كما قلنا سوى"حبتي وإلا الديك" وفقاً والإملاءات السعودية الموضوعة عليهم مسبقاً ..، إضافة إلى أن التعزيزات العسكرية الكبيرة التي يدفع بها النظام السعودي إلى مأرب وغيرها من الجبهات واستمرار العمليات العسكرية والغارات الجوية تفضح ما يخططون له، وتؤكد ما نطرحه من احتمالات وتوقعات ..
ما نرجوه هنا أن تقود "مفاوضات الكويت" إلى حلول تنهي حالة الاقتتال الداخلي بين اليمنيين ويتوقف العدوان ويتم فك الحصار وتعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت ، بل وأفضل مما كانت عليه ..