عبدالرحمن مراد -
< نسمعهم يتحدثون عن مفاوضات الكويت، وقد طال الأمد بهذه المفاوضات كما لم يطل بما يشبه هذه المفاوضات في كل حقب التأريخ، ويبدو أن الكويت ومفاوضاتها لا تخرج عن الدائرة الاستهلاكية للإعلام وتشكل متنفساً للأمم المتحدة من خلال تصريحات المبعوث الأممي وتصريحات الأمين العام، ومن محامد هذا العدوان على اليمن أنه أوضح حقائق المنظومة الأممية وكشف عن دواخلها وسرائرها، وآخر ذلك تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الضغوط التي واجهتها الأمم المتحدة بشأن رفع اسم المملكة ودول التحالف من القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال في العالم، هذا فضلاً عن حقوق الإنسان التي مايزال الحديث عنها مؤجلاً ربما الى زمن قريب سيأتي، فالدم اليمني أصبح مادة سياسية يتم توظيفها لمصالح الكثير من الدول وهو لم يبلغ من ذاته وقيمته مصلحته التي يرجوها كما يبدو لنا من طول الأمد لمفاوضات الكويت.
أنا شخصياً أتوقع أن يتم توظيف البعد الإنساني المسفوك على تراب العزة والكرامة في اليمن الى أقصى مدى، فالملف الإنساني الذي تمادى العدوان في انتهاكه طوال عام ونيف من العدوان سيكون هو مطرقة المجتمع الدولي التي يصمت إزاءها صرصر العاصفة العدوانية السعودية، وهو النقطة التي تبدأ منها حالة الانحدار والتزحلق الى قاع الوادي بعد أن كانت القمة فاضحة لإشرافها على خفايا ظل المجتمع الدولي يواريها طوال عقود كثيرة عن الناس وعن المراقبين وعن الرؤى التحليلية السياسية الى درجة اليقين عند الكثير بحيادية هذه المنظومة الدولية التي بدأت الآن تتكشف أسرارها وتسلم قيادها الى حالة جديدة تسعى أمريكا الى الإعلان عنها كنظام دولي جديد تتحكم هي في موجهاته وفي إدارته وفي صناعته بعيداً عن الدول الدائمة العضوية التي فرضتها ظروف تأريخية وشروط تأريخية بعينها وقد تجاوز الواقع تلك الظروف والشروط وأصبحت حركة الواقع على نقيض القيم التأريخية ويتحدث عن قيم جديدة قد لا تحضر فيها الدول الدائمة العضوية كلها بل يكاد بعضها أن يغيب كلياً والآخر جزئياً، وهذا العالم الذي أصبح يعرف بعالم ما بعد الحداثي من أهم سماته الفكرية القول:
«إن الفكرة كانت تقوم على استخدام تراكم المعرفة الذي وفره أفراد كثر عملوا على نحو حر من أجل تحرير البشرية وإغناء حياتها اليومية في آن، إذ جلبت السيطرة العلمية على الطبيعة الوعد بالتخلص من الندرة والحاجة، وجلب التخطيط العقلاني للتنظيم الاجتماعي ولأنماط التفكير، الوعد بالتحرر من لاعقلانية الخرافة، والدين، والاسطورة، ومن الاستخدام المتعسف للسلطة والانعتاق من تسلط الجانب المظلم داخل طبيعتنا البشرية، ومثل تلك السمات أصبحت من الظواهر البارزة للاشتغال الأمريكي في السنوات الأخيرة وخاصة في العقدين الأخيرين من الزمن، فالتخطيط العقلاني للتنظيم الاجتماعي وأنماط التفكير كان تيار الاخوان من أكثر الجماعات في المنطقة العربية وفي اليمن استغراقاً فيه، إذ كان الاشتغال المكثف على موضوع التنمية البشرية ورواج الكتب وتكثيف الدورات والمناشط ذات البرامج والأهداف وذات الدعم اللامحدود من السفارة الأمريكية والمنظمات الدولية هو المهاد الذي أحدث كل ذلك التصدع في الجدار الوطني وفي البناء الثقافي، وفي النسيج الاجتماعي، ومثل ذلك التصدع والتفكك في البناءات العامة هو العامل الأهم في إعادة صياغة المنظومة الثقافية والسياسية التي تتوافق مع أسس ومبادئ وقيم النظام العالمي الجديد، (فداعش) أو ما يسمّى بالدولة الاسلامية ليس هدفها كما يشاع الهيمنة على منابع النفط فقط، بل الهدف الحقيقي لهذه الجماعة هو العمل على تكريس وعي التحرر من لا عقلانية الخرافة، والدين والانعتاق من الجهل المقدس الذي يتحكم في الطبيعة البشرية، وخاصة الطبيعة العربية التي لا تنقاد إلا بالعصبيات.
وأمام مثل هذه المعطيات المعرفية يظل القصف مستمراً، وتظل المفاوضات دائمة الانعقاد في قصر «بيان» بالكويت الى أن يصل المخرج العالمي الى قناعة بوصوله الى الحد الأدنى من مستوى الأهداف التي ينشد تحقيقها من خلال هذا العاصف المدوي في الشرق الأوسط وفي اليمن، وتظل المملكة هي المخزون المادي الذي يموّل حركة التحول العالمي والانتقال ولن تدرك ذلك الدور الغبي والهمجي إلا بعد أن يتحول هذا المشروع الافتراضي الى حقيقة معاشة، لن تكون المملكة ولا أسرة آل سعود من الفاعلين فيه، ويومئذ سيندم الأعراب ولات حين مندم.