أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور -
منذ أن انطلقت الحرب المتوحشة على المدن والقرى اليمنية في مساء الأربعاء الأسود بتاريخ 25 مارس 2015م، بقيادة تحالف عربي هو الأضخم في تاريخ الحروب العربية/العربية، وشُنت تحت شعارات متعددة تم ترديدها في كل الوسائل الإعلامية لدول الحلف غير المقدس ضد اليمن ، وكانت أبرز أهدافها ومازالت على النحو الآتي:
الهدف الأول:
رُفع شعار تدمير الأسلحة التي تمتلكها اليمن وجيشه ولجانه الشعبية باعتبارها تهدد أمن السعودية، لأنه من غير المقبول أن تكون كل هذه الترسانة بأيدي (ميليشيات) الحوثي وحليفه صالح.
الهدف الثاني:
كان هدف إعلان الحرب هو إعادة النظام »الشرعي« في اليمن الى صنعاء والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة الجمهورية اليمنية وإعادة مسار الحوار السياسي بين القوى السياسية اليمنية الى مساره الطبيعي.
الهدف الثالث:
البـدء الفوري في تطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل.
الهدف الرابع:
كبح جماح التمدد الإيراني الشيعي الأنثى عشري في اليمن ومنع اكتمال الهلال الشيعي من التوسع في العالم العربي.
وهناك بطبيعة الحال أهداف ونوايا خفية وغير معلنة لهذه الحرب الظالمة التي تم شنها على اليمن السعيد يمكن قراءتها من خلال معطيات ونتائج الحرب حتى لحظة كتابة هذه الأسطر.
لنلقي معاً نظـرة بانورامية عامة للاهداف التي اعلنها الناطق الحربي منذ بدء الحرب:
أولاً:
أعلنوا أن تدمير ترسانة الجيش اليمني هو الهدف الأبرز من الحملة العسكرية ، واعتمدوا على عنصر المباغتة في شن الهجوم (مساء الأربعاء المشؤوم) ودمروا خلال الأيام الاولى كل المطارات العسكرية ومنظومة الدفاعات الجوية وأخرجوا سلاح الجو اليمني من المواجهة في الساعات الاولى، »وكأن كل دول الحلف استعارت الخبرة الإسرائيلية حينما شنت عدوانها على الجيش العربي المصري والسوري صبيحة الخامس من حزيران 1967م«، لكن السؤال الابرز هو: هل كانت اليمن في حالة حرب أو عداء مباشر أو غير مباشر مع هذه الدول الغازية حتى يتم عنصر المباغتة؟، وما علاقة كل ذلك الدمار الهائل والخراب المُتعمد لكل المنشآت الخاصة والعامة، أتوقع ان كُتب التاريخ ستمتلئ بتحليلات جوهرها أن العدوان برمته غير مبرر وغير أخلاقي وهو عبارة عن إعلان حرب مؤجلة على اليمن ليس إلا.
ثانياً:
شُنت الحرب بهدف إعادة النظام »الشرعي« الى العاصمة صنعاء وللحفاظ على أمن وأستقرار دولة الوحدة اليمنية ، لا يختلف عاقلان على أن أي نظام شرعي نابع من إرادة الشعب يجب الحفاظ عليه وتمتينه والدفاع عن أركانه، ولكن اليمن وضعها إستثنائي بحسب الأحداث التي أندلعت منذ مطلع العام 2011م أي منذ أن بدأت أكذوبة "الربيع العربي" وما تلاها من تداعيات وبدء انهيار أسس الدولة والشروع بالحل السلمي بين فرقاء العمل السياسي اليمني من خلال التوافقات السياسية عبر المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة.
لكن التعطيل المتعمد لتفعيل بنود المبادرة الخليجية والتفسيرات (الأنانية وغير الصائبة) لبنوده أفضى الى بدء حوار جدي جديد استكمالاً للحوار الوطني الشامل، وقد شارفت تلك الحوارات على إنضاج حل توافقي جاد في ما سُمي بحوارات موفنبيك صنعاء في نهاية ومطلع عامي 2014-2015م وكاد المتحاورون ان يخرجوا بنتائج سياسية جدية وللوصول الى حل جذري للشراكة الوطنية باعتراف السيد/ جمال بنعمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق في اليمن، وتم إفشال الحوار بسبب شن الحرب على اليمن من قبل دول تحالف العدوّان، أما حكاية الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة اليمن، فالأخبار المتواردة من عدن ولحج وأبين والمكلا لا تبشر بالخير، وكما يشير المثل العربي بأن (البعرة تدل على البعير وآثار القدم تدل على المسير) هكذا قال حكماء العرب في سالف الزمان .
ثالثاً:
وكما أسلفنا بالنقطة السابقة ان التوافق في اتخاذ القرار السياسي وتنفيذه أحد أهم مدخلات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ولهذا فالحرب بكل نتائجها لا تدل على صدقية القول وإنما الهدف في مكان آخر.
رابعاً:
الحرب قامت لمنع التمدد الإيراني الفارسي في اليمن، وهنا نود الإشارة الى الاستشهاد بآراء عدد من النُخب الخليجية والشخصيات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي وجميعهم للأسف يبررون ويشرعنون لقتل اليمني بوضوح لا لَبْس فيه، وللأسف ان هذه الشخصيات الخليجية وان تباينت في منابعها الفكرية والثقافية إلا انها وقعت في فخ الديماغوجية والتضليل المتعمد لمقاصد الدين وحتى العنصرية تجاه اليمنيين، معتمدين ليس على معلومات بل على تحليلات ظاهرها الحرص على نقاء الجزيرة العربية من التسلل الشيعي وباطنها إعلان فشل المشروع العربي القومي الجامع الذي تبنوه لعقود من الزمان، وبدلاً من التفتيش الصحيح عن أسباب فشل المشروع العربي يتم الهروب الى البحث في سراب خلق عدو جديد يتم تحميله كل عورات ومثالب ذلك الفشل الصارخ لمشروعهم.
والرأي العام العربي تابع بذهول (علماء وخطباء) المذهب السني أمثال الدكتور/ محمد العريفي والدكتور/ عبدالرحمن السديس والدكتور/ القرني والشيخ / عبدالمجيد الزنداني وغيرهم كثيرون للأسف، يرددون بسذاجة مفرطة لتبرير قتل الشعب اليمني بتحويل هذه الحرب الى حرب مذهبية بين طائفتي ومذهبي السنة والشيعة ، وحتى كبارهم يصرخ من على منابر مقدسة عالية القيمة للمسلمين جميعاً بالقول (واذا لم تكن حرب اليمن مذهبية، فلنجعلها مذهبية!!)، أليس في قول رأي كهذا تدليس على الإسلام والمسلمين؟ نتركها للقارئ اللبيب كي يقرر.
وبرز في أثناء الحرب تصريحات لشخصيات مثقفة خليجية كبيرة كان يحترمها ويقدرها الشعب اليمني بمعظم أطيافه ، وقـد التقينا بهم في منتديات ومنابر ثقافية عدة لكنها للأسف سقطت في شرك تبرير قتل الشعب اليمني بدعوى محاربة المد الإيراني في اليمن ومن تلك الشخصيات الدكتور/ عبدالله النفيسي المفكر المثقف من الكويت الشقيق، والدكتور/ عبدالعزيز بن صقر المثقف الجميل من السعودية، والدكتور/ أنور قرقاش الوزير المكلف بالشؤون الخارجية الإماراتية، والدكتور/ عبدالخالق عبدالله الاستاذ الاكاديمي الحصيف من دولة الإمارات، والعديد من هؤلاء المثقفين الذين كنا نحترمهم ونقدر مواقفهم العروبية السابقة، لكن ان يكتب هؤلاء بأقلام أنيقة يكون مدادها وحبرها من دماء وجماجم أطفال ونسـاء وشيوخ الشعب اليمني، فهذه لعمري خطيئة كبرى وبلا حدود، دولهم تحارب ايران الشيعية على حساب قتل الشعب اليمني، كيف يستقيم امر كهذا؟، ألا تبعد حدود إيران عن بلدانهم سوى بضعة كيلو مترات؟، الم تحتل إيران جزر الإمارات العربية كما تدَّعي وهي طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، أليست هي الأولى بجحافل جيوشهم التي أرسلوها الى الأراضي اليمنية؟، كيف تحاربونها في اليمن وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات العربية المتحدة وجمهورية ايران الإسلامية في عام 2015م وحدها 17 مليار دولار؟، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية بين إمارة قطر وإيران في نهاية العام 2015م، وما خُفي في علاقاتهم السرية أعظم، والله أعلم.
كيف سيقرأ المواطن العربي الحر الصامت الآن في دول مجلس التعاون الخليجي كل هذه المعطيات المتناقضة والتي تناقلتها كل وسائل الإعلام في تمتين علاقاتكم السياسية والأمنية والتجارية مع إيران الشيعية وتقومون في ذات الوقت بمحاربتها عسكرياً في اليمن كي يقدم الشـعب اليمني أرواحهم قُرباناً لمصالح حكامكم، علماً بأنه لا يوجد إيراني واحد في جبهات القتال باليمن لا للقتال او حتى لتوزيع مياه الشرب على المقاتلين؟
ملحوظة أخيرة: هذه الحرب العدوانية على اليمن لم يكن من بين أهدافها محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش وتنظيم القاعدة وكل التنظيمات (الإسلاموية) المتشددة والمدعومة سرياً من قبل بعض الدول الخليجية وهذا ما صرح به من غرفة العمليات الحربية الناطق الرسمي لدول الحلف المارشال/ أحمد عسيري..!!، وكما هي الحروب والحرائق التي أشعلتموها في منطقتنا العربية كلها تقريباً منذ العام 2011م قد حرفت بوصلة الاهتمام العربي تجاه دويلة إسرائيل التي مازالت تحتل فلسطين العربية وتستبيح أرض وعرض أهلنا بفلسطين المحتلة وتحاولون عبثاً استبدال العدو بعدو جديد والصديق بصديق آخر مُفترض، لكن الشعب اليمني صمد وقاوم عدوانكم لأكثر من عام ونيف معتمداً على الله وحده وعلى مخزونه التاريخي الإنساني في الفداء والتضحية والعزة والكبرياء.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ..
محافظ محافظة عدن
[email protected]