عبدالرحمن مراد - < قيل - حسب الكثير من المواقع- إنَّ الإمارات أعلنت انتهاء عملياتها العسكرية في اليمن وبقاء بعضها بهدف محاربة العناصر الارهابية ليس أكثر، ومثل ذلك الإعلان الذي لم يكن رسمياً ولكنه كان على لسان بعض المسؤولين في صيغة تغريدات على شبكة التواصل الاجتماعي أنا أرى أنّ الأمر لا يستحق الكثير من الاهتمام، وهو لا يعدو عن كونه حركة تفكيكية للمنظومة الخليجية التي تتحالف اليوم على تدمير اليمن وهو يمهد للمراحل القادمة التي يعمل النظام العالمي الجديد على صناعتها في المنطقة العربية.
فالإمارات وهي البلد الأكثر ثراء وبذخاً والأكثر تفاعلاً مع حركة التجارة الدولية وحركة الاقتصاد العالمي والأكثر تفاعلاً مع المستويات الحضارية العالمية، والبلد العربي الوحيد الذي يعمل على تغريب مجتمعه من خلال إحلال البدائل الآسيوية محل العربية في القطاع الاقتصادي الخدمي، كما أنها البلد الوحيد الذي يتطاول فيه الشيوخ والأثرياء من الحفاة والرعاة في البنيان، وقد بلغ بذلك البلد الغرور مبلغاً لا يمكنه بعده أن يرى المستوى المتدني الذي سيذهب إليه، ولا يدرك حجم المؤامرة التي تُحاك في غسق الليالي ضده، فقد وقع في الوهم حين ظن أن تطاوله على اليمن ومشاركته في التدمير كان الهدف منها الحد من المد الصفوي الإيراني، والحفاظ على حيوية (دبي) من خلال الهيمنة على عدن، وعدن هو الهم الذي يؤرق الإمارات منذ تم إعلانها منطقة حرّة، إذ عملت الإمارات بكل طاقاتها المالية والإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية على عرقلة مشروع المنطقة الحرة بعدن، وآخر محاولاتها تلك هي شركة أبوظبي القابضة التي جاءت في الظاهر لتشغيل الميناء والمنطقة الحرة، وهدفها الجوهري هو تعطيل حركة الميناء لأنه سيترك أثراً مباشراً على حركة التجارة العالمية في دبي وعلى حركة الاقتصاد الإماراتي.
منذ نشأة الإمارات العربية في مطلع سبعينيات القرن الماضي وهي تنأى بنفسها عن التدخل في شؤون الغير الداخلية وكان حضورها في التفاعلات السياسية لا يعدو عن كونه حضوراً إنسانياً وحضوراً أخلاقياً بل كان الشيخ زايد بن سلطان أكثر حرصاً على تجنيب بلده الصراعات الإقليمية والدولية وكان على إدراك كامل بطموحات آل سعود في التوسع الأفقي والرأسي في المنطقة وكان يعمل على الحد من تلك الطموحات بأساليب غاية في الذكاء، وقد روى الزعيم علي عبدالله صالح بعضاً من تلك الإشارات التي تلقاها من الشيخ في بعض حواراته الصحفية، اليوم جاء الأبناء وحدث في البناء الهرمي الاجتماعي والسياسي تبدل وتغير في الإمارات، فرئيس الدولة خليفة بن زايد توارى عن الأنظار وعن الظهور الإعلامي منذ أكثر من عام، ومحمد بن زايد هو من يتولى مقاليد الأمور، وهو صاحب النهي والأمر وصاحب النشيد بل إنّ محمد بن راشد الذي تضعه التقاليد التي درج عليها المجتمع الإماراتي في مراتب الندية بحكم المنصب (حاكم إمارة دبي ووزير الدفاع ونائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء)، نراه يتفرغ اليوم لمديح محمد بن زايد ولا تكاد الفضائيات الإماراتية- وهي كثير ومتعددة- تخلو من نشيد يومي أو قصيدة نبطية لمحمد بن راشد في مدح محمد بن زايد، بل إن بعض النصوص المغناة تراه درع الإمارات وحامل طموحاتها وهي بذلك تتجاوز رئيس الدولة الشيخ خليفة في منصوص الخطاب الذي يصدر من رموز في الدولة وليس من شعراء عاديين من عامة الناس، ويبدو أن محمد بن زايد الذي يقوده طموحه الى مراتب الهلاك المؤجل لا يدرك خطورة تعاقده مع الشركة الأمنية العالمية »بلاك ووتر« في حمايته وحماية قصوره ومؤسسات الدولة، ويبدو أن وزارة الدفاع الإماراتية لم تعد تحت سيطرة وزير الدفاع بل تحولت الى مؤسسة عسكرية وأمنية تدار من قبل محمد بن زايد وأصبح محمد بن راشد ديكوراً لا يتجاوز حضوره الإعلامي مضمار سباق الهجن والخيل، بل كاد نشاط محمد بن راشد أن يغيب منذ إعلان العدوان على اليمن في مارس 2015م ولم نسمع له ركزاً طوال زمن الحرب عدا قصائده المغناة التي تؤيد موقف محمد بن زايد في مشاركته في العدوان على اليمن.
تلك الصورة التي عليها الإمارات قابلة للتشظي من اتجاهين اثنين، الاتجاه الداخلي الذي يقوده محمد بن زايد ويصطدم مع مصالح بعض أفراد الأسرة الإماراتية، والثاني الاتجاه الخارجي الذي سيغذي هذه الصراعات لتعود الإمارات الى سابق عهدها بعد أن وصل بها الحال الى ما وصل في حركة التفاعلات في جنوب اليمن واصطدام المصالح بين الإمارات والسعودية وبعض دول التحالف.. وعلى مثل ذلك كيد الفجّار لا يكون إلا حالة تضليلية، ولن يدرك عرب الصحراء إلا بعد فوات الأوان.
|