حاوره/ محمد أنعم - أوضح الشيخ الحافظ يحيى أحمد محمد الحليلي -رئيس مشيخة القراء في اليمن- أنه لو عاد الناس للقرآن لما وجد التطرف ولما اشتعلت الفتن.. وقال في حوار مع «الميثاق»: إنه تم منح الإجازة مؤخراً لأكثر من ثلاثة آلاف من حفظة القرآن في القراءات المختلفة..
مضيفاً: إن الحلقات القرآنية تقلصت في الفترة الأخيرة بسبب ما تمر به بلادنا من أحداث جسام..
وأشار إلى أن العدوان على بلادنا لم يراعِ حرمة لمسجد أو مسكن ولا حتى للنفس البشرية التي حرم الله قتلها وأن ما اقترفه العدوان السعودي بحق الشعب اليمني لم يسبقه إليه أحد من العالمين..
داعياً كافة الفرقاء إلى تغليب مصلحة اليمن وشعبه على مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة وأن يتقوا الله في هذا الشعب المظلوم..
مؤكداً أن الشعب اليمني متعايش بكافة مذاهبه منذ الأزل وأن على الجميع الابتعاد عن المذهبية والطائفية المقيتة التي نحن في غنى عنها.. فإلى نص الحوار:
♢ بدايةً نرحب في صحيفة «الميثاق» بالشيخ الحافظ يحيى أحمد محمد الحليلي.. ونود قبل الدخول في هذا اللقاء أن تعطوا القراء سيرة عن حياتكم كعلم من أعلام اليمن؟
- أنا من مواليد 1952م في قرية الحليلة بني مطر محافظة صنعاء.. وهذه القرية نشأت فيها حتى السادسة من العمر وعندما انتشر في البلاد مرض الجدري كان هذا المرض سبباً في فقدي لبصري حينذاك وكان والدي رحمه الله يعمل في السلك العسكري فأدخلنا إلى صنعاء وكان هو من شجعني على حفظ القرآن العظيم فكان يدرسني حيث كان يقرأ القرآن بصورة لا بأس بها وكنت احفظ الدرس ثم أذهب إلى المشائخ في الجامع الكبير بصنعاء وأقرأه عليهم ومنهم الشيخ/ محمد حسين عامر، والشيخ/ علي المراصبي، والشيخ/ حسين مبارك الغيثي، والشيخ/ أحمد حسين عامر، وأيضاً الشيخ/ أحمد الكحلاني حتى ختمت القرآن قبل الثورة بشهرين ثم دخلت المدرسة العلمية بعد ختم المصحف وكان عمري آنذاك عشر سنوات.. فدرست في المدرسة العلمية شهرين تقريباً ثم قامت الثورة وتحولت المدرسة العلمية إلى معهد أزهري.. وكان يديره حينذاك مشائخ من الأزهر الشريف وكانوا يدرسون مع كثير من المشائخ اليمنيين ومنهم الشيخ/ أحمد عبدالرزاق الرقيحي واحمد لطف الديلمي، وحسين الضفري وحسن لطف باصيد، وأحمد حسين الكحلاني، هؤلاء كانوا يدرسون في هذا المعهد..
بعد ذلك بدأت في تعلم القراءات السبع أيضاً مع المشائخ/ محمد حسين عامر وحسن لطف باصيد فأخذت القراءات السبع على أيديهم وختمتها.
♢ من الذي دفع لهذا العلم النافع بكم حتى أصبحتم مقرئ الجمهورية الأول؟
- هذه إرادة الله تعالى وتوفيقه ولا أدعي أنني القارئ الأول للجمهورية وإنما ذلك يعود لما منحني الله تعالى من صوت وتلاوة وحفظ للقرآن الكريم والآن عينت رئيساً لمشيخة القراء في اليمن وذهبنا إلى كثير من المسابقات ومنها مصر كعضو لجنة تحكيم، علماً أننا كنا في إيران قبل شهر حيث كنت عضواً في لجنة تحكيم وكنا نقيم مسابقات في اليمن منذ أكثر من 30 عاماً ونحن نقدم برنامج «الرحاب» وغيره من البرامج التي تبث في معظم القنوات الفضائية..
♢ الآن البلاد دخلت في حرب.. كيف تختمون القرآن الكريم وكيف تدرسون وكم عدد الطلاب لديكم؟
- أُدرس كثيراً من الطلاب والطالبات والحمد لله فقد منحت الاجازة لأكثر من ثلاثة آلاف مجاز ومجازة في القرآن بالروايات المختلفة ومنها القراءات السبع وكما قلنا دخلنا في مسابقات كثيرة ومنها في جمعية معاذ التي تُقام منذ 14 عاماً في تعز وكنا نقيم هذه المسابقات كل عام، إلاَّ أنها توقفت هذا العام والعام الماضي بسبب الحرب لأننا لم نستطع الذهاب إلى تعز نظراً للظروف الأمنية.
♢ وبقية المحافظات؟
- بالنسبة لبقية المحافظات فقد ذهبنا قبل وفاة الشيخ/ محمد حسين عامر بشهرين إلى كل محافظات الجمهورية الجنوبية والشمالية والغربية.. فكان الشيخ رحمه الله مريضاً ولكننا ذهبنا إلى الحديدة وعملنا مسابقة هناك في تعز وذمار وسيئون والمكلا وفي عدن وشبوة ما عدا صعدة ومأرب لم نقم فيها مسابقات نظراً للظروف الأمنية.
♢ شيخنا الفاضل في ظل هذه الظروف الناس يخشون تدريس أبنائهم للقرآن خوفاً من نشر الأفكار المتطرفة.. ونحن نفخر بكم والشارع اليمني نظراً لما تتمتعون به من الوسطية والاعتدال وكذا الشيخ محمد حسين عامر رحمه الله؟
- أقول لكم وبكل صدق ليس هناك تطرف في القرآن الكريم فمن يُدرس القرآن ومن يدَرسه يصفونه بالتطرف وقد لمسنا من خلال الحلقات التي تقام في الجمهورية أنهم جميعاً من أبنائنا وجميعهم لا يدخلون في قضايا التطرف.. ومعظم الحُفاظ من أبنائنا بعيدون كل البعد عن هذا..
♢ يا شيخ باعتباركم ممن تقيّمون التلاوات في المسابقات.. كيف وجدتم مستوى ذكاء الطالب اليمني خاصة وأن لكم مشاركات خارجية كثيرة مقارنة بالطلاب غير اليمنيين؟
- أقول لكم وبكل صدق أنه عندما يتسابق أبناؤنا أو طلاب اليمن في الدول العربية أو الإسلامية فإنهم يكونون في المراتب الأولى فاليمني إما يكون الأول أو الثاني أو الثالث في كثير من المسابقات في السعودية وفي الأردن وفي الجزائر وفي مصر وفي الإمارات وفي معظم الدول سواءً في القراءات أو في الروايات المختلفة فلهذا هم يأتون في المراتب الأولى.
♢ إذاً تنصحهم بدراسة القرآن الكريم؟
- بكل صدق هذه الأيام وأنا قلت هذا الكلام في مقابلة سابقة وقلت إن الحلقات القرآنية تقلصت كثيراً ولا نعلم ما الأسباب وربما يعود ذلك إلى الفتنة التي تشهدها البلاد..
♢ هل يعني هذا أنهم ذهبوا للقتال وتركوا القرآن؟
- لم تعد توجد حلقات وأنا أقول لكم بأننا نخشى أنه بعد أن كان لدينا مئات الآلاف من الحفاظ والحافظات لانجد قارئاً مجيداً.. عملنا مسابقة الرحاب ووجدناهم قلة ومنذ عشرة أيام من اليوم اختبرناهم فوجدناهم ضعافاً جداً وهذا لا يبشر بخير، فمنذ منتصف السبعينيات إلى ما قبل 2011م كنت تجد الحلقات القرآنية والجمعيات مثل جمعية هائل وجمعية معاذ وجمعية الحكمة وغيرها.. هذه الجمعيات كانت تنشئ لنا أجيالاً من القراء ونحن نتمنى أن تعود الأوضاع كما كانت عليه.
♢ معنى ذلك أنه لو عاد الناس إلى القرآن الكريم لما وجد الإرهاب والتطرف؟
- لو عاد الناس إلى القرآن لما وجد التطرف ولا وجدت الفتنة في البلاد.. لو كنا مع كتاب الله.. والمصائب لا تنزل إلا بذنب، ونسأل الله أن يقي البلاد شر الفتن والمحن.
♢ يا شيخنا ذكرتم أن لدينا حافظات.. هل يمكن أن تقولوا لنا كم عدد الحافظات في اليمن؟
- معظم الفتيات في هذه الأيام مجتهدات أكثر من الأولاد ونتلقى اتصالات كثيرة من الفتيات يردن الاستماع للقرآن الكريم لكن نظراً لانشغالنا لم نستطع التواصل معهن وتدريسهن في هذه الفترة..
♢ كم سمعتم خلال ما فات من شهر رمضان؟
- في رمضان نعطل للبنات والأولاد أما في سائر العام فيأتينا الكثير إلاّ أنهم قلوا في هذه الفترة وفي ظل هذه الأحداث.
♢ وكيف تقضون حياتكم منذ 2011م إلى الآن في مثل هذه الأجواء؟
- نقضيها في قلق.. في ظل هذه الأوضاع غير الطبيعية في البلاد وأحياناً نترك التحفيظ.. وهذه الأحداث أثرت عليّ صحياً حيث أصبت بفيروس في الكبد وأنتم عشتم ما جرى في نقم وعطان وغيرهما، ومرة من المرات كنا نصلي الجمعة وهم يضربون الحفا ومن شدة الضرب كنا نظنه في وسط المسجد، حيث كان لذلك الضرب أصوات مرعبة..
♢ هناك زملاء لنا ماتت زوجاتهم بالكبد نتيجة العدوان؟
- وأنا ممن يشهد على ذلك فهناك أُناس كثير أصيبوا بالكبد وآخرون بالفشل الكلوي.. يعني لم يعد هناك مراعاة للمسلمين حتى في الشهر الكريم والعام الماضي كان أسوأ من هذا العام.. فكنا العام الماضي نفطر ونتسحر على أصوات المدافع والقذائف..
♢ أجريت مقابلة مع القائم بأعمال وزير الأوقاف عبدالرحمن القلام وذكر أن هناك 600 مسجد تعرضت للقصف.. هل يمكن لكم التعليق على هذا؟
- أقول بأنه ليس هناك حرمة أو مراعاة لا للمساجد أو للمدارس ولا للنفوس البريئة حتى أن المنازل والمساكن ضُربت بمن فيها من نساء وأطفال وهي ليست مواقع عسكرية فهذه جريمة لا تُغتفر.
♢ باعتباركم علماً من أعلام اليمن التي نفاخر بها.. وعلاقتكم مع مشائخ الدين في كل الأقطار العربية والإسلامية بما فيها الأزهر الشريف.. هل طرحتم عليهم قضية قتل السعودية الأبرياء من الشعب اليمني ومعاناته وعدم جواز هذا وأن يتضامنوا معه؟
- ليس هناك مراعاة وحرمة لا في الأشهر الحرم ولا في غيرها منذ بداية العدوان الذي لا حرمة للأنفس البريئة لديه.. يقتل الطفل بأي ذنب قتل أو يتحول إلى معاق.. وما يقوم به العدوان جرائم لم يسبقه إليها أحد من العالمين ولم يعرفها آباؤنا وأجدادنا منذ آلاف السنين..
♢ هل تفكرون بالحج هذا العام أو أداء العمرة؟
- نتمنى الخروج للحج وغيره..
♢ وهل سيسمح لنا السعوديون؟
- سمعنا بأن هناك موافقات لكن الله أعلم.
♢ وهل تتوقعون أن يتم إيقاف العدوان؟
- هذا ما نتمناه من الله تعالى في هذا الشهر الكريم أن يجمع كلمة اليمنيين وأن يوحد صفهم للخروج بالبلاد من هذه المحنة والفتنة التي ليس لها سابقة في الماضي..
♢ هل بلغكم حجم الدمار الذي لحق بجامع الصالح جراء العدوان السعودي؟
- أغلب الأيام أنا أُصلي التراويح فيه يوم هنا في قبة المتوكل ويوم في جامع الصالح وأيضاً كل جمعة وقد لحق به ضرر كبير وخصوصاً في القمريات والعقود..
♢ كانوا يزعمون ان بداخله أسلحة مكدسة وتحته نفق؟
- هم يعرفون عدم صحة ذلك كله، ولكن كل هذا من باب التعنت..
♢ ما نصيحتكم للإخوان المسلمين والمكونات السياسية الأخرى والميليشيات التي تتقاتل الآن؟
- أقول لهم عليكم أن تتقوا الله في أبناء اليمن.. كل الأحزاب وكل الفرقاء عليهم أن يتقوا الله في أبناء الشعب اليمني ويتنازلوا لبعضهم بما يصلح البلاد وأن يفضلوا مصلحة البلاد على أهوائهم ومصالحهم الذاتية والحزبية.
وأقول الآن وبكل صراحة الحزبية هي التي دمرت البلاد وهي من أدخلتنا في هذه المصائب التي ليس لمثلها سوابق..
♢ هناك أُناس يحاولون أن يفجروا صراعاً بين السنة والزيدية.. وهناك من يصف اليمنيين بالروافض وآخر من يصف خصومه بالدواعش.. كيف يمكن أن نتصدى لمثل هذه الدعوات؟
- قلت لكم إن الحزبية مصيبة وهي البلاء على البلاد فلو تركنا كل ذلك ووضعنا نصب أعيننا مصلحة الشعب والوطن لكنا في خير.. فلا مذهبية ولا زيدية ولا شافعية.. نحن عشنا 50 عاماً ما سمعنا من يتحدث عن صلاة التراويح أو الحديث عن انشقاقات مثلما يحدث في بعض الأحيان.. نريد أن يتركوا الناس وشأنهم فهذا يصلي تراويح وهذا لا يصلي وذاك يصلي في بيته وآخر يؤمّن وغيره لا يفعل ذلك وهذا يضم وهذا يسربل، وكل ذلك ملتمس من رسول الله، فلا يدخلونا في الطائفية والعنصرية والمذهبية المقيتة التي نحن في غِنى عنها..
♢ شكراً جزيلاً.. وهل هناك ما تودون إضافته؟
- أدعو الله عز وجل في ختام هذه المقابلة أن يجمع كلمة اليمنيين ويحقن دماءهم جميعاً وأنا لا أفرق بين هؤلاء وأولئك، جميعهم يمنيون بغض النظر عن أحزابهم أو مذاهبهم.. أقول لهم اتقوا الله أنتم يمنيون فاتقوا الله في شعبكم واتقوا الله في نسائكم واتقوا الله في هذا الشعب المسكين..
|