عبدالرحمن مراد -
< مع تزايد المعاناة الإنسانية وارتفاع وتيرتها ووصولها إلى الذروة لتأخر صرف مرتبات العاملين في القطاعين: المدني والعسكري، ارتفعت الأصوات الشاجبة والمنددة بالحال الذي وصل إليه الإنسان اليمني وبدأت أبواقهم ونشطاؤهم يتحدثون عن مآسٍ وجوع وفقر في غباء مفرط في الغباء ونذالة تستغرق نفسها بشكل قذر في بحيرتها الآسنة، ذلك أن الذي يتحدث عن المأساة والجوع والفقر في حالين متضادين الحال الأول: أنه يعيش في الفنادق الفارهة في عاصمة من عواصم العدوان على اليمن، والحال الثاني: ان المتباكي مؤىد للعدوان وللحصار البري والبحري والجوي وهو جزء مفصلي من المأساة لكنه لا يرى نفسه كذلك، ولذلك أصبح لزاماً علينا القول إن اليمن تخوض حرباً ضروساً.. مع عدو غير شريف يفرط في حصارها وبمساندة عملاء لا يتصفون بالضمير الإنساني النزية وهي معضلة، حين يصبح العميل بوقاً يبرر النتيجة ويرمي بمسؤوليتها على خصوم له، ويترك المقدمات التي يصنعها العدو الحقيقي للوطن، فالحصار الذي تفرضه دول التحالف بقيادة السعودية على اليمن، هو السبب وراء تدهور الوضع الإنساني في اليمن والعميل الخائن لوطنه يبرره ويؤيده ولكنه لا يرى إلاّ المأساة التي تجتاح البلد، وإن قلت له ما سبب هذه المأساة ساق لك المبررات وصاغ الحجج والبراهين وبما يتنافى مع الحقائق والواقع..
وإذا ما عدنا إلى حقائقه التي يراها نجد أن رئيسه الفار هادي كان قد أعلن أكثر من مرة عدم قدرة البنك المركزي على دفع أجور الموظفين وهذا أمر مثبت ولا داعي للمزايدة فيه، وبرغم ذلك الاعتراف استمر البنك المركزي يدفع أجور العاملين في القطاعين المدني والعسكري لمدة سنة وسبعة أشهر إلى أن بادر هادي بنقل البنك إلى عدن فأصبح عاجزاً عن دفع الأجور، وربما سوف يصبح عاجزاً عن توفير القدر اللازم من حركة التوازنات في توفير العملة الأجنبية للغذاء والقوت الضروري..
لقد قاد ابن همام المرحلة التي شهدت العدوان والحصار باقتدار ومهارة أذهلت خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي الذين توقعوا الانهيار في ظرف أشهر لا تتجاوز الستة، ولكنه استمر في تقديم خدماته المصرفية وتسديد التزاماته والمحافظة على حركة التوازن في السوق الوطنية، ومواجهة كل أنواع واشكال الاستهداف التي كانت تناله كتبعات للعدوان والحرب..
ما يبعث على الحزن ويقلقنا في هذه المرحلة أن نرى من أبناء اليمن ومن الأحزاب التي تؤيد هذا العدوان على اليمن استغلالاً رخيصاً ومبتذلاً لآلام الناس وأوجاعهم وكأنهم بمثل ذلك ينتصرون سياسياً وهم لا يدركون حجم الفجوة بين الانتصار السياسي المبتذل وبين السقوط الأخلاقي في وحل الرذيلة، إذ أن ما بينهما مساحات رخوة لا يمكن الركون عليها أو الصعود منها، وكان من الأجدر بأولئك النفر الذين يعزفون على وتر الانتصار بريشة الجرح النازف والألم والجوع أن يعودوا إلى ضمائرهم وينتفضوا في وجه التحالف معلنين رفضهم حصار أبناء جلدتهم وأبناء وطنهم لأن الانتصار بالصغائر صغار وذلة، ومن أراد المجد سعى إليه بروح الكبار لا بذلّ الصغار وهوانهم، وهم يدركون- إن كان بقي في عروقهم شيء من حميريتهم ومن يمنيتهم- أن اليمن لها مبدأ تاريخي لا يمكنها أن تتجاوزه في كل حقبها وتاريخها، كما دلت على ذلك الأحداث والوقائع وهي لأنها تفضل الموت على العيش هواناً وذلة وسُناراً ولذلك لم تنتفض صنعاء يوم أعدَّ العملاء حملة- أنا نازل- لأن صنعاء تعرف عدوها الحقيقي وقاتلها الحقيقي ولذلك فشلت الحملة رغم الغطاء الإعلامي المكثف، وفشلت الخلايا العنقودية التي كانت تعد العدة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب في صنعاء وفشل المال والبناء التنظيمي المحكم الذي كان الاشتغال عليه اشتغالاً واعياً ورصيناً، وانهار ذلك البناء وذلك الاشتغال أمام يقظة الحس الوطني الرافض للعدوان والحصار والرافض للخضوع والذل والهوان..
لقد مارس التحالف وعملاؤه كل اشكال القبح واستغلوا كل المآسي الإنسانية، ولم يدركوا أن الاشتغال على البعد الإنساني سلاح العاجزين وقد خابوا وخسروا..
|