بقلم / عادل الشجاع -
ما يدور هذه الأيام من أقوال وأفعال من قبل أحزاب المعارضة يثبت بالدليل القطعي ــ وليس الظن ـ أن سياسات الخفاء لدى هذه الأحزاب تسير في طريق، وسياسات العلن تسير في طريق آخر، وهي أمور مازالت قائمة وراسخة على الرغم من السنوات الطويلة على انتهاء حرب صيف 94م..
وهي تعطي تفسيراً للاحتقان السياسي المشتعل في الوقت الراهن؛ وإمكانات استمراره وتصاعده على الرغم من تناقضاته الحادة مع مقتضيات الإصلاحات الاقتصادية.
إن تصاعد الاحتقان السياسي الذي يريد أن يوصل البلاد إلى طريق مسدود يهدف إلى إظهار الحزب الحاكم والسلطة على أنهما خارج نطاق الشرعية؛ وخارج نطاق التمثيل الحقيقي للتعددية السياسية الثابتة على أرض الواقع والفعل، ولا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال عقلية تجار الحرب الطامحين إلى القفز على السلطة مهما كان الثمن.
ويعني ذلك أن العقلية المتحكمة في مسار الأحداث في أوضاع التوتر وأوضاع الصراع وكذلك في أوضاع الهدوء عقلية المصلحة الشخصية والفئوية القائمة على العنف تعتقد المعارضة أنها قادرة على إرغام السلطة من خلال التخويف ومن خلال الإمساك بأطراف الكثير من الأمور والتشابكات وأوراق الضغط.
وفي حقيقة الأمر فإن مطالب المعارضة بالإصلاحات أصبحت مطالب مشكوكاً فيها، لأن الجميع يعرف وبكل المعايير والمقاييس أن صمام الأمان لأي إصلاح يرتبط دوماً بالدرجة الأولى بالاستقرار السياسي والاجتماعي والإنساني للدولة والمجتمع، وهو ما يوضح بجلاء أن المعارضة تسعى إلى هز هذا الاستقرار وتقويضه.
هناك أحزاب في المعارضة تشكلت وفقاً لأحداث كانت تهدد استقرار المنطقة وبالتالي فهي مازالت تجد ذاتها وحرية نشاطها في إطار التناقضات والصراعات.. وهي تجهل أن هذه التناقضات والصراعات إذا خرجت عن السيطرة فإنها تعرّض الوطن والمنطقة لهزات حادة وعنيفة ستتسبب في خسارة كل شيء.
إن ما تقوم به المعارضة يعكس بكل العمد والحدة تناقضها السياسي وألاعيبها وحساباتها السرية غير المعلنة على السطح وكأن ما تقوله المعارضة أو ما تعكسه على السطح ما هو إلا مسرحية من مسرحيات العبث واللا معقول يقال فقط للتمويه والخداع.
إن تصعيد المعارضة لخطاب التحريض، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة التي تعيشها المنطقة العربية بشكل عام وخاصة في إطار تصاعد قوى التطرف والعمليات المخلة بالأمن والاستقرار، سيشجع ذلك القاعدة على تعزيز وجودها ونفوذها في اليمن.
ينبغي للمعارضة العاقلة والتي تشتغل بأجندة وطنية خالصة أن تكثف التشاور مع صانع القرار؛ والتباحث معه بعمق في سبيل تعزيز التنمية المستدامة التي من شأنها أن تسهم في توفير ظروف معيشية لائقة للشعب اليمني كافة، وبما يعزز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نحن لا ننكر أن الأوضاع الاقتصادية في اليمن تعاني، لكن المعارضة لم تسأل نفسها: ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟!.
ولو سألت نفسها هذا السؤال لوجدت نفسها جزءاً من المشكلة، فهي في حالة حرب دائمة ولم تترك للسلطة الوقت الكافي لأن تتفرغ للجانب الاقتصادي أو الاستفادة من الجانب التنموي.
وأنا أجدها فرصة هنا لأطلقها صرخة مدوية وأنادي كل القوى الحية في المجتمع اليمني كي تتصدى وبكل قوة وبكل جرأة للتمادي الحاصل في تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية، تارة بالاعتصامات وطوراً بالتشكيك بكل المؤسسات الدستورية، نقول كفى تمزيقاً للنسيج اليمني والهروب إلى أشكال سلطوية دون الدولة أو فوقها.
وعلى كل أبناء الشعب سواء في الجنوب أو الشمال أن يتفهموا ظروف البلاد الخارجة من حروب استنزاف المقدرات الاقتصادية والعمل من أجل أن يتجاوز مشاكله كما تجاوز الكثير من المشاكل في الماضي.
على كل الخيرين الحريصين على الوطن وسلامته أن يدركوا أن اليمن تمر بظروف ناجمة عن وقوعها على خط الزلازل السياسية في العراق والصومال؛ وبالتالي لابد من تجنيب اليمن مخاطر عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
إن تحقيق الاستقرار السياسي من شأنه أن يشجع على زيادة الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال؛ وهو ما يدعم الجانب الاقتصادي ويرفع مستوى الدخل للمواطن اليمني، فالقارئ للخريطة الاقتصادية اليمنية يجد أنها تعاني نزيفاً مستمراً بفعل عدم الاستقرار السياسي الذي أوجدته أحزاب المعارضة وأوصلت البلاد إليه.
إن ملامح الصورة اليمنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تبدو أكثر قتامة وأكثر جهامة تحت سنان وحراب المعارضة الرافضين في الأمس واليوم والغد أن يستمعوا لنداءات الوطن أو يرضخوا لصوت العقل والصالح العام.
ويبقى أن ما يحدث في اليمن يدخل في قلب المخطط الذي تقوده بعض الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي، وعلى بقية الأحزاب التي تتحالف مع هذه الأحزاب أن تعي أن انفراط عقد السلطة يمكن أن يكون مؤشراً قاطعاً على تمزيق اليمن، ونموذج الصومال والعراق والسودان وفلسطين خير شاهد على الأدوار المشبوهة للأطراف الداخلية لبعض القيادات المريضة عقلياً ونفسياً، وتلك نماذج حية على أولئك الذين يسيرون في خطا غياب الوعي والعقل والإرادة؟!.
الجمهورية