د. إسماعيل صبري ٭ - يؤسفني أن أقول إن المسار الذي تتحرك فيه السعودية ومن ورائها مجموعة الدول الخليجية التي تتزعمها في مجلس التعاون الخليجي, تجاه الصراعات والأزمات التي تسحق المنطقة العربية سحقاً، وتفكك كياناتها, وتغير معالمها للأسوأ، وتدفع بها على طريق الدمار الشامل، إن عاجلاً أم آجلاً، هو مسار غير واقعي وخاطئ تماماً, وهو وبلا جدال أحد أهم أسباب الكارثة التي تحيق بهذه المنطقة الآن وتقذف بها الى المجهول.
وفي رأيي المتواضع أن المأزق العربي الراهن, أصبح أكبر من أن يحتمل العبث أو التهور أو الاندفاع الى مجازفات غير محسوبة بدقة وواقعية. فالنتيجة كما نراها بأعيننا هي أن اليمن يدمر, وسوريا دمرت وانتهت وضاعت, والحبل على الجرار, ورغم ذلك, فإن السعودية ودول الخليج مصممون وبكل اصرار على مواصلة ما بدأوه, والمضي في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والكوارث حتى نهايته ما دام أنه بعيد عنهم على نحو ما يتصورون لأنفسهم.
وأقول إن النتائج تنطق وتصرخ بأن الأخطاء فادحة, والحسابات كارثية, والقرارات تؤخذ خارج أطرها الصحيحة, والتنفيذ أحدث من الأضرار ما يفوق الحصر.
وأقول لهم: لتكن ايران هي كل شياطين العالم مجتمعة اذا كانت هذه هي كل مشكلتكم معها, لكنها كدولة وكقوة اقليمية, لها دوافعها وسياساتها اتفقنا أو اختلفنا معها, قبلناها منها أو تحفظنا عليها, فهذا كله طبيعي ووارد وله مداخله في التعامل معه, وأضيف الى ذلك أن ايران هي في البداية وفي النهاية دولة واحدة, تتصرف بإمكانات دولة واحدة, تحدها حدود وتقيدها قيود ذاتية واقليمية ودولية, لا يمكنها أن تذهب أبعد منها مهما حاولت, أما أنتم بثرواتكم المهولة, ونفوذكم الكبير في الدول التي ربطتم مصيركم بها, وأعني بها أساساً الولايات المتحدة الأمريكية, وأسلمتم زمامكم لها, وأصبحتم تتحركون وفق ما تسمح لكم به وتعتمدون عليها كلياً في حمايتها لأمنكم مما جعلكم تسايرون سياساتها وتجارونها باستمرار أياً كانت مؤاخذاتنا عليها أو عدم رضانا عنها، وترون الضرر في معارضتها أو في التحفظ عليها أو في مجرد التجرؤ على نقدها.
اذاً، لماذا تخافون من ايران أو من غير ايران اذا كنتم محميين الى هذا الحد بالقوة الأمريكية ولديكم وعود من أمريكا بموجب المعاهدات الرسمية الموقعة بينكم وبينها بالتدخل الى جانبكم اذا تعرضتم للخطر؟ لماذا أقحمتم أنفسكم وتورطتم في ما لم يكن يجب عليكم أن تتورطوا فيه؟ لماذا تحاربون بالنيابة عن الغرب على الأرض العربية لتضيع شعوبنا وتخرب دولنا ولنصبح بلا مستقبل حتى تهدأ مخاوف اسرائيل ويتعزز أمنها وتأخذ لنفسها هدنة طويلة من صراعها المسلح مع العرب لتزيد هي تقدماً ونزداد نحن تراجعاً وتخلفاً وتدهوراً؟
وأؤكد لكم كأشقاء أعزاء علينا, ونحن في معسكر واحد ولسنا في معسكرين, أن ما نحن فيه من صراعات وأزمات لا يحل, ولا يمكن أن يحل, بالمواجهات والتدخلات والعنف المسلح الذي لا يخدم الا مصالحهم هناك في أمريكا والغرب واسرائيل ويستخدمونكم كمجرد أداة تنفيذ مسلوبة الارادة, فاقدة القدرة على اتخاذ القرار المستقل, ولا يهمكم أن تغرقوا بعد ذلك في مشاكل أكبر منكم وسوف تبحثون عنهم وقتها ولن تجدوهم كما وعدوكم, والحل الذي لا حل غيره, هو أن ترجعوا فوراً عن هذا المسار الانتحاري, وأن تخرجوا من الهاجس المسيطر عليكم وهو أنكم تخوضون حرباً دينية مقدسة ضد ايران, حرب سنة وشيعة , حرب مذاهب وطوائف ,وكأننا رجعنا أربعة عشر قرناً الى الوراء, فهذا خبل وجنون منكم، ومن ايران اذا كانت تفكر بالعقلية نفسها.
نحن امام مصائر شعوب وأقدار دول ومجتمعات انسانية مهددة في وجودها وبقائها وفي حاضرها ومستقبلها وأمام مشكلات طاحنة تحتاج منا الى الحكمة العالية والبصيرة النافذة والرؤيةالصائبة، وثقوا أنه بغير التوافق مع جيرانكم بالحسنى والعلاقات الايجابية الطيبة وبقدر كبير من حسن النوايا, فلن يتحقق لكم شيء وسوف تخسرون كل شيء.
قد تغضبكم صراحتي التي تعودت أن أتكلم بها بلا لف أو دوران, ولكنكم ستعرفون معنى ما أقول وان كنت أخشى أن يكون ذلك بعد فوات الأوان.
٭ أكاديمي مصري- أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط
|