محمد علي عناش -
بعيداً عن السياسة الأمريكية الخارجية التي تتسم بالنفاق والبراغماتية التي تكون في كثير من الاحيان حادة ومفرطة في القفز على المسائل الأخلاقية والسعي الدؤوب في تحقيق المصالح الأمريكية على حساب القوانين والمواثيق الدولية، سيظل ثابتاً وحقيقة جوهرية أن هناك في أمريكا تداولاً سلمياً للسلطة.. غادر أوباما الرئيس الأمريكي الديمقراطي وحل محله ترامب الرئيس الأمريكي الجمهوري عبر انتخابات تنافسية لا نملك أن نقول عنها إلا أنها نزيهة، كما كان الأمر في فرنسا حينما غادر السلطة رئيس اشتراكي وأتى إليها رئيس من المحافظين عبر انتخابات نزيهة... الأمر نفسه في كل المجتمعات الديمقراطية هناك تداول سلمي للسلطة، هناك أمن واستقرار، هناك مستوى الجريمة منخفض، هناك تنافس في سوق العمل والإنتاج، وبالتالي هناك رخاء اقتصادي ومعيشي.. بالمختصر هناك دول وأنظمة ومؤسسات وسياسة وتوجهات تعلو على الأفراد والجماعات والأحزاب، يحترمها الجميع وتتجسد في حركة وأنشطة الجميع وتعبر عن خياراتهم وتطلعاتهم بمقتضى القانون والدستور.. فقط نحن في المجتمعات العربية، ليس هناك تداول سلمي للسلطة، وفي نفس الوقت هناك تخلف وفقر ومشاكل اجتماعية متأججة.. بل ووصل الأمر في بعض هذه المجتمعات الى مرحلة سقوط الدولة وجنون الصراعات والتمزقات الداخلية المدمرة، ومرحلة عنف الايديولوجيا الدينية او ما يُعرف بظاهرة التطرف والإرهاب البشع بشكل بعيد عن الفطرة والتصور الأخلاقي..
ذهبنا الى التغيير بلامشاريع تغييرية حقيقية، وطلبنا الديمقراطية بلا أدوات ديمقراطية وإنما بأدوات سلطوية ورجعية مدمرة، مارسنا على أنفسنا أقسى أنواع الانتقام والتضليل والخداع بل والتآمرالذي دمر كل شيء، هو ما نراه اليوم بنماذجه التي قد تكون مختلفة في الشكل لكنها متشابهة في المضمون والنتيجة كما في سوريا واليمن وليبيا، وهناك دول مرشحة لولوج هذا السيناريو..
نحن ضحايا أنفسنا، ضحايا أوهام التغيير من بوابة التدمير والانتقام والتضليل وتأجيج الأمراض الاجتماعية والثقافية التي كانت تلفظ أنفاسها، فإن عشناها وألبسناها ثياباً ثورية كانت تخفي وراءها هذا السوء والانحطاط في التفكير والسلوك والخيانة بصورها القذرة والبشعة..
وبالتالي لسنا ملائكة والآخر شراً بالمطلق، ولسنا ضحايا الآخر أكثر من أننا ضحايا انفسنا، كل ما يعمله الآخر أنه يتحرك بدهاء وبرغماتية في ساحة نحن من نصنعها ونهيئها، ويحقق أهدافه ومبتغاه في لحظات دوسنا للقيم والأخلاق السياسية والدينية ولحظات غفلة العقل المتحضر وتشظّيه وتشوهه، الآخر يمر إلينا عبر ثقوب وفراغات نصنعها.. الصورة اليمنية أكثر صور المشهدالعربي بؤساً وقتامة، وأكثر الحكايات المؤلمة والتراجيدية التي ستظل عالقة في الذاكرة البشرية لهول مايحدث من جرائم يندى لها جبين الإنسانية من قبل تحالف دولي ومن قبل مرتزقة تجردوا من كل القيم والأخلاق.. مرتزقة لم يشهد التاريخ مثيلاً لانحطاطهم.. بشاعة الصورة تكمن ان هناك جريمة قافزة على كل الأخلاقيات البشرية.. تشتريها السعودية بالمال من عملاء كثيرين بدءاً من أصغر مرتزق يضع الإحداثيات إلى أكبر مرتزق دولي أخرج السعودية من القائمة السوداء بمنتهكي حقوق الإنسان.. يجب أن نعول على أنفسنا، لا على ترامب في إيقاف العدوان، حتى وإن كانت لديه أكثر من الطموحات والتوجهات الجديرة بالاهتمام، لكن في نفس الوقت جدير بنا ان نتعاطى معها بشكل لائق وبوعي جديد يزيح الكثير من المخاوف والشكوك والغموض..
الآخر يدرك تمام الإدراك أنه يتعامل مع مرتزقة ومع رأس الإرهاب الدولي، لكنه لن ينتصر لنا ولن يتخلص منهم إذا ما استطعنا نحن أن نعبّر عن مظلوميتنا وقضيتنا وان نكشف عن مشروعنا، إذا لم نستطع أن نظهر أننا البديل الأمثل ليس البديل التابع وإنما البديل المقبول والمؤهل لإدارة البلد والتأسيس لبناء مجتمع دولة القانون والديمقراطية والسلام والأمن والاستقرار.. إذا كانت الصواريخ الباليستية التي أطلقناها كانت صواريخ انتصار عسكري وعزة وشرف ودفاع عن وطن ضد مملكة الإرهاب الداعشي وضد مرتزقة منبوذين ومقززين، نحن بحاجة الى إطلاق صاروخ باليستي من نوع آخر شظاياه زهور وورود ولوحة جميلة ليمن المستقبل، صاروخ من نوع دولة القانون والديمقراطية والسلام والتعايش المشترك ومحاربة الإرهاب فكراً وسلوكاً والانفتاح على الآخر من منطلق يمنيتنا وعروبتنا.