تقرير/ احمد الرمعي -
على الرغم من إعلان الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة والدول المانحة تقديم ملايين الدولارات لتمويل العمليات الإنسانية ومعالجة الأزمة الإنسانية التي تعاني منها اليمن جرّاء الحرب التي اندلعت أواخر مارس 2015م، إلا أن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية آخذة في التدهور، ولا يكاد يلمس المواطن أي نتائج لتلك الجهود التي يعلن عنها.
واستغرب مختصون من التناقض الصارخ بين ما يتم الإعلان عنه من أموال مخصّصة لليمن، وبين احتياج أكثر من 80% من اليمنيين لمساعدات إنسانية عاجلة، واتّساع دائرة الجوع والفقر والبطالة وتفاقم الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات الأساسية، مؤكدين أن المساعدات الإنسانية لا تصل لمستحقّيها وأن ما يعلن عنه ربما يذهب لتغطية نفقات المنظّمات الدولية والدعم اللوجيستي لها، أو ربما يكون في إطار الاستهلاك الإعلامي فقط.
ورأى المختصون أن جزءاً كبيراً من المساعدات الدولية وخاصةً تلك التي يفترض أن توزّع مجاناً للمتضرّرين والمحتاجين عن طريق برنامج الأغذية العالمي "التابع للأمم المتحدة" يتسرّب إلى السوق السوداء ليبيعها التجّار للمواطنين بأسعار السوق.
واتّهموا أطرافاً سياسية ببيع مساعدات غذائية وصحية مقدّمة من برنامج الأغذية العالمي ومنظّمة الصحة العالمية لتجّار كبار قاموا بدورهم ببيعها للمواطنين بأسعار مرتفعة بشكل غير قانوني أو شرعي في استغلال واضح للأوضاع الأمنية والسياسية المضّطربة في اليمن وغياب أي رقابة أو مساءلة حقيقية وجادّة.
وقالوا: إن توزيع المساعدات الإغاثية والإنسانية يكتنفه الغموض ولا يتّسم بالشفافية والنزاهة والحيادية، وأن بعض المنظّمات والدول المانحة يقوم بـ "تسييس" توزيع المساعدات لخدمة أطراف سياسية متورّطة في الحرب والصراع المسلّح.
وتساءل المختصون: "كيف تتحدّث بعض المنظّمات عن فجوات في تمويلها وحاجتها إلى ملايين الدولارات لتغطية نشاطاتها في اليمن، في الوقت الذي تعلن دول إقليمية عن تقديم الأموال إلى تلك المنظّمات وتوقيع الاتفاقيات معها لمعالجة الأزمة الإنسانية في اليمن؟".
يأتي هذا في الوقت الذي نجد أن أكثر من 14 مليون شخص في اليمن يعانون من نقص الغذاء وعدم القدرة على تلبية معظم احتياجاتهم الغذائية الأساسية، بما في ذلك 7 ملايين يعانون بشدّة من انعدام الأمن الغذائي.
وفي بعض المحافظات، يواجه 70% من السكان صعوبة شديدة من أجل إطعام أنفسهم. وفي محافظة الحديدة، يبدو الوضع مقلقاً بشكل خاص إذ تم تسجيل معدّلات مرتفعة للإصابة بسوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة بلغت 31% "أي أكثر من ضعف حد حالة الطوارئ الذي يبلغ 15%".
وأعلن برنامج الأغذية العالمي عن الحاجة الماسة إلى أكثر من 459 مليون دولار لتوفير المساعدات الغذائية الضرورية في مختلف أنحاء اليمن حتى أبريل 2017، حيث سيستغرق الأمر 4 أشهر من وقت تلقّي البرنامج الأموال حتى يمكن شحن الغذاء إلى البلاد، ووصوله إلى أيدي الأسر التي تحتاج إليه.
انتشار الجوع والفقر
وأكدت المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن هناك 2.18 مليون يمني مهجّر ضمن حدود بلاده جرّاء 21 شهراً من الصراع العنيف. ويعيش الكثيرون منهم حالياً في ظروف غير مستقرّة، في مخيّمات غير رسمية ومبان عامة ودينية.
ومع اقتراب الشتاء، لا يتمتّع الكثيرون إلا بالقليل من الحماية من العناصر الطبيعية ويعيشون في أماكن مكتظّة تفتقر إلى الخصوصية كما أنهم يواجهون خطر الطرد. وينتشر الجوع والفقر ولم تعد الظروف السيئة تحتمل بالنسبة إلى البعض.
وطغت الأزمات الإقليمية على أزمة اليمن التي هي من أفقر الدول في الشرق الأوسط، وقد زاد القتال الدائر فيها الاحتياجات الناجمة عن أعوام من الفقر وانعدام الأمن.
وقد عملت المفوّضية والوكالات الإنسانية الأخرى على الاستجابة للأزمة الراهنة. ولكن يبقى 18.8 مليون شخص محتاجين إلى المساعدة الإنسانية في البلاد، وسط وضع يستمر في التفاقم.
وقال ممثّل المفوّضية في اليمن، أيمن غرايبة: "لا يزال المدنيون يعانون من وطأة الأزمة والوضع يزداد سوءاً مع مرور الأيام. إنها كارثة إنسانية مهملة".
ووصلت المساعدات الطارئة التي وفّرتها المفوّضية والمخصّصة للأفراد الذين يحتلون الأولوية، إلى 660 ألف شخص من النازحين داخلياً في اليمن والبالغ عددهم 2.18 مليون شخص والذين ينتشرون في 20 محافظة منذ بداية الحرب، مع أن الاستجابة كانت محدودة بسبب ضعف التمويل.
وحتى الآن، تلقّت المفوّضية أقل من نصف التمويل الذي طلبته "43%" فقط من المبلغ المطلوب للاستجابة بحسب الأولوية في اليمن.
وحذّر غرايبة من أن "نقص الدعم يحد من قدرتنا على توفير الإغاثة الطارئة".
ونتيجة للصراع، يفتقر أكثر من نصف سكان اليمن إلى الطعام الكافي ويبقى النازحون متأثّرين بشكل خاص. فالطعام هو أكثر ما يحتاج إليه النازحون داخلياً في اليمن تليه المياه والصحة العامة والمأوى، الأمر الذي يثبت تزايد التحديات التي يواجهها الناس للحصول على أبسط الأمور التي تبقيهم على قيد الحياة.
ومع عدم وجود أي مؤشّرات لانتهاء الصراع، تواجه الغالبية الضعف بعد قضاء عام واحد على الأقل كمعدّل بعيداً عن مناطقها، من دون الحصول على الاحتياجات الأساسية. ونظراً إلى ندرة الموارد ونفاد المدّخرات وغموض المستقبل، حاول مليون شخص العودة إلى منازلهم في غياب الأمل والبدائل.
ونظراً إلى الحرب المشتعلة وإلى فقدان الملايين لسبل كسب عيشهم، تعتمد عائلات نازحة كثيرة على السخاء والتعاطف الذي تظهره المجتمعات المحلية. ويعتمد آخرون على المساعدات الإنسانية أو يجبرون على اللجوء إلى استراتيجيات تهدّد سلامتهم ورفاههم للبقاء على قيد الحياة.
ونظراً للاحتياجات الكبيرة، تزداد التقارير عن قصص الزواج المبكّر والتجنيد والتسوّل وعمل الأطفال.
ومع تزايد الاحتياجات بصورة كبيرة في البلاد واستمرار الملايين بمواجهة المخاطر الكبيرة التي تهدّد سلامتهم وحقوقهم الأساسية، فالأمل الوحيد بالنسبة إلى النازحين هو انتهاء الصراع الكارثي والعودة إلى بيوتهم بسلام.
وبالإضافة إلى ملايين اليمنيين النازحين في بلادهم، فرّ أكثر من 180 ألف شخص أيضاً من اليمن إلى الدول المجاورة بما في ذلك دول الخليج والقرن الأفريقي هرباً من القتال.
سوء التغذية
وأعلنت منظمة "اليونيسيف" أن حوالي 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة، إذ أن حوالي 462 ألف طفل منهم يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي زيادة كبيرة تصل إلى 200% مقارنةً بعام 2014م، كما يعاني 1.7 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد المتوسّط.
وقالت المنظّمة في بيان صحفي: إن أعلى معدّلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج، حيث تشكّل هذه المحافظات الخمس أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، في حين تسجّل محافظة صعدة أعلى معدّلات التقزّم بين الأطفال على مستوى العالم، إذ يعاني 8 من أصل كل 10 أطفال في المحافظة من سوء التغذية المزمن في نسبة لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل.
وقالت القائمة بأعمال ممثّل "اليونيسف" في اليمن الدكتورة ميريتشل ريلانو: "إن معدّلات سوء التغذية في اليمن هي الأعلى والأكثر تصاعداً من أي وقت مضى، وصحة أطفال البلد الأفقر في الشرق الأوسط لم تشهد مطلقاً مثل هذه الأرقام الكارثية التي نشهدها اليوم".
وتواجه اليمن صعوبات تمثّلت في انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي وندرة الخدمات الصحية حتى قبل تصاعد حدّة النزاع في البلاد، وأصبح نظام الصحة اليمني اليوم على وشك الانهيار.
وتقتصر الرعاية الطبية في اليمن على أقل من ثلث تعدادها السكاني، بينما أكثر من نصف المرافق الصحية فيها معطّلة، ولم يتلق العاملون في مجال الصحة رواتبهم منذ شهور، كما تواجه وكالات الإغاثة صعوبة في إيصال الإمدادات المنقذة للحياة للناس بسبب الأزمة السياسية القائمة بين الأطراف المتنازعة.
ويموت في اليمن على الأقل طفل واحد كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الإسهال وسوء التغذية والتهاب الجهاز التنفسي.
وأضافت ريلانو: "أفقدنا العنف والنزاع مكاسب كبيرة تمكّن اليمن من تحقيقها خلال العقد الماضي في مجال صحة وتغذية الأطفال. فقد انتشرت الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة، ونظراً لتوفّر عدد قليل من المرافق الصحية العاملة زاد تفشّي هذه الأمراض ليشكّل عبئاً كبيراً على الأطفال".
ودعمت "اليونيسيف" خلال عام 2016م علاج 215 ألف طفل ممّن يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، وقدّمت الفيتامينات والمكمّلات التغذوية لأربعة ملايين طفل ممّن هم دون الخامسة من العمر لتعزيز مناعتهم. إلا أن هذا العمل المنقذ للحياة يظل مقيّداً بسبب نقص التمويل وعدم القدرة على الوصول إلى المناطق التي يشتد فيها القتال.
وقالت ريلانو: "ندعو أطراف النزاع في اليمن إلى توفير سبل الوصول غير المشروط إلى الأطفال المحتاجين في مختلف أنحاء البلاد كي نتمكّن من تزويدهم بالإمدادات الغذائية وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ودعم الخدمات الصحية اليمنية".
ولا يزال هناك نقص في التمويل، إذ تحتاج "اليونيسيف" إلى 70 مليون دولار في عام 2017م كي تتمكّن من توفير خدمات الصحة والتغذية للأمهات والأطفال في مختلف أرجاء البلاد.