بقلم / نجيب غلاب -
لم تُحدد هوية البرنامج السياسي لمرشح المشرك بوضوح وهذا جعل منه أفكار مركبة تتحرك في الفراغ، كما أنه لم يقراء الواقع اليمني بموضوعية ومنهجية علمية. واستند على ليبرالية سياسية مشوشة، ولهجة ثورية غاضبة، وتم فهم للواقع بطريقة خاطئة، ووضع حلول خيالية، والبرنامج مطعم بمقولات يسارية مخلوطة بنكهة إسلاموية تحريضية.
ولو أُخذ البرنامج وحذفت منه المسميات المكانية ثم أعطي لمراقب محايد وطُلب منه أن يُحدد الواقع الذي يتحدث عنه البرنامج فانه لن يحسم بسرعة وسيظل في حيرة من أمره وربما يختار دولة أو عدة دول لكن لن تكون اليمن أحدها، ثم لأردف قائلا: هذا برنامج لا يعمر بل يدمر ولا يصلح بل يفسد لان هذا البرنامج ليس للانتخابات بل أشبه بالبيانات الثورية الغاضبه المستنده على قراءات ايديولوجية لواقعها.
ان المؤدلج عندما يصنع برنامج يحارب من خلاله الآخر فان البرنامج ليس إلا إداة زائفة ومخادعة للتمويه، وقراءة البرنامج لا يمكن عزلها عن طبيعة الفكر ومصالح الذين أنتجوه، والاهداف الحقيقية التي تحكُم من صنعه. فالمشترك تحالف سياسي يبحث عن سلطة ويتعامل معها كغنيمة، ويعتقد أنها القوة القادرة على تحقيق المعجزات. والسلطة لا يمكن نيلها إلا باثبات فشل الحاكم بتقديم قراءات للواقع تستغل نقاط الضعف فيه ثم تنفخ فيها وتضخم من المشاكل، ومن خلال تقديم قراءات زائفة للواقع تعتمد على ممارسة الكذب، من خلال تصوير الخلل في مناطق لا خلل فيها، او بناء اوهام حول مسألة معينة ثم يتم تكريرها بكل مناسبه لتصبح حقيقة حتى لدى مروجيها. فمثلا القول بان الاستبداد هو الحاكم لليمن وان اليمن ارضا وشعبا اصبحت ملكا للرئيس أو تزييف الوعي واقناع الناس ان المنظومة السياسية مختله وكل الحلول لمشاكل الواقع تكمن في تغيير النخبة والمنظومة السياسية كلها واعادة بنائها وفق رؤاهم الحالمة والمثالية والمتناقضة فيما بينها وبين واقعها، والاصرار الدائم انه لا علم لأحد عن نفط اليمن غير ثلاثة او اربعة بدون تحديد لكن الرئيس طبعا في المقدمه.ت السابقة لا صل لها من الصحة ولا دليل عليها وكلاها كلام يقاول ويردد بل إثبات وانما استنادا على اوهام صنعها المشترك واهله ومن خلالها يحاربوا النظام، وهي طريقة ذكيه في الحرب لان الدعاية عندما تكون غامضة وعائمة وفيها نكهة مؤامرة ومرتبطه بالسلطة وغنائمها فانها تكون مؤثره خصوصا لدى المؤدلج ومناصريه وايضا لدى من كان جاهلا بطبيعة الصراعات السياسية على السلطة والثروة بين الحاكم والمعارضة.
سياسة ودين جديد
بتحليل مقولات برنامج المشترك نجد انه قراء الواقع بطريقة خاطئه، وهذه القراءة اما نتاج استخدام المقولات والمفاهيم الايديولوجيه بحيث شكلت حجاب جعلت النتاج زائف، لانه مبني على وهم الايديولوجيا التي تعتقد أنها الحق المطلق، كما ان المؤدلج يسعى دائما لتوظيف كل امكاناته المعرفية والعقلية لاثبات فساد الآخر وبالتالي فقراءته للواقع متحيزه.
او هي نتاج رغبة في السلطة كأداة لنيل غنيمتها وتحليل الواقع مبني على هذا الاساس ولا يمكن في هذه الحالة ان يقدم قراءة واقعية بل سيحاول الراغب من غلبته شهوة السلطة جاهدا اقناع الناس ان الفساد مهيمن على كل شيء وسيقدم للناس احلام حتى يمنحوه ثقتهم.
يبدأ البرنامج بآية قرانية عظيمة، تعالج مسألة مهمة متعلقة بالاراده الانسانية وانها قادرة على تجاوز هزائمها المعنوية والمادية من خلال تغيير الذات فكرا وسلوكا، ويمثل اتباع نهج الله افضل طريق لصناعة الحياة، ولكن وضعها في سياق برنامج انتخابي اخرجها من معناها الأصلي ليجعل منها قوة قاهرة جارحة لشعور الناخب باتهامه أنه صانع للفساد والخراب الذي يعتقد المشترك أنه محيط باليمن وأهله من كل جانب، والتغيير في الواقع كما يراه المشترك لا يمكن حدوثه إلا بأن يغير الناس ما بأنفسهم، بمعنى أن يفكروا بطريقة أحزاب المشترك.
وهذا أستخدام سياسي للآية الكريمة والإيحاء للناخب أنه بمجرد الانتخاب وإختيار مرشح المشترك فأن الناخب قد غير ما بالنفس، وبالتالي فالواقع سيتغير وهذا التفسير متوافق مع الفكرة التي يكررها المشترك بأن المنظومه السياسيه هي محور كل اصلاح والتغيير يبدأ منها ولا يمكن تغييرها إلا بهيمنة المشترك على كل مفاصل السلطه، وهذا لا يحدث ما لم يصوت الناخب لمرشحهم، وعليه فمجرد انتخاب المرشح فالتغيير قادم، وهذا الاستخدام الدعائي للآية الكريمة في الصراع على السلطة والثروة يمثل المدى الذي وصلت إليه تيارات الاسلام السياسي في الاغراق في ممارسة السياسية إلى درجة تحويل القرآن إلى شعارات سياسية.
ثم يتم الحاق الآية الكريمة بحديث شريف للتأثير على الناخب بعمليه دعائية إحائية أن المشترك سيمارس السياسة بطريقة الخلفاء الراشدين وهي تزكية متناقضة مع واقع حال أحزاب المشترك فالاصلاح مارس السلطة واستغل اعضائه مواقعهم ونفوذهم، فجرد بسيط لثروة القيادات الاصلاحية المتفرغة للعمل السياسي والدعوي يجعل المرء يعجب متى جمعت؟ وكيف؟ أم أنها نزلت من السماء، وبالملاحظة البسيطة ستجد أغلب القيادات العليا والوسطية في الاخوان ميسوري الحال مقارنة ببقية إبناء الشعب.
وورودها في البرنامج يجعلنا نقراء القصد من ورودها لا المعنى المباشر للآية، فالمرشح المشتركي يريد أن يقول أنه لا يمكن للناخب أن يتغير حاله إلا بتغيير ما بنفسه وعليه أن يتطهر من تأييد مرشح المؤتمر ويختارني لأني الذي ساحفظك كما يحفظ المرء أهله ونفسه، الذي جعلنا نفهم هذا القصد هي الفقرات اللاحقة والتي تجعل الذهاب إلى الصندوق هي الطريقة الناجعة لحل كل المشاكل ولتغيير ما بالقوم بعد اختيار مرشح المشترك.
مع ملاحظة أن ذكر الصندوق والذهاب إليه في بداية البرنامج دليل واضح على مدى سيطرة وهيمنة فكرة السلطة على العقول والنفوس. وإلحاق الصندوق بآية كريمة أمعان في تزييف الحقائق وأصرار على تزكية النفس واستغلال لإيمان أهل اليمن في الصراع السياسي.
فالتعامل مع الانتخابات بطريقة دينية وربطها بالامانة بالطريقة التي أستخدمها البرنامج وبالإيحاءات المحملة في سياق الكلام يمثل تجاوز لفكرة الديمقراطية كوسيلة وآلية يمارس الناس من خلالها الصراع السلمي من أجل السلطة التي من خلالها يتم نوزيع الموارد المادية والمعنوية بين الناس.
فالناخب يتعامل مع التصويت بأسلوب يخدم مصالحة فالأمانة هنا تصبح متعددة ومختلف عليها ومحل نزاع بحكم إختلاف المصالح وهذا يشوه المعنى العظيم لهذه القيمة الربانية وتعامل الاسلام السياسي مع القيم الدينية بهذا الشكل يجعل الناس يختلفون حول مسائل متفق حولها، أو أن يدعي كل طرف أنه صاحب الامانة والآخر خائن.
واستخدام الآية القرآنية في برنامج أنتخابي يعني مطالبت الناخب بأن يؤدي الامانة (صوته) إلى أهلها (فيصل بن شملان) وهذا يعني أن الحق المطلق مع المشترك ومرشحه وأي سلوك أنتخابي مضاد لمرشحهم فأنه يمثل خيانة للأمانة. والمنافس بهكذا تفسير يصبح عدو والتصويت له فسق وعصيان، وهذا يحمل طياته النفي والاقصاء, وتحميل الآية هذا المعنى من قبلنا نتيجة منطقية لحشر كلام الله الحق في برنامج انتحابي وفي سياق من الكلام لا معنى له إلا ما ذكرنا.
ثم ينتقل البرنامج إلى فقرات أخرى كلها مبنية على الوهم والفهم الخاطئ للواقع وهذا نتيجة التعامل معه وفق المقولات الايديولوجية المتعالية عن الواقع والمعزولة عنه فيصبح فهمها له غير صحيح ومشوش وغامض، وبالتالي فالحكم على الواقع كما ورد في بداية البرنامج حكم قيمي عاطفي مبني على فهم مؤدلج بما يعني أنه مخادع وزائف.
فالإدعاء بأن المشترك يمثل الإرادة الشعبية والنقاء والصلاح والخير والآخر يعني الفساد والاستبداد والعنف والحرمان كل ذلك يمثل أعلى درجات الإقصاء للآخر ونفيه. والتعامل مع السياسية بثنائيات متناقضة ما هو ايجابي أنا أمثله وكل ماهو سلبي مرتبط بالآخر، يحول السياسة من مجال يقوم على التنافس الحر والصحيح والنقاش والحوار والصراع بين افكار إلى مجال للحرب والعنف والكلمات هي الإيحاء النفسي الأول للإقصاء المادي الذي قد يصل للجسد.
فالآخر عندما تُلقى عليه اتهامات تجعل منه شر اي مناقض للعدل والخير والحق فأن هكذا سلوك نفي لفكرة الديمقراطية لان الاتهامات في حالة صحتها تعني أن على الشعب أن يتحرر من هذا الشر المطلق بنفيه وإلغائه معنويا وماديا. والتصويت ليس الطريقة المتاحه لأن آليات الديمقراطية وظيفتها أن تمنح الناس حرية الاختيار بين رؤى وطنية وبرامج سياسية إجرائية وليس بين الشر والخير فالديمقراطية طريقة فريدة لإدارة الصراع في مجتمع مختلف وليست طريقة لإدارة صراع بين الحق والباطل.
العقلية الايديولوجية لا يمكنها أن تتعامل مع السياسة بشكل صحيح لانها تسعى للسيطرة والهيمنة والتحكم وفرض رؤيتها بالكامل على الناس ولا يمكنها ذلك إلا بتدمير المنافس أو بالاصح العدو لانها لا تؤمن بالمنافسة فمن يعتقد أنه صاحب الحق ويملك الحقيقية فأنه يرى في الآخر باطل لا منافس له وهنا يصبح النفي هو الحل، واذا عجز المؤدلج عن نفي خصمه بالقوة المادية تصبح الكلمة قادره على تدميره معنويا، من خلال تشوبه صورته وسلبه كل ميزه ورميه بكل مذمه، اما إذا كان ذلك سيصل به إلى السلطه فالمبالغة والاصرار على الهجوم وبكل الطرق هي استراتيجية مقبوله ولابد ان تدعم بدعاية تدغدغ مشاعرالجماهير. المؤدلج مقتنع خصوصا المثقف صانع المقولات أن الجماهير غبية وعادة ما تنقاد للحلم كلما كان مبالغ فيه فهم لا يُحكموا عقولهم وانما عوطفهم ومشاعرهم وعادة ما ينقادوا للوهم ومن السهولة خداعهم، والمؤدلج يكره إلى درجة الثمالة من يفضحه ويفكك مقولاته ويقراءه بشكل صحيح، وربما يقوده تهوره ونزعة المغامرة إلى التصفية المعنوية وقد تصل إلى الجسديه لدى المتطرف.
وبملاحظة المقدمة والبرنامج عموما نجد أنه اعتمد على صيغة أدبية تخاطب الشعور والعاطفة والتأكيد أن التماهي مع الناس وقضاياهم قد حركت الضمير لتحمل المسئولية ثم اقناع الناس ان كل الحلول سيتم القضاء عليها وسيتم محو الفقر والبطالة.
شعار منتهك لمشاعر اليمن وأهله
أما الشعار الاساسي للبرنامج فهو لا يعبر عن حقيقة الوضع وهو مصاغ بطريقة غاضبة ومتحيزة ومحكوم بنزعة إيديولوجية وفيه حكم على الواقع باسلوب لا يعبر عن الواقع كما هو، فاليمن ليس إداة تافهة يمكن أن يملكها أحد، وليس اليمنيين عبيد لدى أحد، واستغرب من هذه الصياغة وكيف يتم الاستخفاف باليمن وأهله إلى درجة أن يُملك اليمن لرئيس، وهذا الحكم دليل كراهية عميقة لدى المؤدلج للشعب واتهامه بالغباء والجهل والفساد والعبودية وهذه الاتهامات نتاج طبيعي للمؤدلج لأنه يرى في نفسه الصلاح والخير والحق ومن لم يتوافق معه فهو مناقض لكل صفاته التي تقع في خانة التنزيه مقارنة بالواقع وفساده.
وهذا الشعار يعبر عن حالة الغضب والكراهية التي تعيشها احزاب المشترك ضد واقعها فهي غاضبة من الرئيس والمؤتمر لكن غضبها في حقيقة الامر من الشعب اليمني الذي منحهم بشكل ديمقراطية حق الحكم، فيتم اتهام اهل اليمن انهم بالبطاقة الانتخابيه كتبوا صك العبودية واصبح اليمن واهله ملك للرئيس، رغم أن الرئيس صالح هو صانع الحرية ويكرر دائما أن الشعب هو من منحه الحق في الحكم ووظيفته الاساسية هي خدمة الشعب وعادة ما يكرر صالح مقولة: "لست إلا خادما لهذا الشعب"، ويقول أيضا يقول الرئيس صالح: " أننا نؤمن أن الشعب هو القائد والشعب هو الحاكم ونحن أجهزة الدولة ورئاسة الدولة أو الحكومة ما نحن إلا خُداماً لهذا الشعب خداماً له لا حكاماً عليه. الشعب هو الذي (جابنا) إلى الحكم وليس (إحنا) (إحنا جبنا) أنفسنا للشعب فالشعب هو الذي أدى لنا الأمانة والثقة " ، وهذا التصور الراقي يتجاوز ما أنتجه الفكر الغربي بأن الحاكم ممثل للشعب،ولكنه خادما،وهذا يعمق لدى القائد فلسفة المشاركة السياسية والقدرة على التعامل مع الناس بالصدق والأخلاص، والبحث الدائم عن مصالح المجموع وليس فئة معينة.
كما أن الشعار محمل بدلالات الرفض للواقع الدستوري ومشكك إلى درجة اليقين بالمنجز الديمقراطي وبالثورة ومبادئها لان قناعتهم بأن اليمن كلها من أجل الرئيس يعني أن اهل اليمن لاعقول لهم ولا كرامة وهذا يجعل الهدف الجوهري من شعار المشترك ممارسة التحريض والدعوة للحرب والعنف، ولأن الشعار زائف ومناقض للواقع فأن مفعوله صفر على الشمال.
كما أن الشعار محكوم بثنائية الخير والشر التي تحكم المؤدلج فأنا من اجل اليمن أما الآخر فاليمن من أجله ورغم فساد التركيب وخطاء التعبير والمعاني السلبية التي يحملها إلا أنه شعار يعبر عن أحزاب المشترك لان أصحاب الفكر المؤدلج يجعلوا الدولة والارض والانسان خدما للفكر وهو الاصل لدى الاحزاب الايديولوجية هذا على مستوى الفكرة والقول اما الفعل فكل شيء موظف لخدمة النخبة والنخبة تدافع عن الفكرة لان الفكره هي التي تمنحها شرعية الحكم وبالتالي دفاعها عن الفكر المؤدلج يصب في نهاية الامر لخدمة كهنة الفكر.
كما أن أحزاب المشترك أعضائه يروا أنهم أكثر نقاء من الجميع فالاصلاحي يعتقد أن الله يرشده دائما إلى الحق وأن الله قد أختاره لمهمة تاريخية متمثلة باقامة دولة الاسلام وهو داعية إلى الخير والعدل وبالتالي فهو الاكثر جدارة بالسلطة وإذا خذلته الجماهير فذلك دليل فسادها وجهلها وأبتعادها عن الحق فلو كانت مع الحق لاختارته.
اما الاشتراكي فيرى في نفسه المثقف والمفكر الذي يفهم كل شيء في الحياة والقادر على الحكم فلديه كوادر متعلمه ومثقفة ومناضلة وصادقة وهي مع الجماهير، وكوادره يمثلوا الجماهير خير تمثيل، واذا لم تختار الجماهير أعضائه فهي غبية وبليدة وتم تزييف وعيها. أم الحق والاتحاد فمن لم يختارهم فقد خان الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يختر أبناؤه ليكونوا هم في الحكم هذا أن أمنوا بفكرة الاختيار الحر أصلا. أم الناصري فهو الطليعي المعبر الفعلي عن حركة التاريخ وممثل حقيقة العروبة، وعدم أختيار الشعب عليه مؤامرة يديرها الغرب وعملائه الاشرار في الداخل.
والمؤدلج يعتقد أن الشعب عندما يختاره فأنه يحكم من أجل الناس أما غيرهم فأن الناس عندما يختاروهم حتى بطريقة ديمقراطية فان الناس يختاروا من يتملكهم ويعذبهم ويجعل منهم عبيد، وهذا استخفاف بالشعب اليمني وفي تصوري لا يوجد في تاريخ اليمن كله من أهانوا أهله بهذه الطريقة الشعاراتيه الزائفة والمخادعة التي تجعل من اليمن ضيعة واهله عبيد يعملوا من أجل فرد، ولكنها شهوة السلطة وغوايتها.
الأنا هم والتغيير والسياسة
التناقضات في المصالح والغايات والافكار داخل المشترك تعيق مرشحهم من تنقيذ برنامجه في حالة فوزه لانه لن يتمكن من اتخاذ قرارات سريعة وهو مدرك لهذه الحالة لذلك فقد ذكر في البرنامج انه لن يحسم اي امر الا بعد الوفاق والوفاق بين احزاب متناقضه وفي ظلال السلطة والثروة امر صعب أما إذا أضفنا إلى ذلك القوى السياسية في الساحة والنخبة الحاكمة المتجذره في كل مفاصل الدولة فان اي اصلاحات سياسية سيقدُم عليها بن شملان فأن مصيرها الفشل بسبب التناقضات بين مراكز القوى وصراعهم على السلطة وغنائمها.
والاصلاح ليس مستحيلا ولكنه بحاجة إلى قيادة كاريزمية لها نخبة مؤيده ومتناغمه مع القائد ولديها قدرات فذه على الاقناع والتأثير وقائد لديه قوة القول والفعل على النخب السياسية، ولكن مع رئيس ضعيف فان مراكز القوى تستغل هذا الضعف لتحقيق مصالحها وفي حالة التنازع فأنها ستتقاتل فيما بينها فلا حاكم لها.
المهندس بن شملان شخصية غير قادرة على مواجهة صراع النخب وغير قادر على حسم تناقضات الفكر والمصالح فهو صناعة ديكورية لاحزاب المشترك وضحية لقوى سياسية لا قول له فيها ولا فصل. بل ناطق بما تريد فكيف لقائد يسيره الآخرين قادر على معالجة نزاع النخب ناهيك عن قضايا الناس وقيادة شعب، واستغلال بعض اعضاء المشترك لابن شملان يعبر عن انتهازية في استخدام الناس وهذه طريقة الاحزاب الايديولوجية في تعاملها مع الانسان كأداة خادم للفكرة ومصالح اصحابها فالانسان كفرد لا قيمة له فالفكرة هي الاصل والانسان خادم لها.
حاول المشترك أن يتجاوز هذه الانتهازية في استغلال شخصية محترمة وبلغت من السن عتيا ان توحي ان بن شملان يملك استقلالية قويه عن المشترك وتوحي للناس انه طرف والمشترك الطرف الآخر وتم تأكيد هذه الاستقلالية من خلال كثرة استخدامات الانا الفردية بكثافة في البرنامج وهي محاولة للتمويه على الناس ان بن شملان سيكون الحاكم الفعلي ومالك قراره وهذا غير صحيح فالقرار لن يكون بيده، ورغم اصرار بن شملان وتأكيده على انه صاحب القرار وصانع الحدث الا ان واقع الحال يقول غير ذلك.
ويصور بن شملان نفسه بالبرنامج وحتى نكون موضوعيين يتم تصويره من واضعي البرنامج ويتحدثون بلسانه وكأنه ملاك من السماء والتعامل مع السياسة بنزعة مثالية يمثل خداع وتزييف لوعي الناخب فالسياسة في حقيقتها صراع مصالح بين القوى المجتمعية المختلفة والنظام السياسي يمثل حالة التوازن الناتجه عن الصراع على السلطة والثروة وطريقة التعامل التي يقدمها البرنامج في مقدمته لا يهدف لإعادة بناء التوازن وأنما إلى تدميره وهذه الطريقة ستفجر صراع عنيف بين قوى المجتمع.
وأصرار المرشح على أن يجعل الاصلاح السياسي بالطريقة التي عرضها ربما يقود المجتمع نحو الصراع بوجهه القبيح فالمعادلة التي يقوم عليها النظام الحالي لا يمكن تفجيرها بين ليلة وضحها وهي تعبير عن واقع أفرزته انتخابات ديمقراطية ويستند إلى شرعية قوية ولديه من القوة ما يجعله قادر على حماية نفسه ومصالح البلاد والعباد.
والبرنامج بمطالبه وتفسيره للواقع وحلوله المطروحة جعله يتعامل مع الانتخابات كأداة ثورية والعمل على تغيير خارطة القوى السياسية من خلال هندسة دستورية جديدة دليل على النية المبيته لدى احزاب المشترك بتغيير تركيبة النظام لصالح نخب المشترك .
الاصلاح السياسي التي تحدث عنه البرنامج فقرات جميلة ومثالية وأن كان بعضها غير واضح تم نقلها من الادبيات السياسية للمدرسة الليبرالية بصورتها المثالية التي لم يطبقها حتى الغرب وتم تجميع المقولات من الكتب التي توزعها السفارات الامريكية على النخب السياسية في دول العالم الثالث،وتم تركيب رؤية سياسية مثالية من يقرائها يعتقد أنها قادرة على العمل والشغل بدون تناقضات في الواقع اليمني.
إلا أن قراءتها بعمق تجعلنا نؤكد أنها ستخلق تناقضات عميقة عند تطبيقها فيما بين المؤسسات التي قد تنتج عنها وبينها وبين الواقع وهذا ما يجعلنا نؤكد أن البرنامج ليس إلا إداة دعاية لدغدغة مشاعر الناس.
ومعظم المبادئ التي تم ذكرها البرنامج قيم سياسية إيجابية والأشكالية ليست في رصف المعاني والقيم الديمقراطية في الدساتير والبرامج الانتخابية ولكن في تنفيذها وملائمتها للواقع وفي حالة التنفيذ فأن الاشكاليات التي تنتج عن تنفيذ مفاهيم وقيم تم صناعتها في واقعى مختلف يمكن ينتج عن ذلك سلوك مناقض للغرض الذي صنع المفهوم او القيمة من اجله، لذا تحتاج عملية التطبيق عند النقل إلى مجتمع مختلف إلى تعامل حذر ومدروس والعمل خطوة خطوة حتى تؤدي تلك القيم وظيفتها، ويكون التحول سهل وسلس وبما يخدم المجتمع.
ومشكلتنا في العالم الثالث أننا نصنع برامج ودساتير مثالية ولكنها تظل حبيسة في الاوراق والسبب أننا لا نفكر بواقعية بل نريد ان نصبح دولة ديمقراطية من الطراز الأول وننافس سويسرا وامريكا وبريطانيا وهذه الطريقة تقتل أي تطور حقيقي للديمقراطية وتجهض التحولات الايجابية.
فالمبالغة والاعتماد على رؤى مثالية والمطالبة بإحداث تحولات سريعه في الواقع قبل أن يصل الواقع إلى مرحلة النضوج والقبول بالتغيير يدمر الواقع والمبدأ معا والحال هنا أشبه بمن يريد أن يتزوج بفتاه عمرها سبع سنوات ويتعامل معها كانها في سن الرشد وإذا اصر على غيّه فهو أما مجنون أو منحرف أو لا يفقه من الحياة شيء إلا شهوته والطفلة أما أن تموت أو أن تصاب باضطرابات نفسية طوال حياتها وتصبح غير قابلة للنضوج.
السياسة أولا...أنتخبوني أو الطوفان
ربط البرنامج الاصلاحات الاقتصادية وغيرها من الاصلاحات ربطا وثيقا بالاصلاح السياسي وهذه الطريقة تعني هروب عن معالجة الاوضاع الاقتصادية والتفسيرات المقدمة غير مقنعة ومبالغ فيها ولا تستند على رؤية علمية وانما على موقف سياسي من النظام.
والجزم بأن تطبيق التغييرات الشامله في الجانب السياسي كفيلة بححلة المشاكل الاقتصادية طريق لصناعة الوهم واقناع الناخب وهي لعبة ذكية تظغط على الناخب وتقول له أن لا اصلاح اقتصادي ونهاية للفقر والبطالة إلا بتطبيق رؤية المرشح المشتركي في الاصلاح السياسي والاصلاح السياسي لا يتحقق إلا بفوزه وهذا ايضا وهم وخداع حتى في حالة فوزه فان سيطرت المؤتمر على البرلمان لن يسمح له بتنفيذ برنامجه، بما يعني تأجيل كل مشاكلنا حتى يتم تصفية الحاكم وهذه الطريقة تؤسس لجولات صراع متلاحقه قد لا تنتهي، والخاسر الوحيد هو اليمن وشعبه.
واستخدم لفظ محو الفقر والبطاله يبلغ الخداع والدعاية المدى الأعلى فبعض الدول النفطيه التي تشكل ميزانيتها لسنه واحدة تعادل ميزانية اليمن لخمس عشر سنه واكثر لم تقضي على البطالة ومازال الفقر موجود رغم أن سكانها أقل من اليمن بكثير كما ان السياسات والحلول التي طرحها البرنامج لعالجة الفقر والبطالة غير عملية ولا واقعية وغامضة.
ويختتم البرنامج ليؤكد ما بدأ به وهي ممارسة ارهاب نفسي على الناخب بأنه سبب للمشاكل التي يعاني منها الواقع، ويحرض الناس ان القلة نهبت ثروته وهي سبب جوعه وفقره ومعاناته وهذا التفسير غير صحيح ومتحيز والهدف منه التأثير على الناخب.
خلاصة القول البرنامج لم يُبنى على المنهج العلمي وانما على مواقف ايديولوجية وهذا ما جعل منه برنامج للدعاية السياسية بمعنى ان الهدف السلطة وثروتها لان البرنامج ينفي الواقع كله نخبةً ومؤسسات ويصور جازمة ان كل شيء فاسد والحل يكمن بان يغير الناس ما بانقسهم وينتخبوا بن شملان وكل التحليلات تنتهي ان السلطة هي الغنيمة الكبرى والمقصد والغاية، وهذا يعني ان الامور لن تتحسن في حالة فوز مرشح المشترك بل ربما تقودنا نحو اوضاع اكثر سواء، أن لم يكن الصراع بوجهه القبيح محصلة طبيعية لغلبة شهوة السلطة على عقول نخبة المشترك.
ملاحظه ختامية
البرنامج يجعل المواطن أمام خيار فقدان الكرامة والفقر والانهيار والموت أو انتخاب بن شملان حتى يقوم بالاصلاح السياسي وهذا تزوير للواقع فمشكلة اليمن ليست في إعادة هندسة البناء الدستوري للدولة وهذا لا ينف حاجة اليمن للاصلاح السياسي وقد تضمن البرنامج السياسي لمرشح المؤتمر حلول واقعية وعملية للاصلاح ويملك مرشح المؤتمر القدره على تقديم الاصلاحات المختلفة القادرة على خدمة التحول الديمقراطي وتحقيق مصالح الناس في أجواء آمنه ومستقرة قادرة على بناء يمن جديد ومستقبل أفضل لجميع إبنائه.
وبن شملان اكد في برنامجه انه سيقوم في حالة فوزه بتغيير شامل للنخبه الحالية والتغيير لن يشمل فقط للاشخاص بل الى تغيير المناخات والظروف المحيطة وعلى الرغم انه جعل الفساد هو السبب ولكن الخفي خلف هذا الطرح هو طرد النخبة الحالية والمرتبطين بها وتصفية مصالحهم لصالح النخبة الجديدة المتمثله هنا ليس باحزاب المشترك ولكن بالقوه الاصلاحية وتحالفاتها المختلفة في المجتمع وهذا الاحلال لا يمكن حدوثه بسهولة وربما يفجر صراع بين الطرفين.
جعل التغيير السياسي اولويه لإحداث أي تغيير في المجتمع أو الاقتصاد طريقة مجربه في عالمنا العربي وفي تجارب الكثير من الدول في العالم فالنظام السياسي أفراز لواقع المجتمع وليس العكس لأن السياسي تابع لبنية الوعي المجتمعي وللتطور الاقتصادي.فالفكر الاسلامي يؤكد أن الفكر والوعي يصنع الواقع لان الواقع إنعكاس للفكر والدولة لا تصنع الفكر وأنما المجتمع. واليسار يرى أن السياسي نتاج للاقتصادي فالفكر إنعكاس للواقع وهو معاكس للمنظور الاسلامي ولكن كلاهما يجعلا السياسي تابع وليس مستقل، مما يعني أن البرنامج بتركيزه على السياسي ناتج عن رغبة جامحة في السلطة لا رغبة في إحداث تغيير حقيقي، والإشكالية أن السياسي في العقلية المؤدلجة له أولويه مطلقه على غيره والسبب أن العجز الذي يصيب المؤدلج في تغيير الواقع وتحقيق مصالحه يجعله يقلب الآية نتيجة هزيمته فتصبح السلطة طريق إلى الغنيمة اولا ومن خلالها يتم فرض الافكار على الناس قسرا، وفرض الهيمنة والسيطرة على الدولة والمجتمع. وجعل السياسي طريق للتغيير لا يحقق نجاح وتجربة السودان خير دليل، فالحاكم بعد أن عجز عن فرض رؤية الترابي على المجتمع السوداني فك ارتباطه بالحركة وإعاد بناء شرعيته على اسس وطنية لا تتجاوز الاسلام ولكن مازالت الحركة بجناحها الترابي تسبب للبشير الكثير من الازمات المتلاحقة واصبح الترابي يمارس السياسة بطريقة المنتقم ردا على خيانة البشير.