أحمد الزبيري - < الاهتمام السعودي الخليجي بدول القرن الأفريقي والذي ينتقل من التقارب السياسي الى الاستثمار الاقتصادي الى التحالف الأمني والعسكري لا يستند الى أسس ولا يملك خلفية تاريخية قديمة أو معاصرة كما هو الحال مع اليمن ومصر التي تعود صلاتهما وأواصرهما الى آلاف السنين مع شعوب هذه المنطقة الى حد التشارك وجوداً طبيعياً تاريخياً حضارياً واحداً، ويظل ما يجمع البلدين العربيين جنوب البحر الأحمر وشماله مع القرن الأفريقي يكتسب أهمية عميقة في الحاضر والمستقبل.
وفي هذا السياق لا نحتاج الى الدخول في التفاصيل والحيثيات لإثبات حقيقة ما ذهبنا اليه، فهذا معروف ولا يعد قضية رئيسية في موضوع سر الاهتمام الخليجي الفجائي بدول القرن الأفريقي وعلى رأسها جيبوتي واثيوبيا وارتيريا والصومال وقبلها وبعدها السودان.
طبعاً الاهتمام الخليجي بدول القرن الأفريقي لا تقف وراءه استراتيجية مشاريع لدول الخليج تتعلق بتحقيق نفوذ لهذه الدول، لأن هذا أكبر وأعظم بما لا يقاس من تفكير أنظمة ممالك ومشيخات النفط المصطنعة المحكومة بعقول متخلفة ومستبدة قروسطية تافهة وهي تمارس السياسة بعنجهية وغطرسة دافعها ومحركها أحقادها لصالح توجهات القوى الدولية التي أوجدتها وتشكل لها الرعاية والحماية حتى اليوم والمقصود بريطانيا وأمريكا وهي لطالما لعبت هذا الدور ولكن ليس بالصورة التي بدأت من الاهتمام الإماراتي بجيبوتي بعد إعلان توحيد اليمن في الـ22 مايو 1990م وزاد هذا الاهتمام في النصف الثاني من عقد التسعينيات.. الاهتمام الإماراتي مصدره الخشية من استفادة اليمن من موقع عدن الجيوسياسي الاستراتيجي والاقتصادي الطبيعي في ظل دولة الوحدة، فكانت مشاريع تطوير وتوسيع ميناء جيبوتي وبناء ميناء جديد في منطقة دروالة كامتداد لميناء جبل علي في دبي بهدف تطويق ميناء عدن وإعاقة أية إمكانية لاستعادتها مكانتها مع أن دولة الإمارات وإمارة دبي كانت تستطيع أن تحقق شراكة استثمارية مع اليمن تعود عليها ليس فقط بفوائد مالية ومكاسب اقتصادية وإنما تتخذ طابع المصالح الاستراتيجية التي تعزز دورها ومكانتها وتأثيرها، هذا التوجه كان اليمن يسعى ويعمل من أجل الشراكة والتكامل مع من كان يعتبرهم أشقاء في الجزيرة العربية والخليج حين كان البعض منهم لاسيما النظام السعودي وقطر والإمارات يتآمرون عليه ويكنون له العداء، ويكفي أن نشير الى تفضيل اليمن تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي التي أرادت الشراكة وأرادت موانئ دبي منع الاستفادة من هذا الموقع الطبيعي الاستراتيجي لعدن تنفيذاً لأجندة مصالح قوى دولية تتعارض مع مصالح الشعب اليمني وشعوب منطقة الجزيرة والخليج والأمة العربية، وفي هذا المنحى يأتي العدوان الإجرامي على اليمن والتآمر لتدمير سوريا والعراق عبر استدعاء القوى الأجنبية لغزوها واحتلالها وافتعال الفتن المناطقية الطائفية والمذهبية والعرقية وإحراقها وإبادة شعوبها بالارهاب الوهابي التكفيري.
من كل ما سبق يتضح أن مملكة آل سعود الوهابية وبعض مشيخات النفط الخليجية دول أقيمت على أساس وظيفي لتكون إحدى الأدوات للقضاء على أي مشروع عربي نهضوي تحمله البلدان والشعوب العربية التاريخية وفي مقدمتها بالطبع مصر التي كلما حاولت استعادة دورها ظهر التآمر السعودي الخليجي الاسرائيلي متخذاً أساليب ووسائل متعددة، مستخدماً الحروب والارهاب والمال النفطي وتاريخ ستة عقود من إضعاف مصر، مثخن بالجراح والآلام، وآخرها الاهتمام الخليجي بدول القرن الأفريقي الذي بالطبع يستهدف بصورة مباشرة مصر واليمن ولكن أكثر ما يتجلى في الاهتمام السعودي بالعلاقة مع اثيوبيا الذي يتجاوز الأطر الطبيعية الى تقديم الدعم السخي لإنشاء المشاريع على منابع نهر النيل من إقامة السدود الضخمة التي تؤثر على جريانه الطبيعي لدول المصب والذي بكل تأكيد لن يلحق ضرراً إلا بمصر وسيؤدي الى كارثة على الشعب المصري كله وسيكون له امتدادات سلبية كبرى على الشعوب العربية ووضعها الذي أُضعف الى الحد الأقصى والذهاب الى النهاية المأساوية.
ومن هنا فإن بناء سد النهضة في أثيوبيا هو استهداف وجودي لمصر لماضيها الحضاري العظيم الممتد لآلاف السنين، فهي هبة النيل وكذلك حاضرها ومستقبلها مرهون بالجريان الطبيعي لهذا النهر الخالد.إن المتابع لمشروع سد النهضة في أثيوبيا يجد أن الغرض منه ليس استفادة اثيوبيا منه وإنما هو وسيلة حرب جديدة هي الأخطر على مصر التي لم تمانع من استفادة اثيوبيا من مياه نهر النيل سواءً في مجالات الزراعة أو الصناعة أو الطاقة، ولكن في إطار عدم التأثير على جريان مياه النيل الطبيعية، وهذا كان ممكناً وسعت مصر الى التفاهم والاتفاق حوله دائماً، وهذا لم يكن يحتاج الى مشروع بحجم سد النهضة، وطبعاً أثيوبيا تدرك ذلك لكنها انخرطت في مشاريع تحالف الشر الغربي الصهيوني الخليجي التي لا مصلحة للشعب الأثيوبي فيها بل للنظام الذي قبل بأن يخنق شعباً حضارياً عظيماً بحرمانه من ساحله التاريخي ليصبح بلد كبير كأثيوبيا بدون بحر، والنظام الذي يتنازل عن أهم شروط وجود شعبه المؤثر في واحدة من أهم المناطق الحيوية الاستراتيجية لن يتوانى في سبيل بقائه عن التآمر على الشعوب الأخرى.من هنا نتبين الأسباب الحقيقية وراء بناء سد النهضة.. إنها حرب المياه وهي الأخطر، ولم يتوقف الدور الخليجي عند أثيوبيا بل امتد الى دول المنبع في شرق أفريقيا وعلى رأسها أوغندا وتنزانيا.. وحكاية حرس الرئيسين المصري والاوغندي تلخص مشهد الدور السعودي والخليجي التآمري القذر على مصر نيلياً وأفريقياً.
وعودةً الى العدوان السعودي على اليمن ودور دول القرن الأفريقي في السيطرة الأمريكية البريطانية الاسرائيلية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وعدن يفسر الدور السعودي القطري الإماراتي في بناء القواعد التي آخرها بناء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي، وبناء قواعد بحرية وجوية إماراتية في اريتريا، إضافة الى إعلان الدعم السعودي والخليجي لسد النهضة على منابع نهر النيل في اثيوبيا..بطبيعة الحال ان هذا التحرك ليس للنظام السعودي ولا لدول الخليج المشاركة فيه أهداف تخصها، فهي ليست دولاً تحمل مشروعاً يعكس طموحاً إقليمياً ودولياً إنما هي أداة وواجهة للمشاريع المدمرة للعرب دولاً وأمةً.. في هذا السياق يأتي العدوان المستمر على اليمن لما يقارب العامين والذي إذا ما ربطناه بالتوجهات العدوانية ضد مصر فإن العدوان على اليمن بالمعنى الاستراتيجي عدوان على مصر باتجاه شريان الحياة الثاني لها المتمثل في قناة السويس المرتبطة أهميتها بمضيق باب المندب، وإذا لم تستيقظ الدولة المصرية وتقف الى جانب اليمن وتسارع الى حماية نفسها من مؤامرات المال النفطي الخليجي، فهي حتماً متجهة الى مصير مأساوي خطير مجهول النتائج والأبعاد.
|