محمد علي عناش - استمرت عاصفة الصحراء لأكثر من عقد من الزمن من مطلع تسعينيات القرن الماضي حتى احتلال العراق في عام2003م، ارتكبت خلالها قوات التحالف الدولي أبشع الجرائم والانتهاكات بحق العراق والإنسان العراقي، جسدت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وشركاؤها من عرب الصحراء، ذروة الانحطاط في التدخل في شئون العراق وتدميره واحتلاله وتدمير قدراته العسكرية ونهب ثرواته وتدمير تراثه وسرقة آثاره، ثم زرع الخلافات والصراعات الداخلية على أسس طائفية ومذهبية عبر أدواتها من العملاء والتنظيمات الإرهابية، وأن يبقى الشعب العراقي في حالة من الفوضى، ليكون هناك ذريعة مستمرة لبناء قواعد عسكرية دائمة في العراق، ثم تقسيمه إلى ثلاث دويلات (شيعية في الجنوب- سنية في الوسط- كردية في الشمال)..
المشهد الثاني عاصفة التطرف والإرهاب:- بعد انتهاء الحرب الباردة، هدفت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا إلى الانتقال من المشاركة في إدارة العالم، إلى مرحلة قيادة العالم، وكان استهداف العراق أرضاً وإنساناً وتاريخاً وإبقاؤه في حالة من الفوضى المستمرة لتظل الذرائع تلد الذرائع، هو المدخل لصناعة العالم الجديد بدءاً من الشرق الأوسط الجديد، لكنه ليس العالم القائم على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة الشعوب والسلم الدولي، كما ظلت تبشر به طوال فترة الحرب الباردة، وإنما وظفتها واستخدمتها فيما بعد كوسائل ضغط لقمع الأنظمة وتكييفها، من اجل بناء عالمها الخاص القائم على تحقيق المصالح وتدفق الأموال الخليجية والحفاظ على أمن إسرائيل وبناء القواعد العسكرية. والإرهاب بقدر ماكان أحد أهم المبررات لتحقيق ذلك.
كانت أيضا التنظيمات الإرهابية إحدى الأدوات المستخدمة والموظفة لتنفيذ أهدافها في المنطقة، وبالتالي لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها جادين في محاربة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإنما ظلت العلاقة بينهما بين مد وجزر، متنقلة بين الضربات العسكرية المحدودة وغير المؤثرة إلى التواطؤ والدعم السري والتغاضي عن الدول الداعمة والممولة لهذه التنظيمات الإرهابية والفقاسة الفكرية لأيديولوجيا الإرهاب، وفي مقدمة هذه الدول (السعودية) وفكرها الوهابي المتطرف الذي ظلت تنشره بشكل مكثف في جميع أنحاء العالم طوال أكثر من ثلاثة عقود وأنفقت أموالاً طائلة في سبيل ذلك.. اليوم يشهد العالم عاصفة إرهاب عابر للقارات، لا يستثني أحداً، تفجيرات يومية في بغداد، تفجيرات في صنعاء وعدن، تفجيرات في نيويورك ولندن ومدريد وباريس، في عقر الدول التي ظلت تدَّعي محاربة الإرهاب، بينما هي في الحقيقة تلعب بورقة الإرهاب لتحقيق مصالحها وتوظفها لزعزعة أمن واستقرار المنطقة وتدمير وحدتها الاجتماعية والثقافية وبقائها في حالة من الفوضى.
وأيضاً بث الذعر في العالم مفاده ان السلم العالمي مهدد، وقد اظهرت كثير من المؤشرات عن تورط وكالات الاستخبارات الغربية في كثير من الحوادث الإرهابية، وعن علاقة مشبوهة بينها وبين التنظيمات الإرهابية، بدليل اعتراف وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية (هيلاري كيلنتون) عندما قالت: "نحن من صنعنا داعش"..وبدليل تفجيرات لندن التي حدثت في يومي 7و21/7/2005م في مترو الأنفاق، حينها سارعت الحكومة البريطانية بعد التفجير الأول بدقائق صباح يوم 7/7إلى التصريح بأن "جميع الإضطرابات هي فقط بسبب انقطاع التيار الكهربائي في مترو انفاق لندن"، غير أن انفجار الحافلة الذي وقع بعد ساعة من انفجارات القطارات، كذب وفند هذه المزاعم، ما يشير إلى تعمد إخفاء الحقيقة.. وبحسب محللين ومتابعين وشهود عيان، أن شرطة لندن بعد15دقيقة من انفجارات قطارات الأنفاق، أمرت سائق الحافلة رقم (30) والتي تعمل داخل المدينة بين(هكني) و(أرش) وهي حافلة من ضمن مئات الحافلات التي كانت موجودة هناك صباح ذلك اليوم، بمغادرة طريقها الطبيعي والتوقف في ركن بين (ليون) وساحة (فيستوك) وبعد ساعة من مغادرتها انفجرت القنبلة الرابعة بهذه الحافلة عبر شخص كان يحمل حقيبة ظهر كانت القنبلة موجودة بها،تم التعرف على هوية أربعة من المهاجمين، إلا أن محاضر التحقيقات وكاميرات المراقبة وشهادة شهود عيان، كشفت ان المهاجمين لم يكونوا يعرفون ان بحوزتهم متفجرات في حقائب الظهر.
فيما بعد تم الكشف عن العقل المدبر لتفجيرات 7/7 وهو (هارون رشيد أسوت)وهو من جماعة ابو حمزة المصري، ويعمل كعميل مزدوج لحساب المخابرات البريطانية وأيضاً لحساب تنظيم القاعدة.. وبحسب اعترافات (ديفيد شيلر) ضابط المخابرات البريطانية الذي انشق بعد اطلاعه على الكثير من مخططات المخابرات البريطانية، حيث اعترف بأن جهاز المخابرات البريطانية يمول عدونا (القاعدة) بإذن الحكومة، واعترف بأن هذا الجهاز دفع أموالاً لتنظيم القاعدة لتنفيذ عملية لاغتيال الرئيس الليبي (معمر القذافي).. إن عاصفة الإرهاب التي يشهدها العالم اليوم، ليست وليدة اليوم وإنما متراكمة ونامية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبالتحديد منذ تجنيد الشباب العرب وتفويجهم للجهاد في أفغانستان ضد الاحتلال الروسي، بدعم وتمويل سعودي وتسهيل أمريكي وبريطاني، ثم شهدت فترة التسعينيات انتشاراً ملحوظاً لجماعات وتنظيمات التطرف والعنف الديني، بدءاً من عودة المجاهدين العرب من أفغانستان إلى بلدانهم مؤسسين الجيل الأول لتنظيم القاعدة.
ومن ضمن هؤلاء أسامة بن لادن- الظواهري-الزنداني- أبوحمزة المصري المتورط في تفجيرات لندن، كما عادوا محملين بأفكار وأهداف متطرفة أهمها 1- اسقاط الأنظمة العربية العلمانية2-تطبيق شرع الله وإقامة دولة الخلافة الإسلامية4-القضاء على الأحزاب الاشتراكية والعلمانية5-القضاءعلى المثقفين والمفكرين والفنانين الذين هم من وجهة نظرهم ملاحدة6- محاربة الروافض الشيعة والفرق الأخرى كالإسماعيلية والصوفية... وانضمت إلى هؤلاء العائدين من أفغانستان، الكثير من الجماعات والتنظيمات المتطرفة التي توافقت مع هذه الأهداف، وتحولت من الجانب الدعوي إلى انتهاج العنف في دعوتها تحت ذريعة الجهاد وتطبيق شرع الله، كالسلفية الجهادية في الجزيرة العربية وجبهة الإنقاذ الجزائرية والحركة السلفية في المغرب العربي ،والجماعات التي انبثقت وانشقت من جماعة الإخوان المسلمين، كتنظيم الجهاد-الجماعة الإسلامية- والهجرة والتكفير وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي تأثرت وتلاقحت بالوهابية المتشددة أثناء فترة الهجرة الى السعودية وبقية دول الخليج، وقد ارتكبت الكثير من العمليات الإرهابية والاغتيالات، كالاغتيالات التي طالت المئات من قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني، وكان آخرها اغتيال المناضل جارالله عمر الأمين العام المساعد للحزب، هذه الاغتيالات التي جاءت تنفيذاً للخطة التي أعدها أسامة بن لادن بعد انتهاء مرحلة الجهاد في أفغانستان ،والتي قضت بمحاربة الحزب الاشتراكي والقضاء على وجوده في المحافظات الجنوبية ويبدو انها نجحت في ذلك بالنظر إلى مايحدث اليوم في هذه المحافظات من إرهاب ومن سيطرة وانتشار لهذه التنظيمات الإرهابية، وكذلك الحوادث التي شهدتها مصرفي التسعينيات والتي طالت أقسام الشرطة والكنائس، والحوادث الإرهابية الدامية في الجزائر، والاغتيالات التي طالت الكثير من المفكرين والمثقفين والفنانين، كفرج فودة-حسين مروة-هادي عامل- الغيطاني- نجيب محفوظ- الفنان الجزائري الشاب خالد، ثم العمليات الانتحارية التي طالت مساجد ومواكب الشيعة في العراق..
أمريكا ومن خلفها بريطانيا وغيرها من الدول الغربية، لم تكن بعيدة عن تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب وانتشار التنظيمات التكفيرية والإرهابية، وإنما كانت تدرك وتراقب ذلك، وتقيم علاقات مباشرة وغير مباشرة معها، وتدرك الدور الذي تلعبه السعودية ووهابيتها في دعم وانتشار هذه التنظيمات ،وأيضاً كانت على اطلاع ومعرفة بدور تنظيم الإخوان المسلمين في تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، ومايوفره من غطاء تنظيمي وسياسي ودعوي للكثير من هذه الجماعات، وقد قامت أمريكا بإدراج الكثير من الشخصيات والقيادات الإخوانية، والشركات والمؤسسات التجارية التابعة لها، في الكثير من البلدان العربية، ضمن القائمة السوداء المتعلقة بدعم الإرهاب والارتباط به، تضمنت القائمة الكثير من اليمنيين كالزنداني- علي محسن الأحمر-الحميقاني- الأهدل- المؤيد، ألا ان امريكا لم تتخذ أي إجراء حيال هؤلاء ولا بأرصدتهم المكشوفة في الكثير من البنوك، وفي حادثة سابقة ماتزال يلتف حولها الكثير من الغموض والتساؤلات، وهي حادثة استدراج القيادي في حزب الإصلاح (الحيلة) إلى القاهرة وهناك تم القبض عليه وتسليمه إلى الولايات المتحدة، ومن حينه انقطع ذكره او ما تم معه، والحيلة هذا كان ضابطاً في الجيش اليمني، وكان يعتبر بمثابة الأرشيف المعلوماتي عن المجاهدين اليمنيين في أفغانستان.. وبقدر ما كانت لهذه الجماعات والتنظيمات أهدافها الخاصة والتي ذكرناها سابقاً، كانت أيضاً للولايات المتحدة الأمريكية أهدافها الخاصة من تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، تلاقت عند القضاء على الأحزاب اليسارية والقومية، وأيضاً مجابهة التمدد الإيراني في المنطقة، إلا ان هناك أهدافاً خاصة بأمريكا منها1-زعزعة أمن واستقرار المنطقة وإبقاؤها في حالة فوضى وصراعات داخلية على أسس طائفية ومذهبية2 -استمرار تدفق الأموال والنفط من السعودية مقابل التغاضي عن دورها المادي والفكري في دعم الإرهاب وانتشاره..
مثلت احداث الـ 11من سبتمبر2001م التي ضربت برجي التجارة العالمية في نيويورك، إحدى المحطات الرئيسية في عاصفة الإرهاب التي أخذت تجتاح العالم دون استثناء، وانكشاف الدور السعودي في هذه الحادثة، إلا أنها لم تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لتكون جادة في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، ومعاقبة المتورطين في دعم الإرهاب، وإنما دفعها إلى تعزيز اهدافها وتحقيق مصالحها واستنزاف السعودية كبقرة حلوب مدرة للخزانة الأمريكية في شكل رشاوى ومساعدات وودائع وحماية وعقود تجارية وصفقات أسلحة، كصفقات الأسلحة التي أبرمتها السعودية مع امريكا خلال السنتين من عدوانها على اليمن، واستخدام هذه الأسلحة بما فيها المحرم دولياً.. في ارتكاب أبشع الجرائم والتدمير الهائل بحق اليمن واليمنيين، وكذلك تعزيز التواجد الأمريكي في أكثر من منطقة تحت ذريعة محاربة الإرهاب.. والحقيقة التي لامراء فيها هي ان امريكا طوال ثلاثة عقود لم تحارب الإرهاب ولا التنظيمات المتطرفة والإرهابية،.
وإنما ظلت على علاقة مباشرة وغير مباشرة بهذه التنظيمات الإرهابية، واستخدامها بما فيها الإخوان المسلمون، كأدوات لتحقيق أهدافها ومصالحها وتعزيز تواجدها وبناء قواعدها العسكرية، وأيضاً تفجير عاصفة أخرى كان زمنها عام 2011م عنوانها "عاصفة الربيع العربي" والمبررات والذرائع كانت جاهزة: الحرية- الديمقراطية -حقوق الإنسان!
|