طه العامري - عُرف بالراقص على روؤس الثعابين، واستطاع طيلة 33عاماً إدارة البلاد واخراجها من اتون أزمات واحترابات داخلية بين قبائل شمال الشمال وبين شطري الوطن وكليهما ..لعب مع محاور الشرق والغرب ، تحالف مع الرئيس العراقي الراحل الشهيد صدام حسين وارتبط بعلاقة ودية مع خصم البعث العراقي الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ، جعل اليمن عضواً في مجلس التعاون العربي الذي جمع كلاً من مصر والعراق والأردن واليمن، واحتفظ بعلاقة متميزة مع مجلس التعاون الخليجي.. أرسل ألوية عسكرية إلى العراق لتقاتل الى جانب الجيش العراقي في حربه مع ايران ولم يقطع علاقة اليمن بإيران ولم يخفظ مستوى التمثيل الدبلوماسي ..
كان حليفاً لواشنطن وصديقاً للاتحاد السوفييتي.. ارتبط بعلاقة وشراكة اقتصادية مع دول القرن الافريقي ونسج علاقة متميزة مع الصين ومع دول اوروبا ودول النمور في جنوب شرق آسيا.. سعى لإنجاز الوحدة اليمنية وسيطر على مفاصل السلطة بطريقة مثيرة لكن سرعان ما وقف أمام تحديات جسام أبرزها الغزو العراقي للكويت بعد اقل من اشهر من قيام الجمهورية اليمنية، انقسم ساسة الوطن ونخبه وانقسمت الأمة على اثر ذلك الحدث فوجد علي عبدالله صالح نفسه متهماً خليجياً بمساندة العراق وشكل موقف اليمن في مجلس الأمن الدولي إدانة للسياسة الخارجية للرئيس صالح الذي وجد نفسه يواجه استحقاق الأزمة العراقية _ الكويتية.والخلافات العربية في الداخل اليمني بصورة أزمة تصاعدت بين شركاء تحقيق منجز الوحدة انتهت بحرب صيف 1994م تلك الحرب التي انتصرت فيها الشرعية الدستورية على دعاة الانفصال ولكنه كان الانتصار المجبول بسلسلة من الازمات الداخلية التي غذتها اطراف خليجية تحديداً دون أن تخلو من رعاية بريطانية-أمريكية اتساقاً مع مصالح وحسابات الدولتين..!!
ظلت علاقات الزعيم الخارجية عرضة للشد والجذب خليجياً وقومياً ودولياً.. فيما شراكته مع واشنطن لمكافحة الإرهاب بعد احداث 2001م عرضة أيضاً للتساؤلات والشكوك المتبادلة.. ضغوطات واجهها الرئيس صالح من أطراف إقليمية ودولية كانت دافعاً لتشجيع خصومه السياسيين في الداخل للتمرد عليه والاتساع في خصومته مستغلين إيحاءات الخارج وحساباتهم من رجل لُقّب امريكياً بـ«الثعلب» وسعودياً «بالمراوغ» غير المأمون جوانبه.. كان الاقتصاد هو المدية التي وضعت في خاصرة الرئيس علي عبدالله صالح ونظامه.. وكانت انتخابات العام 2006م هي مفترق الطرق بالنسبة له وبينه وبين محاور إقليمية، دولية.. ومع رحيل حليفه التقليدي ومهندس علاقته بالقطاعات القبلية الشيخ عبدالله الاحمر برزت الخلافات في مفاصل نظامه مما جعله عرضة للاختراق ..غياب الشيخ الأحمر جعل الرئيس صالح يفتقد اهم ركيزة اجتماعية كانت له بمثابة العكاز الذي يستند إليه والحائط الذي يحمي ظهره من غدر اللاعبين في الداخل.. ساءت علاقة صالح مع واشنطن في عهد «بوش الابن» وخاصة في فترة بوش الثانية على خلفية العلاقة الوطيدة التي جمعت الرئيس صالح بنظام الرئيس الشهيد صدام حسين ومواقف صالح ايضاً من القضية الفلسطينية وهو الذي كانت الكثير من طروحاته تحرج بعض الأنظمة العربية الفاعلة والمقربة من واشنطن ..تكالبت على هذا القائد الضغوطات الخارجية اقليمياً ودولياً مع نمو واتساع نطاق معارضيه وخطابهم التأثيري الذي استغلوا فيه الوضع الاقتصادي ورغبة واشنطن في جعل اليمن جزءاً منها اطلق عليه بـ«ثورة الربيع العربي» بعد أن اعتقدت واشنطن أن الرئيس صالح لم يعد هو الحليف الذي يمكن الوثوق به خاصة بعد رفضه التوقيع على منحها قاعدة عسكرية في سقطرى التي جعل منها محمية طبيعية..
كما أن تقرُّب الرئيس صالح من روسيا الاتحادية والصين كل هذه العوامل دفعت واشنطن إلى تحريك حلفائها في الخليج لتبني خصومه ودعمهم تحت شعار «الثورة» وهذا ما حدث في العام 2011م غير أن تهور خصومه بالعداء وتورطهم بجريمة مسجد الرئاسة دفع الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى التدخل المباشر في الشأن اليمني إدراكاً منه لتبعات الأزمة اليمنية وخطورتها على أمن واستقرار السعودية التي كان ملكها اكثر من يدرك خطورة اتساع أزمة اليمن وهو الرأي الذي عارضه الكثيرون في مفاصل نظام آل سعود لكن معارضي الملك عبدالله لم يكن لهم تأثير على قناعاته وخياراته.. غير أن رحيل الملك عبدالله وبالطريقة الدرامية التي رحل بها أعطى الفرصة لخصوم الرئيس صالح داخل مفاصل السلطة في صنعاء والرياض للتحرك والبدء في تنفيذ مؤامرة التخلص منه ومن تأثيره وعلى مختلف المستويات.. وكان انصار الله الذين هرولوا من جبال مران الى حرف سفيان ثم الى عمران حتى وصلوا العاصمة جزءاً من لعبة سعودية _ أمريكية وتنفيذاً لاتفاق مع «هادي» ابرمه خلال زيارته لواشنطن ..وفي هذا يقول ناطق انصار الله عن قصة دخول صنعاء حرفياً «لقد دخلنا صنعاء بالتفاهم مع كل السفارات والبعثات الدبلوماسية وبتوافق مع اطراف خارجية» وكان محمد عبدالسلام يقصد تحديداً سفارتي واشنطن والسعودية.. فيما كان قبله «هادي» قد ذهب الى محافظة عمران عقب سيطرة انصار الله عليها ومقتل القشيبي وقال في خطابه أمام السلطة المحلية في عمران: «لقد عادت عمران اليوم لحضن الدولة»..!!
هناك اعتقاد أن اتفاق السلم والشراكة هو ثمن الصفقة التي ابرمها أنصار الله مع «هادي» للتخلص من المؤتمر وبرعاية داخلية وخارجية غير أن هذا المكر قوبل بمكر ادهى من صالح الذي يجيد ليس فن الرقص على روؤس الثعابين بل وترويضها أيضاً.. إذ استغل هرولة الحوثة مباشرة بعد اتفاق السلم والشراكة فتقدموا وبكثير من «الطيش» إلى اقتحام المعسكرات والمؤسسات والسيطرة عليها وحين وصل انصار الله الى معسكر صباحة عند المدخل الغربي للعاصمة بهدف السيطرة حدثت اشتباكات عنيفة استمرت طيلة الليل بين معسكر اللواء الثالث حرس جمهوري ومسلحين ينتمون لأنصار الله ليضطر السيد عبدالملك الحوثي وفي اليوم التالي الى القاء خطاب يعتذر فيه عما حصل ويؤكد شراكته مع المؤتمر.. كانت تلك الواقعة بداية تحول إذ اتجه انصار الله الى تقييد حركة وانشطة الرئيس هادي ومحاولتهم الاحتفاظ به كواجهة لتمرير القرارات من خلاله اتساقاً مع توجهاتهم غير أن «هادي» اضطر الى تقديم استقالته تحت وقع الضغط عليه من قبل انصار الله ومطالب أسياده في الخارج إضافة إلى عجزه أمام الصخرة الهائلة التي يقف أمامها والتي تحول دون قدرته على تنفيذ المهام المطلوبة منه ولم تكن هذه الصخرة سوى «عفاش».. الذي توغل في مكون انصار الله وايضاً فتح قنوات للتواصل مع المحاور الخارجية وخاصة روسيا والصين وبدأ يستعيد زمام المبادرة والسيطرة والتحكم وكان له ما اراد..
حاول الرئيس صالح في البدء اقناع انصار الله بقبول استقالة هادي ولم يستوعبوا اللعبة بل توهموا أن قبولهم استقالة هادي يعني عودة السلطة إلى عفاش عن طريق مجلس النواب ورئيسه بحسب النص الدستوري لذلك حاولوا ابقاء هادي تحت سيطرتهم في لحظة كانت واشنطن والغرب يبرمون مع ايران الاتفاق النووي وهو الانفاق الذي يعطي ايران مكانة متقدمة وفاعلة داخل الإقليم وعلى الخارطة الدولية وهو ما لم تكن الرياض تريده ولا تقبل به ..على اثر هذه التداعيات الدرامية غادر هادي خلسة العاصمة صنعاء متوجهاً في جنح الليل الى عدن بواسطة عملاء المخابرات الأمريكية والسعودية وبتواطؤ من قيادات كبيرة في جماعة أنصار الله -كما يتردد.. وصل هادي عدن وعلى الفور حرر رسالة لرئيس مجلس النواب يبلغه فيها تراجعه عن استقالته وهذا ما كان مطلوباً سعودياً بعد تأكد الرياض أن تفاهم طهران وواشنطن حقيقي وان واشنطن تخلت عن الرياض في قضية النووي الايراني وفيما يتصل بسوريا.. وكانت الرياض قد أقنعت واشنطن فيما يتصل بسوريا بضرورة أن تشارك واشنطن في الحرب لإسقاط الرئيس بشار الأسد وكذلك بريطانيا واعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما استعداد واشنطن لعملية عسكرية في سوريا ومثله اعلن كاميرون في لندن في المقابل تحركت أساطيل وغواصات روسيا إلى البحر المتوسط وكذلك فعلت الصين وايران واعلنت طهران أن أي هجوم امريكي على سوريا سيواجه بضرب كافة المصالح الغربية في المنطقة وفي المقدمة المصالح البريطانية ..هنا ربما وبإيعاز من واشنطن تحرك السلطان قابوس الى طهران وهناك وجد تصميماً إيرانياً صادقاً ولا تراجع فيه وهو أن أي هجوم على سوريا على غرار ما حدث بالعراق سيواجه بحريق سيلتهم المنطقة فأبلغ السلطان قابوس لندن وواشنطن وأخذ كلام السلطان مأخذ الجد فقرر رئيس الحكومة البريطانية عرض الامر على البرلمان فجاء تصويت البرلمان برفض فكرة المشاركة في الحرب ضد سوريا فأصيب الأمريكيون بخيبة أمل وكذلك السعودية التي قررت وفق كل هذه المعطيات عدم السماح لطهران بتحقيق مكاسب اخرى في المنطقة على حسابها فاستغلت إقدام أنصار الله على توقيع الاتفاق المرتجل مع طهران حول رحلات الطيران لتشن هجومها ضد اليمن في ذات الوقت الذي بارك فيه الغرب هذا الهجوم خشية من إقدام الرياض على القيام به ضد سوريا لان هذا كان يعني تفجير حرب عالمية ثالثة فتركوا اليمن تباد وتقتل على يد السعودية ليحققوا مصالح مركبة منها بيع الأسلحة للسعودية ودول الخليج ومنها اشغال الرياض باليمن وإبعادها عن سوريا لخطورة وحساسية الوضع هناك ..كان الرئيس صالح وفق كل هذا هو الرابح الذي استطاع إعادة ترتيب أوراقه وعلى مختلف الأصعدة والمجالات الداخلية والخارجية السياسية والعسكرية.. كانت الحرب في مساراتها الأولية قد فرضت خياراتها الإجبارية على الجميع ولم ينتظر الجيش قرارات سياسية بل وجه عفاش ومنذ اللحظة الأولى المؤتمر وكل أبناء الشعب الى التصدي للعدوان والاصطفاف في وجهه ومقاومته، وخلال السنة الأولى من العدوان كانت هناك حوارات ولقاءات غير مثمرة بين المؤتمر وأنصار الله الذين ذهبوا بعيداً في تصرفاتهم فلم يجد الزعيم الا أن وجه اتباعه بضبط النفس والتفرغ لمواجهة العدو الى أن برزت قضية حوارات ظهران الجنوب والاتفاقات والتفاهمات بين أنصار الله وآل سعود وهي الاتفاقات التي تخلى عنها آل سعود قبل أن يجف حبرها فاضطر الانصار للعودة إلى كنف الزعيم والتفاهم معه حول توحيد الجهود السياسية والشراكة وهذا ما قادنا الى تشكيل المجلس السياسي بعد اكثر من عام ونصف من بدء العدوان ..
اليوم النظرة لعفاش داخلياً وخارجياً تختلف عما كانت عليه خلال العامين الماضيين فقد أثبت داخلياً أنه لاعب اساسي في إعادة تطبيع العلاقات السياسية وهو جزء من الحل وليس جزءاً من المشكلة، وخارجياً ينظر إليه كرقم صعب في المعادلة السياسية، وفي اي اتفاقيات دولية كانت أو إقليمية سيكون عفاش جزءاً منها وليس خارجها بل إن العدوان أعاد عفاش إلى واجهة الاحداث ولم يعد ذلك «المخلوع» إلا في خطاب الاخوان وأتباعهم لكنه على المستوى الدولي قائد له حظور وتأثير وجمهور وولاء جماهيري وبالتالي يصعب تجاوزه خاصة بعد الصمود الاسطوري الذي اجترحه خلال فترة العدوان على الرغم من أنه تلقى عروضاً مغرية لمغادرة البلاد إلى ملاذات آمنة لكنه رفضها كلها وهذا ما زاد من احترام العالم الخارجي له وزاد من شعبيته في الداخل فليس ثمة وجه للمقارنة بين عفاش الذي صمد ورابط بين ابناء شعبه وواجه العدوان معهم وبين آخرين خانوا البلاد وشاركوا في سفك دماء أبناء الشعب وجلبوا العدوان وقدموا له كل التسهيلات ليضرب شعبهم ويدمر مقدرات وطنهم..
نعم سيبقى الزعيم رقماً صعباً في اي معادلة سياسية قادمة، وهو جزءا من الحل وليس من المشكلة بعد العدوان تحديداً..
|