كتب/سمير النمر - عامان مضيا منذ بدأ العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، ونحن على مشارف العام الثالث من العدوان كان لابد لي من الاحتفال بهذا الصمود الأسطوري لشعبنا وأبطالنا ظللت افكر عن الجمهور الذي يستحق أن نحتفل معه بهذا الصمود والبأس الشديد في وجه ابشع عدوان عرفته اليمن مع أن الشعب اليمني يستحق أن نحتفل معه بهذا الصمود الأسطوري في وجه العدوان
لكن ما أجمل أن يكون الاحتفال مع المجاهدين من أبطال الجيش واللجان الشعبية المرابطين في جبهات العزة والشرف كونهم أبطال هذا النصر والصمود وأنا أفكر تفاجأت باتصال يعرض عليَّ زيارة جبهتي حرض وميدي وكأن القدر استجاب لرغبتي فسعدت كثيراً وتوجهت على الفور بعد الاتصال بزميلي عبدالودود الغيلي مدير عام مكتب وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» والزميل ابراهيم هاشم شرف مراسل قناة اليمن الفضائية اللذين وافقا وسعدا كثيراً بالزيارة وانضم إلينا في الطريق الزميل وليد مطهر مراسل قناة المسيرة .
اكتملت فرحتنا وتوجهنا على الفور إلى مدينة حرض وكأننا ذاهبون إلى مدينة الأحلام وملتقى الأماني وفعلاً نحن ذاهبون إلى مدن الأحلام ومحراب الصمود في حرض وميدي لنحتفل بمرور عامين من الصمود والانتصار في وجه العدوان مع الأبطال الحقيقيين لهذا الصمود وهذا النصر الذي رسمته أناملهم في سِفر التاريخ الخالد وذاكرة الأجيال.. إنهم أبطال الجيش واللجان الشعبية..
كانت أشواقنا تسابق سرعة السيارة رغبة في الوصول إلى هؤلاء الأبطال.. كانت الشمس تنتظر قدومنا فلم تستعجل الغروب حتى وصلنا .
يعم المكان الهدوء والسكينة في مدينة حرض ربما كان خشوع المجاهدين هو الذي اضفى هذه السكينة على هذه المدينة التي كانت مقصدنا الأول ،وصلنا إلى المكان المحدد كانت ابتسامات المجاهدين تعزف نشيد الترحيب بقدومنا ، جلسنا قليلاً نتبادل أطراف الحديث حتى خيم الظلام على المدينة لكن أرواح المجاهدين كانت كفيلة بأن تضيئ لنا المكان وتغمره بالأنس، رغم أزيز الطائرات واصوات المدافع التي لا تتوقف، صلينا المغرب والعشاء وتناولنا طعام العشاء وظللنا نستمع إلى حديث المجاهدين المملوء بالثبات والطمأنينة والحكمة وكأننا نستمع إلى حكماء التاريخ وهو يلقون علينا دروساً في التضحية والثبات والإقدام والقيم الفاضلة والثقة بالله تملأ جوانحهم.. مشهد عجيب وإحساس مفعم بالسعادة والبهجة لا يشعر به إلا من جالس هؤلاء الأبطال وعاش إحساسهم واستبدل كدره بصفوهم ووحشته بالأنس إليهم.
حدثونا عن بعض الشهداء الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والإقدام والتنكيل بالأعداء وعن الألطاف الإلهية التي ترعاهم في كل معركة وكل مترس رغم فارق الإمكانات المادية والآلة العسكرية الحديثة التي يمتلكها العدو، لكنهم لا يخشون ذلك ويؤمنون بأن النصر والصمود ليس في القوة العسكرية وإنما بإيمانهم بالله وعدالة القضية التي يدافعون عنها..
وهذا هو سر الصمود الذي حققوه طوال عامين انكسرت فيهما مئات الزحوفات العسكرية المدججة بالآسلحة الحديثة والمسنودة بالطيران فكانت أوهن من بيت العنكبوت أمام إرادة وصلابة وايمان المجاهدين وثقتهم بالله وموعوده ، ادركت وازددت يقيناً بأن العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقته لن يستطيعوا ان يتقدموا شبراً واحداً في هاتين المدينتين الباسلتين لانهم لا يمتلكون السلاح الذي يمتلكه المجاهدون من أبطال الجيش واللجان الشعبية وهو سلاح الإيمان وعدالة القضية حتى ولو استمر العدوان عشرات السنين.
كان الحديث شيقاً لم نشعر بتسلل ساعات الليل ولم يكسر سكون الليل إلا اصوات القذائف وأزيز الطائرات التي ازعجت أسماعنا ولم تهتز لها قلوبنا.. خلدنا بعد ذلك إلى النوم ولم يوقظنا سوى اصوات التسبيح والاستغفار للمجاهدين التي تتردد في اصداء المكان وآيات القران التي تملأ ارواحنا بالخشوع .
صلينا صلاة الفجر واستغفرنا وانتظرنا ليطل علينا الصباح يزف إلينا ميلاد يوم جديد نلتقي فيه بوجوه جديدة من المجاهدين فكانت وجهتنا مدينة الصمود التي ترسم لوحة الانتصار والثبات بعد عامين من العدوان السعودي..
انطلقنا نحو مدينة ميدي التي كسرت جبروت العدوان ، كان الخراب في كل مكان في ميدي لم يعد هناك بيت أو مدرسة او متجر أو مسجد إلا وطاله الخراب والدمار، والشيء الوحيد الذي لم يطلْه الخراب والدمار هو معنويات أبطال الجيش واللجان الشعبية التي رأيناها ثابتة وراسخة رسوخ جبال اليمن .
التقينا بعدد من المجاهدين وهم في خطوط التماس الأولى والبحر يرقص ويبتهج طرباً ويحتفل مع المجاهدين بصمودهم وانتصارهم الذي صنعوه طوال عامين من العدوان ، كان الطيران محلقاً بشكل متواصل لكن رغبتنا باللقاء جعلتنا نجتاز خطر الطيران ونتحدث معهم وهم في متارسهم ، حدثونا عن الزحوفات العسكرية للمرتزقة خلال الأشهر الماضية ، كشف لي أحد القيادات الميدانية عن بعض الخسائر التي تلقاها المرتزقة ،حيث قال " إن كل الخسائر التي تلقاها المرتزقة لم نعلن عنها وما يتم الإعلان عنه في الإعلام الحربي إلا جزء يسير لاعتبارات أخلاقية .
وقال ان قتلى المرتزقة في أحد الزحوفات بلغ اكثر من 800 قتيل واغلبهم يتم ترك جثثهم في الصحراء، ناهيك عن الجرحى، وتأسَّف كثيراً من المعاملة التي يتعامل بها العدو السعودي مع مرتزقته اليمنيين سواءً بترك جثثهم في الصحراء او عدم المطالبة بالمفقودين والأسرى، ويختلف الأمر عندما يكون الأسرى أو الجثث لسعوديين فإنهم يبذلون جهوداً مضنية في التواصل معنا لتبادل الأسرى والمفقودين.. تفاصيل كثيرة استمعت إليها من بعض القادة الميدانيين عن المعارك التي دارت في ميدي ليس من المناسب الحديث عنها حالياً وسنترك ذلك للتاريخ.
والشيء المهم الذي يستحق الحديث هو المعنويات العالية والروح المتوثبة التي يمتلكها المجاهدون من أبطال الجيش واللجان الشعبية ، فالاستشهاد بالنسبة لهم غاية يحلمون بها، والثبات بالنسبة لهم عقيدة مترسخة في نفوسهم، والنصر هو المقصد الذي لا يقبلون بما دونه، وخوض المعارك يمثل رياضة نفسية وروحية يشعرون فيها بمتعة لا تضاهيها أي متعة.. فما أخسرها من حرب يقودها العدوان السعودي الأمريكي على شعب يمتلك أبطاله ومجاهدوه هذه الثقافة الإيمانية والصمود الأسطوري، لأنه لن ينال منهم إلا الهزيمة والخسران .
في ميدي تفاصيل كثيرة وقصص متعددة من التضحية والصمود والإقدام تعجز عن وصفها اقلام الكتاب وقرائح الشعراء، ستظل ميدي وحرض وبطولاتهما معين لا ينضب تستقي منه الأجيال دروساً في التضحية والإباء تتجسد فيها عظمة شعب وشموخ الإنسان اليمني الذي يسترخص نفسه في الدفاع عن عزة وكرامة الوطن ورفض الذل والانكسار للطغاة والمتجبرين.
وبعد أن انتهينا من لقاء المجاهدين في جبهة ميدي وقلوبنا تملأها الطمأنينة بما لمسناه من معنويات واستعداد عسكري ونفسي لمواجهة العدو .. توجهنا نحو مدينة حرض الرئة الأخرى للصمود والانتصار في موعد مع المرأة السبعينية التي لم تغادر مدينة حرض منذ العدوان والمكناة عند المجاهدين بـ«أم أنعم» .. لتكتمل القصة التي لا تكتمل.. وسأروي لكم تفاصيل ذلك في العدد القادم .
|