موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - 6364 مهاجر أفريقي وصلوا اليمن في شهر - الرئيس/ علي ناصر يعزّي بوفاة النائب البرلماني الدكتور عبدالباري دغيش - تدشين خطة الانتشار الإسعافي على الطرق السريعة - النواب يجدد الثقة بالإجماع لهيئة رئاسته لفترة قادمة - صنعاء: انطلاق حملة للتبرع لمرضى الثلاسيميا - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و799 - مع غزة ولبنان.. مسيرة مليونية بصنعاء -
مقالات
الميثاق نت -

الثلاثاء, 23-مايو-2017
د/عبدالرحمن أحمد ناجي -
وعلى وقع تلك المفاجأة السارة التي فجَّرها الرئيس الصالح بتلك الكلمات في ذلك التاريخ الاستباقي، تراقصت قلوبنا وأفئدتنا وكل جوارحنا وتفاعلت أقدامنا وأيادينا وكل مسامات أبداننا وأرواحنا طرباً وغبطةً وسروراً، وكنت يومها مازلت في الفصل الدراسي الثاني بالمستوي الرابع بكلية التجارة والاقتصاد جامعة صنعاء وعلي وشك التخرج.
وكانت تلك أطول ليلة عشتها في حياتي حتى الآن، مرت تلك الليلة بثوانيها ودقائقها وساعاتها وكأنها سنوات ودهور، لم أنم يومها بانتظار انبلاج صباح اليوم التالي الذي لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه نحن اليمانيين بأيدينا، تململت في فراشي وأنا أتقلب يميناً وشمالاً ثم جالساً ثم قافزاً مهرولاً في محيط غرفتي لعل النوم المجافي لي - ربما للمرة الأولى في حياتي -يتسرب لعيوني إن أنا أوصلت جسدي لحالة الإجهاد والإعياء الشديدين، لكنني لم أفلح وباءت كل محاولاتي بفشل ذريع، ولعلي ليلتها نظرت لساعتي عدداً لا يُحصى من المرات، وأنا كمن أصابه المس أحدثها وأناجيها بل وأتوسل إلى عقاربها فأحثها كي تتحرك بسرعة أكبر، كانت تجتاحني حالة غامرة من السعادة والترقب لا توصف شوقاً لبزوغ شمس ذلك اليوم المجيد الذي سيظل خالداً مخلداً للأبد.
وأخيراً بزغت أشعة ذلك اليوم وأنا أشعر أن روحي تكاد أن تزهق وترتفع لبارئها، لأبدأ معاناة ترقب جديدة، تسمرت فيها مقرفصاً أمام شاشة التلفزيون الرسمي منتظراً اللحظة التي سيطل فيها المذيع ليعلن اعتذاره للمشاهدين عن قطع برامج القناة الاعتيادية والانتقال لبث حي ومباشر من مدينة (عدن) لتغطية وقائع رفع العلم الوطني في ساحة قصر المعاشيق الرئاسي إيذاناً بميلاد الجمهورية اليمنية، ومازال إحساسي حتى تلك اللحظة منعدماً تماماً بالرغبة بالنوم، وليس هناك أي بوادر للنعاس على الإطلاق، يا الله كم يستطيع الإنسان الضغط على جهازه العصبي حينما يكون في مثل حالتي، منتظراً تحقق حدث تاريخي سيهز كل أرجاء الكون، وسيجعل عنقي وعنق كل عشاق هذا الوطن الأغلى من أرواحنا تطاول عنان السماء عزة وشموخاً وكبرياء، حدث هو بمثابة رد اعتبار لــ(اليمن) العظيم، الذي صار مثيراً للسخرية والتندر والفكاهة وهو على حالة الانشطار لدولتين، يا الله كم شعرت آنذاك وفي تلك اللحظات بمشاعر متناقضة، فكم كنا متقزمين وحقراء أذلاء في نظر كل شعوب الكون، ونحن دولتان تحملان رسمياً اسم (اليمن) العظيم، لكن بنظامين سياسيين متباينين جذرياً فكرياً وعقائدياً، وكلا النظامين يدَّعي أنه على حق وأن النظام الآخر على باطل.
يا الله ما أكرمك وما أعظمك وما أجل شأنك، أخيراً سينتهي كابوس التشطير للأبد وسيعود (اليمن) العظيم ملتئماً واحداً موحداً، أخيراً سيأذن الله بتحقق حلم أحلامنا وأجلّ غاياتنا ومقاصدنا، وحانت اللحظة المنتظرة وانتقل التلفزيون الرسمي الحكومي لنقل وقائع ما سيخطه اليمانيون بأناملهم في هذا اليوم المشهود وسيستعيدون به لهم ولأبنائهم وأحفادهم وكل ذرياتهم من بعدهم المجد اليماني التليد، واصطف الحاضرون من أعضاء مجلسي الشورى والشعب وأعضاء حكومتي الشطرين وبوجود لافت للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ساحة القصر الرئاسي مع اقتراب ظهر ذلك اليوم الأغر.
خرج الرئيس الصالح من القصر الرئاسي كما لو كان فارساً ممتطياً صهوة جواده، وإلى جواره أمين عام الحزب الاشتراكي آنذاك علي سالم البيض المسمى للتو نائباً للرئيس، وإلى جوارهما رئيس مجلس الشعب الأعلى حيدر أبو بكر العطاس والكاميرات تتبع خطواتهم حتى وصلوا إلى منتصف المكان حيث توجد سارية العلم، حينئذ بدأت مراسيم الميلاد، حيث قام أحد الجنود بإنزال العلم الجنوبي وطيه، وتسليم علم الجمهورية اليمنية للرئيس الصالح الذي احتضن ذلك العلم بكفيه واقترب به من وجهه ليقبّله ويغطي به كل تفاصيل وجهه وكأنه يستنشق متلذذاً عبق وشذى (اليمن) العظيم في تلك اللحظات المهيبة، ثم رفع العلم عالياً فوق رأسه وشرع برفعه بيديه في سارية العلم بمنتهي الهدوء، وأعين معظم الحاضرين في المكان مغرورقة بالدموع، وكان ذلك يقيناً هو حال كافة اليمانيين المشاهدين والمتابعين لتلك الوقائع التاريخية عبر شاشات التلفزيون المحلية والإقليمية والعالمية داخل الوطن وخارجه.
وفي نفس تلك اللحظات المزلزلة، وتزامناً مع ارتفاع راية العلم الموحد رسمياً في تلك الساحة، كانت كل الأعلام الشطرية تنتزع من كل الهيئات والمنظمات والمرافق الحكومية، وتستبدل بأعلام الدولة الوليدة التي ارتفعت ورفرفت خفاقة في عنان سماوات كل أرجاء الوطن، وحيثما تواجد أي مواطن يمني في كل أصقاع كوكب الأرض وبالأخص في السفارات والبعثات الدبلوماسية اليمنية خارج الوطن، وتعانقت أجساد اليمانيين بمنتهى المحبة والمودة، وعلت أصوات الابتهاج بالزغاريد والأهازيج والرقصات الوطنية في البيوت والساحات والميادين، وبدأ الرئيس الجديد يلقي كلمته ثم نائب الرئيس ثم أعطيت الكلمة للزعيم الفلسطيني الذي صرخ مبتهجاً ما أن وصل بجسده إلى أمام الميكرفون بأنها ليست وحدة أبداً، ليست وحدة، بل هي استعادة اللحمة اليمانية، وكان من قبل يردد دائماً بأن فلسطين هي الشطر الثالث لليمن المجزأ.
هل لك أيها القارئ الكريم أن تتخيل وتستشعر معي نبضات قلبي وكل كياني كما رويتها لك ووضعتك فيها في سطوري السابقات، لعلك تعيشها معي وتتذكر أدق تفاصيلها مجدداً لحظة بلحظة إن كنت ممن أنعم الله عليهم بوجودك شاهد عيان عليها، فيرتجف قلبك تلقائياً ولا شعورياً وتشعر بالقشعريرة وأنت تستحضر كل ما تتذكره عن حالك وحال كل من كان حولك خلال ذلك اليوم العظيم؟!، أما إن كنت ممن أذن الله لهم بالوجود بعد ذلك التاريخ، فإنني أسأل الله أن أكون قد نجحت بكرمه وعونه وتوفيقه من خلال كلماتي السابقات في وضعك في صورة ما كان عليه حالي وحال الملايين مثلي من اليمانيين في ذلك اليوم المجيد، لعلك تدرك مدى حماقة وغباء تلك المسوخ الآدمية التي تسعى اليوم بأقصى ما وهبها الله من قوة لفصم عُرى وحدة الثاني والعشرين من مايو المجيد وتمزيقها، مدَّعين أن ما يقومون به يعتبر عملاً وطنياً ممجداً يستحقون نظير قيامهم به الحصول على آيات الثناء والتبجيل وتزيين هاماتهم بأكاليل الغار وأطواق الفل والياسمين والكاذي، في حين أنهم دونما حياء أو خجل إنما يتجردون من كل ما يستر عوراتهم، لأنهم وبمنتهى البساطة لم يستكشفوا ولم يتذوقوا بأنفسهم مرارات ومكابدات التجزئة والتشطير.
واليوم وبالرغم من كل ما يجري في المحافظات الجنوبية مما يدمي قلوبنا، إلاّ أنه لاينتابني أي قلق ولا بما نسبته 1%، كما لا يخالجني أدنى شك في أن العناية الإلهية كانت ومازالت وستظل محيطة بالأرق قلوباً والألين أفئدة، والشواهد الحية على ذلك كثيرة، فرغم كل الابتلاءات والمنغصات التي لا يطيقها بشر، والتي نعيش في ظلها نحن اليمانيين، إلا أننا بفضل الله صامدون وعصيون على التركيع والانكسار ونحن نقترب من حاجز الثمانمائة يوم من تداعي الأمم وتكالبها علينا، وبالأمس القريب تجلت عناية الله بنا بالتعجيل بإعلان يوم ميلاد الجمهورية اليمنية ليرى وطننا النور مجدداً في الثاني والعشرين من مايو المجيد، بدلاً مما كان مخططاً له ومتفقاً عليه رسمياً بإعلانها في الثلاثين من نوفمبر من نفس العام.
ومازلت عند قناعتي الراسخة بأنه لو لم يتم إعلان الوحدة في ذلك التاريخ، لكان في حكم المستحيل إعلانها في أي تاريخ لاحق وربما للأبد، وكان يكفينا فقط أن تأتي محنة احتلال العراق للكويت في الثاني من أغسطس من نفس العام لتجهض وتعصف بأي أمل بتحقيق حلم الوحدة وفق ما كان مخططاً له، لأن ذلك الحدث الذي مازال يلقي بظلاله حتى الآن، ومازلنا نتجرع مرارته وآثاره حتى اللحظة كان كفيلاً بأن يتخذ كل شطر موقفاً سياسياً مغايراً بل ومتناقضاً مع الموقف السياسي للشطر الآخر، لنعود مجدداً لدوامة التناحر والاقتتال، لكنه لطف الله بهذا الشعب الذي سبَّب الأسباب وألهم الفاعلين السياسيين بالتعجيل بإعلان ميلاد الجمهورية اليمنية قبل ذلك الحدث الذي كان في علم الغيب آنذاك، ورأينا كيف أن الموقف السياسي الموحد للدولة الوليدة المعبر عن الإرادة الجماهيرية العارمة تجاهه تم تحريفه وتأويله ليجعل الشعب اليمني بأسره تحت وطأة دائرة الانتقام، بسبب القاعدة الغبية التي اعتمدها الجيران آنذاك ومفادها : أن كل من ليس معي فهو بالضرورة ضدي.
ألا تتفقون معي بعد كل ما تقدم أن رحمة الله بنا عظيمة ولا حدود لها؟، فبالرغم مما نحن فيه من بلاء عظيم هو فقط - في تقديري - لتطهيرنا وتزكيتنا وتنقية قلوبنا وأرواحنا وأبداننا، وأن يد الله مازالت فوق أيدينا، وأننا بكرمه تعالى أصبحنا أقرب ما نكون لزوال هذه الغمة وتفريج الكُرُبات، طالما استفدنا وتعلمنا واستلهمنا الدروس والعبرات والعظات.. وليس ذلك على الله بعسير.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
في زيارتي للوطن.. انطباعات عن صمود واصطفاف ملحمي
اياد فاضل*

هم ونحن ..!!
د. عبد الوهاب الروحاني

اليمن يُغيّر مفهوم القوة
أحمد الزبيري

مسلمون قبل نزول القرآن الكريم.. فقه أهل اليمن القديم
الباحث/ عبدالله محسن

الأقلام الحُرة تنقل أوجاع الناس
عبدالسلام الدباء *

30 نوفمبر عيد الاستقلال المجيد: معنى ومفهوم الاستقلال الحقيقي
عبدالله صالح الحاج

دماء العرب.. وديمقراطية الغرب؟!
طه العامري

ترامب – نتنياهو ما المتوقَّع من هذه العلاقة؟!
ليلى نقولا*

أين هو الغرب من الأطفال الفلسطينيين السجناء وهو يتشدَّق دوماً بحقّ الطفل؟
بثينة شعبان*

صراع النملة مع الإنسان ولا توجد فرص أخرى للانتصار!!
د. أيوب الحمادي

دغيش.. البرلماني الذي انتصر للوحدة حتى المَنِـيـَّة
خالد قيرمان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)