محمد أنعم -
من الصعب ان يتحول القادة الى رموز وطنية في تاريخ شعوبهم.. فهذا المجد والشرف لا يناله إلاّ القلة ولا يبلغه إلاّ القادة الكبار الذين يصنعون تحولات عظيمة تظل خالدة على مدى الحياة في مسار حركة تطور الشعوب والدول.
إن الشعب اليمني اليوم يفخر بالزعيم علي عبدالله صالح كرمز وطني دون منافس وستظل سيرته الوطنية ومنجزاته التاريخية وانتصاراته الوطنية خالدة في وجدان أجيال اليمن، مثلما يفخر الشعب المصري بالزعيم جمال عبدالناصر، والفلسطينيون بالمناضل ياسر عرفات، والأفارقة بالمناضل نيلسون مانديلا، والهند بالثائر الزاهد المهاتما غاندي، والروس بالقائد البروليتاري لينين، والصينيون بماوتسي تونغ، والفرنسيون بنابليون، والأمريكيون بجورج واشنطن، والجزائريون بالمجاهد هواري بومدين، وشعوب أمريكا اللاتينية بفيدل كاسترو وتشي جيفارا.. الخ.
وبكل اعتزاز يفخر ابناء الشعب اليمني بالزعيم علي عبدالله صالح الذي أصبح يمثل بطلاً اسطورياً ومصدر اعتزاز للشعب اليمني والعربي وشعوب العالم أيضاً لأنه قاد بنجاح أعظم ثورة في حياة الشعب اليمني وحقق تحولات وطنية كانت تبدو أشبه بالمستحيلة خلال فترة حكمه التي استمرت ثلاثة عقود.. ومنذ أن غادر الرئاسة سلمياً في 2012م ظل الزعيم ومايزال الى اليوم حاضراً بشكل طاغٍ في قلوب اليمنيين والعرب والشعوب الحرة ولاعباً رئيساً في توجيه مجريات الأحداث والكاسر لهيجان العواصف والقادر على وضع نهايات للمشهد القاتم محلياً وإقليمياً.
يكفي الزعيم فخراً أنه أخمد فوضى الربيع التي أطاحت بالعديد من الأنظمة، وبنى جيشاً وطنياً سحق جيوش 17 دولة مع أشهر عصابات المرتزقة عالمياً..
إن التفاف الملايين من ابناء الشعب اليمني حول رئيس المؤتمر الشعبي العام رئيس الجمهورية الأسبق ومنحه صفة الزعامة الوطنية ليس طمعاً في المال ولا المناصب ولا الجاه ولا غير ذلك، وإنما لأنه يمثل رمزاً للصمود الوطني المتصدي للعدوان الخارجي الذي تقود السعودية على اليمن منذ مارس 2015م وفي هذا تأكيد على عظمة المكانة التي يحتلها هذا القائد الوطني الفذ في وجدان شعبه الذي يقف على أهبة الاستعداد لخوض البحر تنفيذاً لأوامره، مؤمناً بصوابية سياسته وبحكمته وبعبقريته كقائد وطني خبره الشعب وفياً ومخلصاً وصادقاً في مختلف المراحل والظروف.
ها هو الشعب اليمني الذي يتضور جوعاً وآلاماً وجروحه تنزف دماً يواجه عدواناً همجياً تقوده دول نفطية تنفق مليارات الدولارات شهرياً للعام الثالث بهدف هزيمة الشعب ورمزه الوطني صالح ولم تستطع بمغرياتها أن تخترق صلابة ذلك الحب المقدس الذي يربط الزعيم بشعبه فلجأ المعتدون لاستخدام أساليب التجويع وقطع المرتبات وتشديد الحصار ومنع دخول السلع والأدوية ورفع اسعارها وغيرها من الأساليب القذرة بما في ذلك منع السفر وإغلاق المطارات لضرب ذلك الالتفاف الجماهيري العظيم واختراق الصمود الوطني الاسطوري الذي يقوده الزعيم لمواجهة العدوان والحصار..
إن من معجزات هذا القائد الوطني قدرته على صناعة أحداث تاريخية مشرفة وقيادة معارك تمثل مصدر فخر وعزة للشعب اليمني يذود فيها عن كرامة وحرية شعبه واستقلال وطنه ويُعد خوضها شرفاً عظيماً وبطولة لا نظير لها.
وتتجلى شجاعة هذا القائد الوطني الرمز في وقوفه كالأسد وسط الأنقاض والدمار مرفوع الهامة مدافعاً عن الثوابت الوطنية للشعب اليمني وفي المقدمة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية وسيادة واستقلال اليمن وتحرير القرار الوطني من التبعية والوصاية الخارجية، رافضاً كل الضغوطات والمغريات.
إننا حقاً أمام زعيم تاريخي وقائد وطني اسطوري، فرغم أنه لا يمتلك سلطة.. ولا مالاً.. ولا مناصب، إلا يمتلك قوة خارقة أقوى من الصواريخ واشد من أسلحة العدوان وبريق المال المدنس.. قوة تجذب الملايين وتجعلهم يتدافعون لحسم المعركة الوطنية التي يخوضها اليمنيون خلف زعيمهم الرمز علي عبدالله صالح.
لقد ظل التاريخ اليمني يفتقد للقائد الوطني الرمز، منذ شغل هذه المكانة سيف بن ذي يزن وبرغم مرور قرون من الزمن وبروز قادة وطنيين لعبوا أدواراً تاريخية مهمة في تاريخنا الوطني إلاّ أن الأحداث كانت أقل من أن تؤهل أولئك القادة الى أن يصبحوا رموزاً وطنية لدى جماهير الشعب لأسباب منها أن انتصارات تلك القيادات الوطنية والتحولات التي قادوها لم تؤهلهم للارتقاء الى هذا المجد ولو كالذي بلغته السيدة أروى بنت أحمد الصليحي أو الملك المظفر وغيرهما.
ولم ينل شرف ذلك المجد مثلاً الإمام يحيى حميد الدين والذي قاد ثورة لطرد الأتراك لأن مشروعه كان صغيراً ولا يؤهله ليصبح رمزاً وطنياً فقد انحصر همه على حكم جزء من الوطن وترك جزءاً آخر تحت قبضة الاستعمار.
ونجد في ذات الوقت أن من قادوا الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م وفي مقدمتهم عبدالله السلال وقحطان الشعبي والقاضي عبدالرحمن الإرياني ثم سالمين والحمدي وعبدالفتاح اسماعيل والغشمي وعلي ناصر وغيرهم من المناضلين الأحرار الذين قادوا أعظم ثورة في تاريخ اليمن إلاّ أن ذلك المنجز الكبير كان ناقصاً وظل أولئك القادة يناضلون لتحقيق أهداف الثورة اليمنية ويتطلعون لبروز قائد وطني فذ قادر على تحقيق المشروع الوطني على امتداد الساحة اليمنية.
يدرك الجميع أنه عند انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية في 17 يوليو عام 1978م كان اليمانيون يعانون من اليأس والإحباط والانكسارات والهزائم المتواصلة في وسط ساحة مشتعلة بالصراعات السياسية العبثية.. كانت اجيال اليمن تحترق بنيران الكراهية والتكفير والعصبيات المناطقية والمذهبية والحزبية وغيرها.. ولم يكن ثمة أمل يلوح في الأفق للخروج من ذلك النفق المظلم.
فبرز الى الساحة اليمنية الزعيم علي عبدالله صالح كقائد وطني لكل ابناء الشعب.. هكذا فعلها منذ البداية مؤمناً أن اليمن تحتاج الى قائد أكبر من الأحزاب والقبيلة والمنطقة ومن أجل ذلك حمل كفنه وتقدم الصفوف لتحمل هذه المسئولية كقائد استثنائي في تاريخنا- رغم أن سياسيين غربيين أكدوا أنه لن يستمر في الحكم شهراً واحداً- إلاّ أن تلك التوقعات خابت فقد أعاد الزعيم الآمال لشعب كاد يلفظ انفاسه الأخيرة وانطلق لقيادة ثورة بيضاء تعد بمثابة المعجزة استطاع من خلالها لم شمل اليمنيين واخراجهم من متاريس الاقتتال الى ساحات الحوار والتسامح والتصالح، وأطفأ بسرعة مذهلة نيران الاحقاد والكراهية ونزعات الثأر والانتقام ليس على مستوى الشطر الشمالي آنذاك بل على مستوى الشطرين وتزامن ذلك مع تبني استراتيجية سياسية استهدفت الارتقاء بحياة الإنسان اليمني في الريف والحضر تواكبها قيادة تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية وتعليمية هيأت المناخات المواتية للحدث التاريخي الأبرز المتمثل بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.