*بقلم الدكتور قاسم لبوزة - لقد مثل يوم السابع عشر من يوليو 1978م عنوان مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر ونقطة انطلاق نحو بناء مؤسسات حقيقية للدولة والمجتمع اليمني رغم الأحداث والمخاطر التي صاحبت ذلك اليوم..
انها حقبة تولى فيها الزعيم علي عبدالله صالح الرئيس الاسبق مسؤولية قيادة الوطن، وعاصر فيها ظروفا صعبة رافقت تجربته في قيادة العمل الوطني وسط أمواج متلاطمة من التحولات والمخاضات، رغم ذلك تحققت فيها إنجازات ومكاسب وطنية واسعة وعميقة في مختلف مجالات الحياة.
وبالمنطق البسيط يدرك كل ابناء اليمن شمالا وجنوبا حجم تلك التحولات والمنعطفات السياسية والتنموية ويدرك ذلك ايضا المنصفين من المؤرخين والباحثين حتى دون الكتابة مجددا عن تلك التحولات والانجازات لان عقد مقارنة بسيطةبين واقع اليمن بشطريه قبل وبعد يوم السابع عشر من يوليو 1978م كفيل بكتابة سطور الانجاز اليمني الحضاري في قلب الاعمال العظيمة والخالدة ..
ودون مواربة نقول إن تلك المرحلة المفصلية الممتدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، أصبحت ملكاً للوطن لا لعلي عبدالله صالح، وأن الاحتفاء بما تحقق فيها والدفاع عن إنجازاتها وتحولاتها هو دفاع عن اليمن وحقه الاصيل في التطور والنهضة ومواصلة السير قدما في رحاب المستقبل والعيش في صلب وقلب العصر بافقه النابض بروح التجديد والنماء وبعيداً عن محبطات الماضي البغيض ..والمتربصين باليمن ووحدته الحالمين بتفتيته واضعافه واستلاب خيراته وقراره الحر.
ولا نجانب الصواب حين نقول إن الزعيم علي عبدالله صالح الذي جاء من صميم الجماهير وآمالها وآلامها وطموحاتها استوعب منذ الوهلة الاولى لتوليه السلطة حجم التحولات التي شهدها اليمن بشطريه خلال العقود الثلاثة الاخيرة من القرن المنصرم على الصعيد السياسي وهذه علامة ميزت هذه الشخصية الفذة لانها عكست مدى ارتباطه بالمشروع الوطني التاريخي للثورة اليمنية (26سبتمبر- 14 أكتوبر) والايمان العميق بمبادئها واهدافها العظيمة التي ناضلت من أجلها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة, وحملت مشاعلها مدينة صنعاء ومدينة عدن الباسلتان في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، في حالة استثنائية من توحد نضال القوى الوطنية بمختلف مشاربها لتنتظم في مجرى الكفاح الوطني ضد تسلط الكهنوت الديني في الشمال والاستعمار الانجلو سلاطيني في الجنوب في اعظم ثورة ملحمية استعادت قيم الحرية والاستقلال والمصير الواحد للامة اليمنية وصولاً إلى تحقيق الوحدة اليمنية في 22 من مايو 1990م وتحريك عجلة التقدم نحو آفاق التنمية الشاملة والنهضة العصرية.
ومن هنا نستطيع القول ان الانجازات والمكاسب الوطنية التي تحققت في فترة تولي الزعيم علي عبدالله صالح قيادة السفينة اليمنية وفي طليعة تلك الانجازات الوحدة اليمنية المباركة ستظل جزءاً لا يتجزأ من مسيرة المشروع الوطني التاريخي للثورة اليمنية وحركتها الوطنية المعاصرة بكل تحولاتها ومحطاتها لانها مشاريع كبرى وحتى بما رافقها من اخطاء واختلالات ..
والتي كان معها الرئيس صالح يعمل بكل اخلاص وتفانٍ من اجل حماية تلك الاستحقاقات واستحداث اساليب وطرائق متجددة لمعالجة الصعوبات والبناء على ما تحقق من تراكم ايجابي من خلال تمسكه بمبادئ الحوار والتسامح والتصالح والقبول بالاخر على قاعدة الشراكة الوطنية والانفتاح باتجاه تنشيط التعددية السياسية والحريات والحقوق المدنية وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الحكم، واختيار الحكام عبر انتخابات حرة وديمقراطية, وتجسيد المبدأ القاضي بأن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها كأساس لبناء دولة مدنية حديثة لا مكان فيها للاستبداد والتسلط والتمييز.
لقد جاء علي عبدالله صالح، حاملاً هم جيله ومعاناة كل اليمنيين التواقين للحرية والانعتاق من الاستبداد والقهر الذي مارسته دولة الكهنوت والاستعمار البغيض.. حاملا منهجاً وطنياً شاملاً اكثر وعيا بتفاصيل التناقضات السياسية والاجتماعية المضطربة في تلك الحقبة..
فاستهدف في نهجه السياسي للعهد الجديد الميمون، حقن الوعي الجمعي بدفقات من ضوء الحرية، ليضع من خلال مشروعه المعلن في بيانه يوم 17 يوليو 1978م الجميع على المحك.. اعتمد الحوار والتسامح والتصالح، عناوين لمنهجية ادائه السياسي الناضج.. وبعقليته المتسامحه ومروءته أعفى عن مدبري انقلاب اكتوبر 1978م.. ومد يد التسامح لمرتكبي الاعمال التخريبية في المناطق الوسطى واشركهم في مواقع المسؤولية والعمل.. غير أن هذه القيم النبيلة غابت عن عقليات الذين قادتهم ظنونهم الشيطانية الى اقتراف مؤامرة الانفصال، ولم تسعفهم لفهم كينونة الرجل.. فاقترفوا ذلك الفعل الشنيع وفشلوا وانهزموا.. ومع ذلك احاطتهم مكارم عهد الاخلاق والتسامح واصدر فخامته عفوه العام بحقهم وهم المتورطون في حرب صيف 1994م.
(3)
ان وطنية الرئيس علي عبدالله صالح وتسامحه ومنهجه الحواري، كان رافعة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهده اليمن، والذي احتشدت حوله كثير من القوى السياسية المعارضة في الشمال (سابقاً) وتداعت للانخراط في الحوار السياسي الذي دعا اليه الرئيس وتمخض عنه المؤتمر الشعبي العام، واعقبه اسهامهم الفاعل في مفاصل مؤسسات الدولة والمجتمع على قاعدة الشراكة المسئولة وانطلاقا من فلسفة الرئيس بمنظومة الديمقراطية والحوار وحرية الفكر والرأي، وضمان المساواة وحقوق الانسان وتوسيع المشاركة الشعبية، بتدرج مدروس يمنع التعصب والتطرف ويعزز تخصيب التنوع والانتماء لمفهوم الوطن بعيدا عن الصراعات والصدامات الدموية التي تعيق المشروع الوطني وتدمر كل شيء كما هو حاصل اليوم.
ومن جديد نلاحظ حتى والزعيم علي عبدالله صالح خارج مشهد الحكم بعد احداث الربيع العبري المدبرة من قوى الشر لتفتيت المنطقة والسيطرة عليها ظل مدافعا عن تلك المكتسبات التي تحققت وبقى في قلب مواجهة هذه المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية التي تجسدت في عدوان كوني من 17 دولة بقيادة السعودية تقوده بالوكالة لجهة خدمة الاجندة الامريكية الصهيونية في المنطقة ..متناسية عمقها العربي والاسلامي وانتماءها لهذا المشترك الذي رمته خلف ظهرها ومارست التوحش بشتى صنوفه بحق شعبنا في عدوان غادر جبان ..دخل عامه الثالث.. ومع ذلك ورغم هذا التكالب على شعبنا ظل الزعيم علي عبدالله صالح ممسكا بجمر وطنيته والمشروع الوطني التحرري الرافض للتبعية عاملا كل ما في وسعه من اجل تفويت الفرص على تجار الحروب،وجلاوزة الارهاب وداعميه وفقهاء الحروب الطائفية المتعطشين لمشاهد الدماء, الذين ما فتئوا يستدرجون البلد الى مستنقع الصراعات والاقامة الدائمة في الماضي, والتحريض ضد الآخر المغاير، وتسويق ثقافة الكراهية المناطقية والمذهبية المسعورة.
(4)
واستناداً الى ماسبق نستطيع القول إن مصدر حيوية وفاعلية الدور القيادي للرئيس علي عبدالله صالح سواء وهو على رأس منظومة الحكم او خارجها ظل يكمن في حرصه على عدم الخضوع للضغوط والتحديات والرياح التي تراهن على إمكانية دفعه نحو فك ارتباطه بالمشروع الوطني الديمقراطي للثورة اليمنية والوحدة وظل صلبا في مواجهة كافة المؤامرات الرجعية والمشاريع الصغيرة التي استهدفت -ولا زالت تستهدف- القضاء على هذا المشروع التاريخي الذي عمده شعبنا ومازال بدمائه وتضحياته الجسيمة، والعودة بالوطن إلى عهود ما قبل الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية.
وها نحن امام حقيقة لايمكن القفز عليها أو تجاوزها ..حقيقة ان الزعيم علي عبدالله صالح باق على العهد مدافعا عن الثورة والجمهورية والوحدة منذ17 يوليو 1978م وحتى 2017م كما عهدناه مناضلا صلبا لاتفت في عضده المحن والضغوط التي تحاول إبعاده عن معركة استعادة السيادة والاستقلال والدفاع عن مكتسبات الوطن وصون حقوق ابنائه وكرامتهم.
*نائب رئيس المجلس السياسي الاعلى
|