عبدالرحمن مراد - منذ بدأت الأحداث تتوالى على اليمن مع انبلاج شمس الربيع العربي المحرقة مطلع عام 2011م، والمؤتمر يتعرض لحركة استهداف وكلما زادت عاد أكثر حضوراً ونضجاً، وها هو اليوم يعلن عن نفسه كقوة ذات حضور جماهيري غير مسبوقة وهو يتفرد من بين كل الأحزاب التي نالها غضب الجماهير في مناخات الربيع العربي بهذا الحضور الكبير الذي أدهش كل المتابعين لمجريات الحدث المؤتمري يوم الخميس 24 أغسطس.
لقد كان يوم 24 أغسطس 2017م يوماً فارقاً في حياة اليمن وفي مجرى الأحداث وفي التاريخ المعاصر لليمن لما حمله مضمون الحدث من علامات تحول تباعها كل الذين يتفاعلون مع حركة الفعل اليومي السياسي والعسكري، ووقف الاعلام الإقليمي والعالمي أمام هذا الحدث بقدرٍ من الخشوع والتحليل وأفردت بعض القنوات مساحات واسعة من فقرات بثها لمناقشة حركة التحولات التي تحدث تحت سماء اليمن الجديد الذي أعلن عن وجوده ميدان السبعين يوم 24 أغسطس.
لقد أعلن المؤتمر الشعبي عن زمن جديد ويفترض أن يواكب حركة التحولات اشتغالاً تحديثياً في البناءات العامة الهيكلية والفكرية والثقافية واشتغالاً متجدداً في التفاعل مع حركة الزمن الجديد وتموجه فالجماهير التي حضرت ميدان السبعين قد اثقلت كاهل المؤتمر بحجم تطلعاتها وآمالها ولابد من النهوض والتشمير عن السواعد لزراعة بسمة الأمل على شفاه تلك الحناجر التي هتفت لليمن وللمؤتمر في ميدان السبعين.
فالقضية الوطنية لا يمكن أن تكو رموزاً واشارات يبعثها التظاهر والكلمات التي تقال لكنها اشتغال دائم، وعلينا إدراك حقائق التغير والتبدل في المسارات، لأن ابعاد الحدث قد كتبت واقعاً جديداً في سماء اليمن، ولعل الذي تابع القنوات الاقليمية والعربية أدرك نسبة التبدل في التصورات والقناعات وأدرك أن المسئولية الوطنية قد تجاوزت مرحلة الكسل والركون وأصبحت حركة ديناميكية ينبغي الاخلاص لها حتى نتمكن من الخروج من شرنقة الواقع وتداعياتها التي كانت الاخطاء السياسية سبباً فيها.
وكان لغياب المؤتمر من مجرى تفاعلاته أثر في الوقوع فيها، ولذلك يؤكد أن كلمة الأمين العام للمؤتمر، عارف عوض الزوكا كانت بمثابة برنامج عمل مرحلي في شقه السياسي ويفترض أن يواكب اشتغالاً مماثلاً في الجانب التنظيمي وسد الثغرات التي ظهرت في مسار الحدث للمهرجان، ولعلنا قد كتبنا كثيراً أن دائرة الفن ودائرة الدين من دوائر التكامل في البناء العام وكان غيابهما في سياق المهرجان واضحاً وجلياً وأظهر تفوقاً كبيراً لأحزاب وجماعات ناشئة، ومن المعيب في حق المؤتمر أن يستمر غياب الدائرتين دون إيلائهما الاهتمام اللازم، فالسلطة التي كانت تسدّ ثغرتهما في الماضي لم تعد قائمة اليوم ولا نريدها أن تقوم بذات الدور في المؤتمر، كما أن حجم التبدلات والتغيرات أصبح كبيراً ولا يمكن أن تكون السلطة بذات المفاهيم التي كانت عليها في الماضي القريب، ومن هنا يصبح الاهتمام بالتأهيل والتدريب وتجاوز اخطاء الماضي من المحسوبيات والتعطيل للمسار التنظيمي من ضرورات المرحلة، لأن الوصول الى القمة سهل وقد حملتنا إليها أعناق الجماهير التي تشرئب أعناقها الى غدٍ أرغد وأجمل، وقد ذاقت ويلات الحروب والألم على مدى سبع سنين عجاف، لكن السؤال الجوهري والحقيقي والحيوي اليوم هو كيف نستثمر هذا النجاح، وكيف نحافظ على القمة التي وصلنا إليها بها، فالبناء في الغالب يكون مجهداً ومضنياً لكن الهدم لا يكلف جهداً، كما أن الحفاظ على النقاط الحيوية والمهمة في القمة ليس سهلاً فهو يتطلب جهداً نوعياً، وكادراً نوعياً ونهجاً قويماً قائماً على رؤى استراتيجية، وابتعاداً عن أساليب الفوضى والارتجالية والمحسوبيات، وأيضاً يتطلب فوزاً واعترافاً بالطاقات والقدرات فالمؤتمر يملك الكثير من الطاقات والقدرات لكنها مهدرة وغير مستثمرة وفي ذلك ضياع مبين، ولو أدركنا مستوى الحاجات الحضارية والتحديات ولم نعمل على تفعيل كل الطاقات والوزارات برؤى علمية ومنهجية واضحة فنحن نسبح في بحر التيه الذي سبح فيه الاخوان من قبلنا وقد أدركهم الغرق اليوم وهم يحترقون بنيران الأحداث ويفوتون كرمادها الذي تسفه مصالح العالم المتحول من حولهم.
فقد أبهر المؤتمر في مهرجان ذكرى تأسيسه العالم، وعليه أن يبهر العالم بمستوى التحول الذي يقوده لإسعاد جماهيره المتطلعة الى غدٍ أجمل وأرغد.
|