عبدالله الصعفاني - لا أعرف إذا كان اليوم صالحاً للحديث معكم حول مأساة وأنتم غارقون في المآسي والكوارث.. ولكن لا بأس..
ليكن الحديث عن مشاعر جعلتني أرد على الجار الذي طلب مني مرافقته إلى ارتشاف كوب من الشاي في قلب المدينة بالاعتذار، وعندما قال ليش.. إيش عندك ؟
قلت له: عندي صداع.. والحقيقة أنه لم يكن عندي سوى خليط من الذهول والغضب والمهانة من أمور اختلط فيها الخاص بالعام، والفردي بالجماعي، والموضوعي الوطني بالذات الخالصة، فأعطوني صبر قراءة الباقي.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور عمر العمودي يموت وحيداً في شقته.. ولم يعلم أحد بوفاته إلا بعد عشرة أيام بعد أن فاحت رائحة جثته.. وهنا لن أركب موجة الاستغلال وأقول إنه مات من الجوع ؛ لأن حدوث هذا من عدمه سينكشف من التعرف على ما يحتويه مطبخه وجيوبه.
ويا ألف ألف سبحان الله من هذه الاستفهاميات.. كيف يموت أستاذ جامعي شهير ولا يعرف الناس ذلك إلا من رائحة جسده ؟
أين أسرته ؟ لماذا لم يطمئن عليه أحد منهم مستفيداً من الاختراع العظيم " التليفون " ؟ أين جيرانه في العمارة مادام يسكن في شقة ؟ ثم أين الجامعة.. النقابة.. الزملاء.. الطلاب ؟.. يعني أين شظايا الوفاء مادام عندنا وفرة في شظايا الاحتراب والقتل ؟
ياااااه.. ما أسوأ أحوالنا في هذه الحكاية المؤلمة ونحن نرى أنه لم يكن هناك من وسيلة إلا أن يبعث الله غراباً يدل أهله ومعارفه وجيرانه وزملاءه على موته.. المصيبة أن هناك من سيتصدى للاستغلال السياسي ثم يخرس، بدلاً من أن يعطي الأولوية لهذا السقوط الإنساني المجتمعي المريع.
الكارثة أن بيننا من سيتحدث عن المواساة والعزاء.. المواساة لمن ؟ والعزاء لمن ؟ فهل هناك من يستحق المواساة ؟ هل هناك من يستحق غير التقريع بنظام.. اخرس.. آلآن وقد جعلتموه يموت وحيداً ولا يعرف القريب والبعيد الخبر إلا من رائحة جثمانه !
طيب تلفون يا جماعة من قريب أو من بعيد.. من أسرة أو من زميل أو جار.. يا للعار!!
ومرة أخرى..
يااااااه.. هل تعقدت أمورنا الإنسانية وأمور القرابة والصداقة حتى لم يعد بمقدورنا عندما تداهمنا نهايات العمر أن ننعم بشيخوخة هادئة دون أن تتعفن أجسادنا ولا يعلم بها أحد ؟ وكيف يحدث هذا لأستاذ جامعي عاش كما قال من عرفوه مثل الساعة السويسرية.. انضباط ورشاقة.. وحرص على أداء واجبه نحو طلابه؟!
أنا في غاية البؤس والوجع.
|