عبدالولي المذابي - مثَّل قيام المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982م أول شراكة وطنية حقيقية في إدارة الدولة وتحمل على عاتقه مسئولية النهوض بالوطن وتحقيق آمال وتطلعات الشعب وفي صدارتها أهداف الثورة اليمنية التي قدم من أجلها ثوار سبتمبر وأكتوبر أغلى التضحيات لما تمثله من رؤية وطنية خالصة تعتبر دليلاً لكل الحكومات التي جاءت بعد الثورة.
وكان على المؤتمر الشعبي العام أن يسير في اتجاهات متوازية لتحقيق الأهداف الستة للثورة واستكمال ما بدأته الحكومات السابقة وصولاً الى تحقيق نقلة نوعية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وانطلق المؤتمر الشعبي العام بما يمتلكه من دعم واجماع شعبي لتحقيق انجازات كبيرة في فترة قياسية تمثلت في تطوير البنى التحتية والهياكل الأساسية للدولة وتوسعت شبكة الطرقات وتضاعف أعداد المدارس والمستشفيات والوحدات الصحية والجامعات وتضاعفت معها المعاهد الفنية والتخصصية في كل المجالات كما شهدت المؤسسة العسكرية والأمنية قفزات كبيرة في التدريب والتسليح مكنها من بسط سيادة الدولة على كامل أراضي الجمهورية وحماية مكتسبات ومنجزات الثورة وفرض حالة الأمن والاستقرار. وعلى المستوى الخارجي حرص المؤتمر الشعبي على انشاء علاقات تعاون واحترام مع كافة دول العالم وشاركت حكوماته بفعالية في كل المحافل الدولية ووقعت اتفاقيات ومعاهدات عدة جعلت اليمن شريكاً حقيقياً في الحفاظ على الأمن الاقليمي والدولي ولاسيما في مجالات مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب وكذا الاسهام الفاعل في المساندة الانسانية للاجئين والمنكوبين جراء الحروب والكوارث الطبيعية.. كما حرصت حكومات المؤتمر المتعاقبة على تسوية كافة المشاكل الحدودية البرية والبحرية وترسيمها بما يحقق السلام الدائم وازالة كل أسباب التوتر مع الجيران.. ويفتح افاقاً أوسع للتعاون وينقل العلاقات الثنائية من مرحلة الجوار الى مرحلة الشراكة ويتيح المجال لاستغلال الثروات الطبيعية بشكل أمثل وانشاء مشاريع استثمارية توفر عائدات اقتصادية كبيرة.. وتؤكد المؤشرات الاقتصادية أن اليمن حقق نسبة نمو عالية في كافة المجالات بفضل السياسة المتوازنة التي انتهجها المؤتمر الشعبي داخلياً وخارجياً وأثمرت في أقل من أربع سنوات عن تصدير أول شحنة نفط من حقول مأرب وإعادة بناء سد مأرب التاريخي وانعكست تلك الانجازات مباشرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم اعادة ضخ هذه العائدات لتمويل المشاريع التنموية التي عمت كافة انحاء البلاد وفق خطط تنموية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وفرت الكثير من فرص العمل للشباب وحققت عائدات ضخمة من العملات الصعبة انعشت الاقتصاد الوطني وفتحت المجال أمام علاقات اقتصادية وتجارية واسعة مع مختلف دول العالم لتصدير واستيراد البضائع والسلع والمنتجات. تلى ذلك بسنوات قليلة تحقيق أعظم منجز في تاريخ اليمن الحديث المتمثل في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م وهو الحلم الذي انتظر اليمنيون تحقيقه لنحو قرن ونصف من الزمان ليكون بمثابة ثورة جديدة جمعت أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر لتبدأ مرحلة أخرى من البناء والعطاء التنموي وتصحيح ما أفسده الاستعمار والإمامة. لم يكن الطريق الذي سلكه المؤتمر الشعبي العام في بناء الدولة اليمنية الحديثة والموحدة مفروشاً بالورود بل كان طريقاً وعراً مليئاً بالاشواك ومحاطاً بالمؤامرات الخارجية، وظل اعداء اليمن يتربصون به ويتحينون الفرصة لخنق أحلام الشعب اليمني ووأدها في مهدها، ودفع اليمنيون ثمناً كبيراً لمواقفهم ومبادئهم وأحلامهم المشروعة وواجهوا في سبيلها اعباء اقتصادية وسياسية تفوق احتمالهم وامكانات دولتهم الناشئة التي ورثت حملاً ثقيلاً من التخلف والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي خلَّفها نظام الإمامة البغيض وحكم المستعمر البريطاني المستبد، ولم يتردد أعداء اليمن في دفع المبالغ الضخمة والأسلحة لإثارة الفتن والصراعات في اليمن ونتج عنها حرب صيف 1994م لمواجهة مشروع الانفصال وتم تجاوزه وافشاله في وقت قياسي بفضل حكمة وتكاتف ابناء اليمن في الجنوب والشمال ورفضهم القاطع لمحاولة اجهاض حلم الوحدة بعد أقل من أربع سنوات على تحقيقه، وقد نتج عن تلك الحرب تبعات كثيرة وضعت مستقبل اليمنيين علي المحك، إلاّ أن حكمة القيادة السياسية للمؤتمر تمكنت من تقليل الخسائر وتجاوز المحنة حتى عادت اليمن الى بر الأمان، واستؤنفت عملية التنمية بمشاركة كل أبناء الوطن الذين استوعبوا حجم المؤامرة الخارجية وعادت أطراف الصراع الى حضن الوطن وكان قد سبق ذلك اصدار قرار العفو العام خلال حرب 1994م ليسهم بشكل فاعل في حسم معركة الانفصال وترميم الشروخ التي اعترت جدار الوحدة. وبعد معالجة الفتنة الداخلية اتجه أعداء اليمن لافتعال مشاكل خارجية في محاولة لإقحام اليمن في حرب مع جيرانها فدفعت بأرتيريا للتحرش عسكرياً باليمن واحتلال جزر حنيش وهو الأمر الذي تنبه له الموتمر الشعبي العام وقيادته السياسية واتخذوا قراراً حكيماً باللجوء للقضاء الدولي ليتحقق لهم ما أرادوا بعودة الجزر للسيادة اليمنية وتجنيب اليمن ويلات الحروب والصراعات والمؤامرات الخارجية التي تستهدف صرف جهود الدولة عن متابعة السير في تنفيذ الخطط التنموية واستكمال البناء والنهوض في كافة المجالات. يمتلك المؤتمر الشعبي العام رصيداً حافلاً من الانجازات العظيمة التي حققها للوطن لا تخفى على أحد ويمكن إدراكها بالعين المجردة وأينما تولي وجهك ستجد هذه المنجزات من حولك تشهد بعظمة المؤتمر وقيادته السياسية المحنكة وجهود كل ابناء الوطن المخلصين، ولا مجال لحصر هذه المنجزات، والواقع يقول ماذا قدم الآخرون لينافسوا به المؤتمر. فخلال 33 عاماً من حكم الزعيم علي عبدالله صالح مؤسس المؤتمر الشعبي العام تضاعف عدد المدارس من 1883 مدرسة في العام 1978م الى 16231 مدرسة عام 2011م وارتفع عدد المنشآت الصحية العامة والخاصة خلال نفس الفترة من 361 منشأة الى 15500 منشأة، وتضاعفت أطوال الطرق الأسفلتية من 1113كلم الى 24504كلم، والطرق الحصوية الممهدة من 859كلم الى 75600كلم، وارتفع عدد الجامعات من اثنتين الى 13 جامعة، وتضاعفت عدد الكليات من ثمان الى 95 كلية، كما تضاعفت عدد المطارات من 3 الى 13 مطاراً مع تطوير وتوسعة المطارات السابقة، وتضاعفت عدد الموانئ البحرية من خمسة الى 21 ميناء. هذه فقط بعض ملامح النهضة التي شهدها اليمن في عهد حكومات المؤتمر على مدى 33 عاماً، اذا ما استعرضنا أهداف الثورة اليمنية سنجد للمؤتمر الشعبي العام بصمات خالدة في كل هدف منها ابتداءً بإقامة حكم جمهوري عادل وازالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وبناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، وهو ما يشهد به ويلمسه الجميع في مواجهة تحالف العدوان المكون من 17 دولة، ومروراً برفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وهو ما تشهد به الأرقام السابقة والانجازات الماثلة للعيان وكذا الحريات السياسية والصحفية التي فتحت لها الأبواب في عهد حكومات المؤتمر وكذلك إجراء الاستحقاقات الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية المباشرة والتي شهدت بنزاهتها المنظمات الدولية المعنية بمراقبة الانتخابات وتقييمها. كما أسهم المؤتمر الشعبي العام بفاعلية في تجسيد الهدف الرابع المتمثل في إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الاسلام الحنيف حيث ينص الميثاق الوطني على أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس لكل التشريعات والقوانين ويؤكد ذلك أيضاً دستور الجمهورية اليمنية المستفتى عليه بعد الوحدة. ويُحسب للمؤتمر أنه توج نضالات الرؤساء والحكومات السابقة من أجل تحقيق الوحدة بإعلان قيام الجمهورية اليمنية الموحدة في العام 1990م وتجسيداً للهدف الخامس الذي ينص على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة، وسعى المؤتمر لانجاز الجزء الأخير من خلال مشروع الاتحاد العربي الذي تقدم به للجامعة العربية واصطدم بالمشاريع الصغيرة للحكام العرب. أما الهدف السادس فينص على احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم، ولم تسجل أي شكوى ضد اليمن بالتآمر أو التدخل في شئون الدول الأخرى بل كان نموذجاً في العمل المثمر من أجل تقريب وجهات النظر بين المتصارعين في الاطار العربي وداعماً للشعوب العربية من أجل نيل حقوقها.. وسجل المؤتمر وحكوماته وقيادته مواقف خالدة في دعم القضايا القومية والعربية والاسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
|