ابن النيل -
كثيرة هي المفارقات السياسية العجيبة التي نشهدها في زمننا هذا بين الحين والآخر، غير أن هناك مفارقتين على وجه التحديد شهدناهما خلال الأيام القليلة الماضية.. يستوجبان التوقف عندهما بقدر مستحق من التأمل والاهتمام لما ينطويان عليه من مؤشرات لها أثرها وتأثيرها على واقعنا العربي الراهن، بقدر ما هي انعكاس منطقي لكوننا ارتضينا لأنفسنا مهانة التسليم بالعجز، ليس في مواجهة أعدائنا وأعداء أمتنا فحسب، بل وفي مواجهة ما يعترضنا من أزمات داخلية عابرة.. هي في حد ذاتها شأن وطني وقومي لا ينبغي قبولنا بمبدأ تدخل الآخرين فيه، تحت أية ذريعة كانت.
أولى هاتين المفارقتين.. يتمثل في تبني فرنسا مهمة حل الأزمة السياسية التي طال أمد تفعيلها وتفاعلها في لبنان الشقيق، خاصة في جانبها المتعلق بإشكالية انتخاب رئيس الجمهورية في الموعد الدستوري المحدد لذلك.
وتأتي الوساطة الفرنسية هذه.. بعد ما ضاقت بنا السبل أمام امكانية التوصل الى صيغة توفيقية أو توافقية، لحل هذه الأزمة الوطنية اللبنانية بوساطة عربية خالصة.. تحظى بمباركة أطرافها ككل، بدلاً من اتاحة الفرصة لمثل هذا التدخل الخارجي في شئوننا.. أياً كان نوعه.
أما المفارقة الثانية.. فتتمثل في مشروع القرار أياه المقدم من مندوب فلسطين الدائم في الأمم المتحدة، والذي يتضمن اعتبار حركة »حماس« ميليشيا غير قانونية، وفي ذلك ما يعد انكاراً صريحاً لشرعية ومشروعية المقاومة الحقة في مواجهة مغتصبي حقوق أهلنا في الوطن المحتل، وهو ما من شأنه تيسير ما يسعى العدو الى تحقيقه، دون مشقة أو عناء.
الغريب في الأمر.. أن ممثل فلسطين في المنظومة الدولية الأم لم يشأ اخضاع مشروع القرار المشار إليه لمبدأ التشاور مع أقرانه العرب قبل تقديمه، مثلما جرت العادة في مثل هذه الحالة، بينما بادر من جانبه بالتنسيق مع الجانب الأوروبي بالمقابل، دون علم أيٍّ من الأطراف العربية المعنية بالشأن ذاته، وكأنما أراد بذلك تدويل ما بين حركتي فتح وحماس من خلافات واختلافات سياسية عارضة، توطئةً لتدويل القضية برمتها.. قفزاً على طابعها القومي المفترض.. والى حديثٍ آخر.