أمين الوائلي -
الأفراد مجموع تجاربهم في الحياة.. والتجربة عموماً زبدة الحياة أو مدرسة عملية لصقل المواهب وتشذيب الكفاءات والقدرات.. وفي المحصلة فإن مجموع تجارب الأفراد هي الوجه الآخر والنتيجة الموضوعية لتراكم الخبرات والاختبارات والعيش المشترك ومعاناة صروف الحياة وتقلبات الدهر في الأزمنة والأمكنة المختلفة- أو ربما المتخالفة.
كانت ولاتزال "السِّير الذاتية" واحدة من أروع وأهم فنون السرد والتوثيق الإنساني والتاريخي، علاوة على أنها أصعب وأخصب فنون الكتابة الأدبية والإنسانية، وبواسطتها استطاعت الأجيال البشرية أن تتناقل أصولها وخبراتها وتراكمات تجارب الآباء والأجداد، وبها خُلِّد ذكر العباقرة العظماء والقادة الكبار الذين زاحموا مناكب التاريخ وساروا معه جنباً إلى جنب طوال مسيرة الإنسان والمجتمعات والشعوب، وعبر صحراء الزمن والعالم، وتظل »السيرة الذاتية« عموماً ودون تخصيص محاولة جريئة لاقتطاف قمر أخضر أو نجمة زيتونية يتوقَّد زيتها على أفق المدارات الإنسانية وأفلاك الشعوب والمجتمعات، وفيها نستعيد دفقاً من الضوء ودافقاً من العبرة والإجلال.. نستنطق عمراً كان يعيش بين ظهراني آباء وبلاد، ونستذكر أناشيد المعاناة ومهاجل الشدَّة وعرق الجبهات السمر والسواعد المشغولة بإعادة التشكيل والتجميل لتربة الحقول ومواسم الوطن والناس.
بين دفتي الأمس وغداً
تختلف السيِّر باختلاف السائرين.. فبين عالم وشاعر هناك فرق، وبين أديب وطبيب ثمة اختلاف.. وبين قائد وآخر هناك مساحات من التباين.. وأوجه الشبه لاتغيب تماماً ولكنها لاتصل حد المطابقة أو المشابهة الكاملة.. لأن الحياة لاتكرر ذاتها مرتين بصورة واحدة، ولأن الأحياء أيضاً ليسوا تكراراً مملاً أو معاداً لذات الحكاية والحبكة.
التعدد دائماً يعني التجدد.. ويعني الفرادة والتمييز و.. التكامل في آخر المطاف.
> السيرة الذاتية للرئيس علي عبدالله صالح لاتزال في أوج تألقها وعطائها.. وإذا المتعارف عليه تضمين سير الأفراد والقادة دفتي كتاب.. فإن الرئىس علي عبدالله صالح يقدم استثناءً في هذا الباب، حيث الواقع الحي والعملي هو الكتاب الذي يسطر فيه آيات سيرته وعناوين شخصيته القيادية.. وهو كتاب تزدحم أوراق فصوله وأبوابه وعناوينه بين دفتي الأمس المشهود والغد الموعود، وبينهما حاضر يموج بالحياة وحياة تمودج بالعطاء والعمل والأمل.
سيكون من الصعوبة بمكان اسناد كتابة سيرة الرجل إلى فرد أو مجموعة أفراد.. وليس في أولويات علي عبدالله صالح أن يتفرغ أو يشغل نفسه بتسجيل وتوثيق مسيرة حياته العامرة وجهاده الوطني الزاخر، فالشعب كفيل بالمهمة والوطن ذاته هو من يحفظ حق الرجل في تخليد التحولات الجسام التي قادها وأبدع في إنجاز استحقاقات المراحل المطرزة بشواهد الإنجاز والإعجاز.
ولايحتاج الصالح إلى محاباة أو مداهنة من أحد.. لكنه أيضاً صاحب حق علينا جميعاً بأن نوفيه بعض حقه وبعض الوفاء الذي غمرنا بفيوضاته وحملنا معه طوال مسيرة عهده المبارك الميمون.
سيرة رجل.. سيرة وطن
> سيرة الرئىس علي عبدالله صالح.. سيرة رجل ووطن وأمة، وهي تكاد تترافق إلى حد التماهي مع سيرة اليمن الجمهوري.. فمنذ صباحات الثورة اليمنية الأم وعلي عبدالله صالح حاضر في صلب المشهد وفاعل ضمن تيار اليمن الجديد- الوليد والثوري- يحمل بندقيته وغربة الشعب في عينيه تبحث عن وطن للوطن، وعن عمر للزمن اليمني، وعن أمل يسع كل هذا العنفوان.. كل هذا العناء الأسطوري.. كل هذا اليمن.
> عند مطلع العقد الخامس من القرن العشرين.. نحو عام 1942م أبصر الحياة وأطل على الدنيا، وأي دنيا، دنيا اليمن الذي كان معزولاً عن الدنيا غارقاً في جفاف العيش.
ولم يقطع السابعة عشرة من عمره حتى كان قد التحق بالجندية عام 1958م.. وكأنه يقرأ كف قدره ومستقبل وطنه.. وفي القوات المسلحة اختمرت فكرة الثورة ومشروع الجمهورية، وأشعل قدر اليمانيين بذرة التغيير في الأنفس المشرئبة إلى زمن قادم.. زمن بلا أئمة وبلا طغيان، وانقدح وهج سبتمبر في رحم الأرض.. وفي الشهر التاسع من العام 1962م، أذَّن الثوار بميلاد الثورة وشق سمع الدنيا صوت الوليد القادم من غيب الغبيب.. دوى صوت اليمن الجمهوري، وإذ تكالبت الأعداء تأتمر بالحلم.. لبى الجندي علي عبدالله صالح نداء الواجب تجاه الأرض والشعب والناس والوطن سجل حضوره الوفي في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية وعلى أكثر من جبهة ومحور، حتى اشتد عود الثورة وبسق وعدها.
تنقل علي عبدالله صالح في العديد من المهام والمسئوليات والمناصب القيادية، وفي السابع عشر من يوليو عام 1978م كان الصوت ذاته والنداء ذاته يهتف به فلبَّى وأطاع وكان باراً بأمه اليمن.. حمل جمجمته في كفيه وأتزر كفنه وقبل التكليف على خطورته وتهيُّب الجمع الغفير من الحاضرين يومها.
بانتخاب مجلس الشعب التأسيسي لعلي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية دشنت مرحلة جديدة وعهد آخر.. ومع كثرة المتربصين وتخرصات المنجمين الذين ارتقبوا نهاية مبكرة.. جعلها الرئىس بداية أبكر واستهل مشواره في تدعيم أسس الدولة المركزية وترسيخ سلطات الحكومة ومؤسساتها على الأرض وفي الواقع- معركة- لابل معارك مشهودة خاضها في ميدان البناء والتنمية والتحديث.. ممتطياً صهوة التحولات الجسورة والنقلات النوعية الكبرى في حياة المجتمع والدولة، وجنباً إلى جنب واكب تدعيم الدولة بتدعيم أركان الثورة والجمهورية والحفاظ على مكاسبها وإنجاز متطلبات طموحاتها واستحقاقات أهدافها الستة الخالدة.
> وعلى عين الزمان.. أقدم الرئىس علي عبدالله صالح على خطوة عبقرية حسبت له بامتياز.. حيث استولد فكرة تنظيم وطني جامع يلم شمل الفرقاء في الساحة، فكان المؤتمر الشعبي العام وكانت الوثيقة الفكرية والنظرية الأبرز والأهم »الميثاق الوطني«، وفي الثلاثين من أغسطس 1982م انتخب أميناً عاماً للمؤتمر بعد أن أطلق حرية العمل السياسي في مناخ من الوفاق والإجماع الوطني.
اتسم عهده بالتسامح ونبذ الأحقاد والصراعات.. وعمل على إلجام صنوف الثأرات والمكايدات.. وعرف علي عبدالله صالح بعدائه الشديد للنزعات المناطقية والطائفية والمذهبية، وكرس مجمل سياساته وتوجهاته لإعلاء شعار الوطن والمواطنة.. صارفاً الطاقات كلها في معركة التنمية والتطوير.. وظل حلم الوحدة في مقدمة أهدافه وغاياته.
في الـ22 من مايو 1990م أنجز وعده وعهده وحقق أعظم أهداف الثورة اليمنية وأحلام الجماهير والأجيال بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة وإنهاء معاناة التشطير.. وفي عدن رفع راية الجمهورية اليمنية وأعلن قيام دولة الوحدة، ليقود بعدها بأربعة أعوام معارك الدفاع عن الوحدة والشرعية الدستورية ورفع شعار »الوحدة أو الموت« في مواجهة مؤامرة الردة والانفصال صيف 1994م، لينجز وعد النصر في 7 يوليو 1994م.
أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية 1999/9/23م في أول انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة.. وعلى بعد أيام من 2006/9/23م يرعى تنافساً ديمقراطياً على رئاسة الجمهورية، ويلتزم بإيصال التجربة إلى النجاح في ثاني انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة يخوضها خمسة مرشحين من مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية و المستقلين.
والطريقة التي وصل عبرها إلى الحكم (78م) هي الطريقة التي استمر فيها (99م) وهي الطريقة التي أسس لها ومعه جميع الشرفاء المخلصين من أبناء الشعب ورجالات الوطن والدولة.
وهو اليوم يدخل الانتخابات مرشحاً للمؤتمر الشعبي العام ويسجل درساً بليغاً في إعادة السلطة إلى يد الشعب ويحرس تداولاً سلمياً للسلطة.. ألجم فتن الصراعات وحولها وجزَّ رؤوس المؤامرات والدسائس، وحصن السلطة بالشعب والرئاسة بالجمهورية حتى عادة أمناً وأماناً للجميع، وهو إنجاز غير عادي لايستطيعه إلا القلة من القادة والحكام.. يجيئ في أول صفهم علي عبدالله صالح.
لسنا شعباً بلا ذاكرة
> ما سبق لم يكن سيرة بالتأكيد، ولا الذي سيأتي لاحقاً.. ولكنها فقط علامات بارزة في سيرة القائد ومسيرة الوطن.
وإذا كنا سنفصِّل القول قليلاً، فلأن الحال و المقال يقتضيان بعض التنويه والإشارة، ولأننا لا نستطيع إهمال ذكر أن الرئىس علي عبدالله صالح قاد بلاده إلى تأسيس الدولة اليمنية الحديثة.. كرس جهده ووقته من أجل بناء دولة المؤسات ومؤسسات الدولة، وتحقيق نهضة تنموية شاملة غير مسبوقة.. ويحفل عهده بأنصع الإنجازات الاستراتيجية بدءاً من السد واستخراج النفط والغاز.. ومروراً بالنهضة العلمية والزراعية والخدمية.
كسب الرئىس علي عبدالله صالح رهان التحول الديمقراطي وأرسى قاعدة صلبة للعمل الديمقراطي الحقيقي والحر.. كما عمل بجد على ترسيخ متطلبات الأمن والاستقرار وحماية واحترام حقوق الإنسان وكفالة الحريات العامة والفردية.
فضلاً عن السياسة العقلانية الحكيمة التي انتهجها مع الخارج وإقامة علاقات جوار وصداقة مع مختلف دول العالم على قواعد الشراكة واحترام السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية.
ويحسب لعهد الرئيس علي عبدالله صالح تأمين حدود وجوار اليمن مع المحيط العربي والأفريقي براً وبحراً، والانتهاء من ملفات المشاكل الحدودية بطرق سلمية راقية وحوار جاد ومتكافئ.
إن إطلاقة سريعة على شرفة قمر أخضر.. وإيجاز عابر لسيرة وعهد الرئىس علي عبدالله صالح.. تكون ضرورية لاستعادة مقدمات الدرس وحيثيات الحالة اليمنية، ولأن المزايدة التي يقترفها البعض تتعمد إنكار التاريخ وإلغاء شواهد الزمن والعهد، وكأننا أمة بلا ذاكرة أو عدمنا الشهادة بالحق وقول الصدق.
إن التجارب الكبيرة والكثيرة التي اجتازها علي عبدالله صالح بتمكن واقتدار، والخبرات المتراكمة التي كاثرها طوال سنوات عهده الميمون.. تجعل المقارنة بينه وغيره ظالمة وغير موضوعية ولاتستقيم بحال من الأحوال مع الواقع والانصاف.
وحيث يجب أن يختار الشعب ويقرر جمهور الناخبين.. سيكون عليهم المقارنة الفعلية واتخاذ القرار.. إنما ليس بناء على عاطفة عابرة أو هوىً ممزوج بأهواء.. بل بناء على حاجيات اليمن وشعبه، ومستقبلنا أجمعين.