بدر بن عقيل -
رغم أن الانجليز يقولون في مثلهم الشعبي «أن تموت جوعاً وأنت حر، خير من ان تعيش عبداً وأنت سمين»
ولكن ليس من المنطق في شيء أن تتباهى بالحرية وانت مكبل بقيود الاستعمار والاحتلال ووهم الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس !!
ولهذا أدرك شعبنا اليمني ومن اللحظة التي انتصرت فيها الثورة الأم 26 سبتمبر 1962م واعلنت في أول أهدافها الستة «التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات» أن تشعل نار ثورة 14 أكتوبر 1963م وان يكون لسان حالها يقول مع الشاعر ابو القاسم الشابي.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب للقدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر
وكانت الاستجابة وبعد قوافل من أرواح ودماء الشهداء الأبرار أن ينجلي ليل وظلام الاستعمار وان تتحطم القيود الغليظة وتشرق في ويوم 30 نوفمبر 1967م شمس الحرية ولتردد كل الجبال اليمنية الشماء صدى قول الشهيد محمد محمود الزبيري ابو الأحرار.
يوم من الدهر لم تصنع أشعته
شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا
لقد قال ذات يوم زعيم الهند المهاتما غاندي «إن طريق الحرية يجب ان تمهده الدماء» وهذا ما أقدم عليه مناضلو وشهداء الثورة اليمنية منذ تفجير الثورة.. فحيث تكون الحرية يكون الوطن.. فدكوا على أبوابها بدمائهم الزكية قال الشاعر.
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
ولأن الحرية والاستقلال أثمن ماضي الوجود، لذلك كان ثمنها باهظا جداً.. فكان موت الشهداء أشرف موت وأسمائهم أخلد الأسماء وهم الذين وضعوا بأرواحهم ورؤوسهم وأجسادهم أسس انطلاق الوطن اليمني نحو التقدم والوحدة والديمقراطية والحياة الكريمة وكانت شهادتهم في سبيل الوطن ورفع هامته خلود في موت رائع نحتفي به في كل لحظة فهي التي تباركنا وتزيد من همنا للحفاظ على كل ذرة تراب من وطننا ووضعه في حدقات العيون.
ولا شك أن الوطنية هي ينبوع التضحية المتدفق وهذا ما جسده شعبنا اليمني وعبر مختلف المراحل التاريخية ضد كل قوى الأطماع والاستبداد والاحتلال والخيانة حتى جعل من تراب وجبال بلاده مقبرة للغزاة، وأكدوا أنهم ينتمون للوطن مثلما ينتمون لأمهاتهم.
ولعل من أهم مشاعر احتفالنا بعيد الاستقلال الوطني هو ذلك الانطباع بتأصل جذور الحرية في أعماق الإنسان اليمني وترابه المعطاء وعدم التفريط فيها، قال الشاعر:
الحر يأبى ان يبيع ضميره
بجميع ما في الأرض من أموال
إننا نستلهم منها معاني الوفاء والعرفان ونستمد منها القدرة على الخلق والابداع وهي التي تمنحنا الحصانة والمناعة من كل من يحاول المساس بالوطن وثوابته الوطنية ثم هي الحرية التي تجعل من يد تبني ويد تدافع ليرتفع صرح الوطن فوق هامات السحب وتجعل من احتفالنا كل عام بأعياد الثورة المجيدة «سبتمبر واكتوبر» نبراس الأمل والبشائر الطيبة في تحقيق الكثير من المكاسب والمنجزات على مختلف الاصعدة.
والخلاصة:
لقد شكل يوم 30 نوفمبر 1967م يوم الاستقلال الوطني الناجز أهم ثمار وعناوين واحدية الثورة اليمنية وتشابك ونضال أيادي وأرواح ودماء أهل سبأ لنيل الحرية والمضي بالوطن على دروب الخير والأمان.
إنها خلاصة الخلاصة لمعدن اليمنيين النفيس .. وحبهم للحياة الكريمة وتطلعهم لتحقيق أهدافهم العظيمة والتي كان في مقدمتها إعادة منجز الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م وإعادة الاعتبار للأرض والإنسان اليمني بعد شتات طويل.. وإعادة الاعتبار للحرية نفسها التي ظلت حلماً يتأجج في أعماقهم.. الحرية التي أعادت اللحمة اليمنية الواحدة وجعلت من الوطن ورشة عمل كبيرة زاخرة بايقاع النماء والبناء والتحديث.
*الثورة