د. عادل الشجاع -
كثرت التعريفات التي دارت حول المجتمع المدني، لكننا نأنس إلى تعريف البنك الدولي الذي عرف المجتمع المدني بأنه مجموعة المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلى الربح، وتمارس نشاطها في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين.
ووفق هذا التعريف فإن المنظمات في بلادنا لا تندرج تحت مسمى المجتمع المدني لأنها تهدف جميعها إلى الربح الشخصي ولأنها وإن كانت بعضها غير حكومية، إلا أنها حزبية تعمل في إطار أيديولوجي.. ومن يتابع الجدل السياسي الاجتماعي يجد أن منظمات المجتمع المدني انحصرت بين ثلاثة تيارات غير متكافئة من ناحية ارتباطها العضوي وهذه التيارات هي: التيار الذي يحاول الارتباط بالسلطة من أجل تسيير مصالحه فيعمل على تمزيق العمل النقابي والمدني، أما التيار الثاني:هو الذي يريد افتكاك الحكم لتطبيق الشريعة حسب تصوره للنظام السياسي الإسلامي، ويجد هذا التيار تجاوباً عند الشرائح الاجتماعية المهمشة التي لها علاقة متوترة مع أجهزة الدولة، التيار الثالث: لا يزال نخبوياً لأنه يطالب بتطبيق مبادئ غير متجذرة في تراثنا الثقافي كمبدأ المواطنة المدعمة بمبدأ حقوق الإنسان الحقيقية، وهنا يمكن القول إن منظمات المجتمع المدني بوصفها واحدة من مظاهر السيولة الاجتماعية الإيجابية، ليست دائماً مدخلاً ممكناً لبناء مؤسسات اجتماعية مدنية مستقلة عن الدولة ومستقرة، بل هي قد تكون ـ وهذه حالها في اليمن ـ اعتراضية غير بنائية، أي مجرد فاعلية من فاعليات الاحتجاج ضد السلطة، لذلك فأغلبها ترتبط بالطبقة الرثة المنزوعة من أي امتياز والمفتقرة إلى أي تنظيم، التي لا تملك ـ في أحسن الأحوال ـ إلا الوعي الاحتجاجي في تعبيره السلبي.. إن المجتمع المدني الحقيقي هو الذي لا يكتفي بأن ينشغل بمأزق الدولة، بل عليه ـ كي يكون منتجاً ومتوازناً ـ أن ينصرف أيضاً إلى الانشغال بمأزق المجتمع، فالعلة ليست في الدولة وحدها فقط، وإنما في المجتمع ـ أيضاً ـ ذلك الذي نراهن عليه الآن، فهو مجتمع لا يهيئ بديلاً نوعياً ومقبولاً للدولة، بل هو يحمل عاهة مستديمة: الطائفية والقبلية والمناطقية التي لا تقترح على الناس سوى النظام السياسي الفئوي.. فالمجتمع المدني في اليمن لا يعد بديلاً جاهزاً للدولة، إنه مجرد باحث عن سلطة جديدة لا تؤمن بالواقع، بل تريد القفز فوق هذا الواقع.
وإذا أراد المجتمع المدني أن يساهم في عملية التحول الديمقراطي فإنه لابد أن يعمل على:
1ـ نشر ثقافة حقوق الإنسان وعدم حصر نشاطه في عواصم المدن، وإنما لابد من الوصول إلى الفئات الجاهلة والأكثر تهميشاً في المجتمع.
2ـ توعية المجتمع بكل تشكيلاته النقابية والحزبية، بأهمية الاعتراف بالآخر والإيمان بحق الرأي والتعبير.
3ـ السعي إلى بناء دولة القانون عن طريق الشراكة مع السلطة وليس عن طريق كسر القوانين القائمة.
4ـ نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، وتأصيل ثقافة الحوار والحفاظ على السلم الاجتماعي.
إن ما يجري اليوم داخل المجتمع المدني الشكلي أنه حدث اصطفاف في وسط السياسيين والمثقفين والكتاب والصحفيين والمدرسين والأطباء والمؤسسات والاتحادات حيث جرى الاصطفاف إما إلى جانب السلطة أو إلى جانب المعارضة، كان هذا الاصطفاف سيكون فعالاً إذا كان حول المشروع الوطني، وحقيقة الأمر أن صراع السلطة والمعارضة على المجتمع المدني لا يعني فقط نسف مصداقيتهما، وإنما نسف مبررات وجودهما.
ولابد من الإشارة إلى أن قوى التطرف قد استفادت من هذا الصراع وإذا أردنا أن نواجهها فإن الإجراءات الأمنية لا تكفي، ولابد من تعزيز قوى الاعتدال في المجتمع وإصلاح النظام التعليمي وإصلاح المؤسسة الدينية، التي اسهمت إلى حد كبير في انبثاق التيار المتشدد، ونتيجة لذلك، فإن المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع المدني اليمني كبيرة، إذ يتطلب الواقع الجديد منه إعادة ترتيب أوراقه وأولياته لإحدث تحول ديمقراطي حقيقي، فنحن في اليمن نعاني من التصالح بين الرؤية الإسلامية السلفية والمؤسسات التقليدية التي أفرزت الرؤية الإسلامية السلفية، ليس فقط تصالحاً بين المؤسسة التقليدية المعيقة للتقدم وللمعاصرة، ولكن تمازج وتزاوج يعيد تقديم الإسلام بوصفه رمزاً للعصبية والجاهلية الاجتماعية، وذلك أمر مهم بهدف تجنيب الصراع بين قوى التحديث في المجتمع وقوى التيار المتمازج مع المؤسسات التقليدية المعيقة للتقدم.
ولابد من فك الاشتباك بين المؤسسة الدينية والقوى التقليدية، لأن بقاء هذه الجماعة في سياق الفهم الخاطئ لدورها المعاصر يحولها إلى مصدر للمشروعية، مشروعية السلطة المتناقضة مع الإرادة الشعبية من خلال الادعاء بأن مشروعيتها متصلة بارتباطها بالدين والشريعة.
إن تقديم جماعة العلماء كمصدر لمشروعية السلطة ومشروعية القوانين، يتناقض مع أسس المجتمع المدني حيث الشعب مصدر السلطات جميعاً.
عن الجمهورية