د. فضل حراب - الطب بقصد التجارة مشكلة تعانى منها دول مختلفة ولكن بنسب تزيد من دولة لأخرى حسب الرقابة المشددة والعقوبات الصارمة التى تقوم بها وزارة الصحة واحيانا المجلس الطبى والنقابة المعنية والقضاء العادل.
لماذا ليس لدينا إحصاء عن عدد الاطباء وتخصصاتهم واماكن انتشارهم او اماكن عملهم..؟!
لماذا لا تحدد الجهات المعنية والقائمة على تحديد العدد المطلوب بشكل إجمالي وتضع خطط للعدد المطلوب كل سنة والتخصصات التى تحتاجها المستشفيات الحكومية والخاصة..؟!
لماذا يفضل الاطباء العمل في عواصم المحافظات ويغطي الاجانب ريف اليمن كله تقريباً..؟!
لماذا نجد فائضاً من بعض التخصصات فى اقسام معينة وفي مستشفيات معينة بالرغم من احتياج فعلي لأي عدد من نفس التخصص فى مستشفيات أخرى وعلى مستوى عواصم المحافظات..؟!
لماذا يوجد عجز مخيف لبعض التخصصات المهمة والدقيقة وندع عشرات الآلاف يسافرون لخارج اليمن بحثا عن اطباء كان بالامكان وجود امثالهم فى اليمن..؟!
لماذا يتنقل المريض من مستشفى الى آخر ومن عيادة خاصة لاكثر من طبيب فى وقت قصير مع الاعتراف بأن بعض الاطباء قد مارسوا الطب واكتسبوا خبرة تراكمية من العلوم المعرفية على ارض الواقع ولا يجد فيهم المريض مبتغاه ولا يشعر بالتحسن إلا إذا سافر للخارج وباع ارضه او بيته او استدان مبالغ كبيرة ويعود بعد فترة قصيرة وقد شُفي..؟!
عندما سمح للتجار والشركات والمستثمرين بانشاء مستشفيات خاصة استبشر الجميع بذلك القرار الجريئ فى ذلك الوقت..وأنشئت بعضها على اساس مواصفات حديثة وكانت نظيفة والمعاملات مرضية للبعض والخدمات متميزة عن الحكومية وخاصة الروتين والمعاملات الطويلة والازدحام غير المعقول وغرف الرقود مليئة بالمرضى وقد يأتى دورك بعد شهر او شهرين لعملية جراحية لا تستغرق احيانا ساعة من الزمن.
وفجأة تحول انشاء مستشفى الى موضوع تجاري بحت ففتحت مستشفيات فى مباني سكنية مع إحداث بعض التعديلات..وزاد عدد المستثمرين المحليين (بعضهم تجار وبعضهم من غاسلي الأموال).
وللأسف لم تخضع تلك المبانى "المستشفيات" للرقابة والتقييم الفني والاداري والخدمي وغطت بعض تلك المستشفيات عيوبها بالدعاية والإعلام والإعلان عن توافر اطباء من جميع انحاء العالم وان اطباء مشهورين ومجموعات طبية متكاملة ستزور المستشفى ولفترة قصيرة بعض تلك المستشفيات كان صادقا ولكن الغالبية كانوا يبيعون الكذب والأحلام بان التداوي فى هذا المستشفى او ذاك اصبح متميزا ويتساوى مع مثيلاتها فى دول عربية واوروبية.
وبدأت السمسرة ودفع نسبة من الدخل من المريض الواحد للسمسار وقد يكون موظفاً فى وزارة حكومية او شركة تجارية او سفارة وراجت التجارة الحرام على حساب المرضى وبعض الشركات التى كانت تدفع عشرات الملايين لصالح ما سمي بالتأمين الصحى الوهمى.
وللأسف ساءت الخدمات فى بعض المستشفيات الخاصة لدرحة ان المستشفيات الحكومية كانت صامدة لاسباب كثيرة ومنها:
أنها مازالت تتلقى الدعم المالي السخي احيانا لدرجة ان الادوية والمستلزمات الطبية كانت تنتهى فترة صلاحيتها لعدم الحاجة الملحة للمستشفي الذي كانت الادارات تشتري اكثر من حاجتها وايضا تنزل مناقصات للأجهزة الكبية مرتفعة الثمن لأن الهدف كان النسبة المئوية المخصصة والمفروض على وكلاء تلك الشركات دفع 20 الى 35٪ لصالح اللجنة ومن خلفها.
وايضا سمح للمستشفيات الحكومية بفرض رسوم إضافية على كل سند وكل فحص وكل عملية وايجار غرف الرقود باسم (الدعم الشعبي) وايضاً تسمية اخرى ورسوم أخرى باسم (مشاركة المجتمع) وكانت تذهب تلك الملايين لاشخاص بعينهم ويحصل بعض الاطباء على الفتات منها وتحرم الكوادر الفنية المساعدة من كل شيء اما الادارة وجماعات اللوبي المالي فكانوا يحصلون على نسبة الاسد..!!
فى فترات متباعدة كنا وبصفتنا الشخصية نستطلع التحسن الذى جرى على الخدمات الصحية ونقارن اعداد المرضى الطالبون للعلاج خارج اليمن وكانت المبالغ بالعملة الصعبة ضخمة ومن المؤكد انها كانت تؤثر على مخزون الدولة من العملات الصعبة خصوصا الدولار الامريكي.
والدول المستفيدة هي الاردن ومصر والهند اما رجالات الدولة فكانوا يحصلون على تذاكر بطيران اليمنية وبالامكان التحويل على لوفتهانزا او البريطانية او المصرية او الاردنية وكل مريض من الحكومة كان يحصل على منحة مجانية مغطاة بالكامل تدفعها سفارات اليمن في المانيا وفرنسا وبريطانيا وامريكا.
وبعد عدة سنوات تراكمت الديون على الدولة لطيران اليمنية حتى ان وزارة المالية استنجدت لدفع المستحقات بالمناقلة من مخصصات مشاريع اخرى وكذلك فعلت السفارات وتغيرت طرق واسلوب الدفع والعلاج بعد تكبيد الدولة مئات الملايين من الدولارات.
كنا نستغرب ان تزور اليمن فرق اجنبية المانية وفرنسية وايطالية وامريكية وسعودية وتجري عمليات جراحية للمرضى المنتظرين منذ فترات طويلة كانت تلك الفرق تقوم بمهامها الانسانية في مستشفى الثورة العام فى صنعاء.
الغريب ان تلك الفرق تتكون من طبيب واحد او اثنين ومساعديهم ويأتون بحقائب فيها كل الأدوات الجراحية والمستلزمات الطبية الخاصة وكانت الفرق الاجنبية تدعو الاطباء اليمنيين لمساعدتهم ولنقل الخبرة باكتسابها من خلال عشرات العمليات التى يجرونها من الصباح حتى المساء دون كلل ولا ملل.
والحمد لله بعد مغادرة الاجانب اليمن يخلد اطباؤنا للراحة وكأن شيئا لم يكن.
اُفتتحت مستشفيات فى عمائر سكنية وبعضها تعاقد مع اطباء من دول جنوب الاتحاد السوفييتي السابق وقلة من المصريين وبعض العراقيين ولكن الاعتماد الكبير كان على الكادر اليمنى وخاصة من ذوي الاسماء اللامعة ولهم زبائنهم بالآلاف وللأسف كان ذلك على حساب العمل فى المستشفيات الحكومية.
وانشغل بعض الاطباء بالمستشفيات الحكومية لساعة او ساعتين وبقية اليوم من مستشفى إلى آخر وينتهي يومهم بعياداتهم الخاصة وللأسف ايضا كان ذلك يدر دخلا لابأس به ولكن على حساب راحتهم واسرهم ولم يحددوا ساعات فى الاسبوع للنقاش والاطلاع ومعرفة الجديد في صميم تخصصهم الذى كانت العلوم الطبية تتغير يوما بعد يوم وليس بعد شهر او شهرين.
ولذا نلاحظ تدني العلم والمهارة عند البعض وتأثرت الخدمات وساءت فى غالبية المستشفيات الحكومية والخاصة لان الكادر هو هو نفسه فى هذا المستشفى الحكومى او الخاص..!!
ارتفعت وتيرة الفساد فى المجتمع اليمنى بشكل لم يسبق له مثيل وتأثر التجار مدراء المستشفيات الحكومية والخاصة وكذلك بعض الاطباء والصيادلة واطباء الاسنان والمهن الفنية المساعدة وقبلهم ديوان وزارة الصحة ومكاتب الصحة.
كذلك العدوى كانت مخيفة للمهربين الذين تحولوا لتجار ادوية واصبحوا محترفين حتى أنهم خلقوا تجارة موازية وتهريب كميات تفوق احيانا بالكم والقيمة ما يستورد بطرق رسمية عن طريق الهيئة العليا للأدوية..
ليس عيبا ان يتحول المرضى من المستشفيات الحكومية الى الخاصة وليس عيبا ان يتفاهم القائمون على المختبرات واجهزة السي تي اسكان والرنين المغناطيسي بعذر عطل فى الجهاز وليتم ارسال المرضى لمراكز خاصة او فى المستشفيات الخاصة ايضا.
ليس عيبا ان ترسى المناقصة على شركة اقل جودة فى مجال الاجهزة الطبية او المستلزمات للحصول على النسبة من 20 الى 30 حتى 35٪.
ليس عيبا ان تشترى بمناقصة او بالممارسة مواداً ومستلزمات قريبة الانتهاء وبكميات كبيرة للحصول على نسبة من اجمالى القيمة تصل من 50 الى 60٪.
حتى على مستوى التعاقد مع اطباء وممرضات اجنبيات هناك مبالغ يجب ان تدفع وتختلف النسب على عقود الغذاء والدواء.. الخ، واصيب بعض الاطباء بامراض انفصام تختلف من واحد لآخر فلم يستكفوا بقبول 20 مريضا فى اليوم بل رفع بعضهم العدد إلى 60 و80 مريضا .
وتحولت العيادات الى سوق من الأسواق العربية المشهورة ففتحت صيدليات في العيادات وفتحت مختبرات فيها »مايكرسكوب وسنترفيوح« وبعض المحاليل البسيطة..
الشرح سيطول وسنعود لنفصله غرفة غرفة والمؤسف ان البعض تعامل بما سمي بنسبة من مبيعات الأدوية لبعض الشركات ونسبة من فواتير المختبرات ونسبة من اجهزة الاشعة والـ»سي تي« والـ»ام ار اي«!!
عالم غريب وطمع وتجارة على حساب المريض الذى يلجأ الى الطبيب بعد الله طلبا للشفاء.!!
|