محمد حسين العيدروس -
من يتحمل مسؤوليات الوطن، لا بد أن يكون بحجم الثقة الممنوحة له.. لأنه بقدر حرصه على البقاء في ريادة ساحة العمل الوطني عليه أن يكون أكثر حرصاً على الأسباب التي تتبناها الجماهير في مفاضلة القوى السياسية الوطنية، وتمييزها عن بعضها، ثم منحها ثقة الريادة لصاحب الاستحقاق مهما كان اسمه أو حزبه، أو قبيلته، أو محافظته!
لذلك نحن عندما نتصفح فصول تاريخ عهد الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، ونحاول البحث عن سر حفاظه على هذا القدر الكبير من التلاحم مع أبناء شعبنا، نجد أن في مقدمة الأسباب هو أن الأخ الرئيس قدم إلى الحكم بصدر مفتوح يتسع لكل أبناء الوطن.. وهو الأمر الذي ترجمه عملياً عند تشكيل لجنة الحوار الوطني عام 0891م، والتي دعا إليها أشخاص يمثلون مختلف التوجهات السياسية الفكرية ـ بمن فيهم أولئك الذين كانوا يعارضون حكمه تحت مسمى «الجبهة الوطنية» وغيرها..
وعلى الرغم من أن البعض كان يتوجس خيفة وقلقاً من إشراك المعارضين ـ خاصة عندما يكونوا أصحاب أيديولوجية معينة ـ إلا أن حكمة الأخ الرئيس فاقت الظنون والهواجس، وبرهنت للجميع أنه ليس هناك قراراً سياسياً أقوى من ذلك الذي تبنيه السلطة على قواعد الشراكة الوطنية، وانطلاقاً من أفق رحب من الشفافية التي تتسع كل الآراء، والأفكار، والتيارات السياسية، والمذاهب الدينية، والأطياف القبلية.. فالوطن ليس ملكاً لحاكم أو سلطان أو حزب بعينه، بقدر ما هو وطن الجميع ويجب أن يتسع صدر الحاكم للجميع من أبناء شعبه، لكي يصبح موضع ثقة الجميع وتتحقق فائدة الجهد المبذول لصالح الجميع.
لقد كان انطلاق الأخ الرئيس من قاعدة الحوار مع الجميع، والشراكة في صياغة المنهج الفكري السياسي للدولة الذي تمثل حينها بـ «الميثاق الوطني»، هو الرهان الحقيقي الذي كسبت به الساحة اليمنية الأمن والاستقرار، وتحركت بفضلهما عجلة التنمية والبناء، وصولاً إلى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ثم تبني الأخذ بخيار الديمقراطية والتعددية الحزبية بمحض إرادة القيادة السياسية، لتصبح الجمهورية اليمنية الدولة الرائدة في التحول الديمقراطي بالمنطقة.
إن التجربة التي خاضها المؤتمر الشعبي منذ ما قبل الوحدة رسخت في اليمن فلسفة سياسية واضحة تقوم على أساس أن الحوار هو المرتكز الأول لأي عمل وطني، فحتى على الصعيد الداخلي للمؤتمر نجد أن الحوار والتشاور هو مصدر القرار السياسي، بمختلف الشؤون الوطنية.. وهذا يفسر الكيفية التي استطاع بها المؤتمر تجاوز الكثير من التحديات والظروف الصعبة التي كان بعضها أكثر تعقيداً من التحديات التي تعترض مسيرتنا الوطنية اليوم.. فلغة الحوار هي الوحيدة التي بمقدورها قهر أي تحدٍ قد يعترض مسيرتنا الوطنية لأنها ليست مجرد وسيلة للتفاهم، والتوافق وإنما لأنها أيضاً وسيلة لرص وحدة الصف الوطني، وللعمل الجماعي، ولفرض إرادة المنطق والعقل للجماعة على أي رأي متفرد، أو اجتهاد غير سوي.
إن اصرارنا اليوم على تفعيل دوائر الحوار مع مختلف القوى السياسية الوطنية ـ حتى وإن كان البعض يفسره ضعفاً ـ إنما هو في قناعتنا تغليب الحكمة على التهور.. وإرادة الجماعة على هوى من يشذ عنها.. وبالتالي فإننا بذلك النهج أقوياء بلا غرور لأننا نراهن على شعبنا، وحكمتنا اليمانية الشهيرة.. ومتواضعون بلا ضعف لأننا ننزل إلى مستوى مواطنينا، وأبناء شعبنا لثقتنا بأن مشروعية وجود أي منا في السلطة هو مشروعية يمنحنا إياها الشعب ـ وليس أحد سواه ـ عبر صناديق الاقتراع التي يتوجه إليها في كل تجربة انتخابية بإرادة حرة، ومناخ ديمقراطي واسع، وقناعة بممارسة حقه الدستوي في المشاركة في الحكم.
ولا شك أن أكبر الأخطاء التي تقع فيها بعض القوى السياسية هي عندما ننظر إلى مناصريها على أنهم هم وحدهم شعبهم الذي يستحق العمل السياسي لأجله، في ما يعتبرون الآخرين المختلفين في الرأي أشبه بقوة معادية لهم.
في الوقت الذي لا تجد هذه الثقافة محلاً في فلسفة المؤتمر، وحكومته، وقيادته السياسية الذين ينظرون إلى الجميع بنظرة واحدة عادلة، قائمة على أساس أنهم جميعاً يمنيون، وأبناء هذه الأرض الطيبة الطاهرة، والوطن الكبير الواحد الذي يتسع للجميع، ولن يستغني يوماً عن أي من مواطنيه ـ مهما كانت آراؤهم، ومواقفهم السياسية ـ طالما والاختلاف في الرأي مكفول شرعاً، ودستورياً.
عن الثورة