افتتاحية الثورة -
فقد الوطن يوم أمس رمزاً من رموزه الأفذاذ وواحداً من أهم مناضليه الكبار.. كانت له بصماته وإسهاماته في مسيرة اليمن المعاصر.. إذ أنه برحيل المناضل الوطني الجسور الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر خسر اليمن شخصية وطنية هامة، سخر كل حياته للدفاع عن قضايا شعبه وأمته فكان على الدوام مدافعاً صلباً عن المثل العليا.. وملتحماً بإخوانه من رموز النضال الوطني الذين أبلوا بلاء حسناً في خنادق البطولة دفاعاً عن حق أبناء وطنهم في الحرية والكرامة والسيادة.. حيث لم يستسلموا لليأس إلى أن انتصرت الثورة والنظام الجمهوري الذي خلص اليمن من عهود الكهنوت والاستبداد والاستعباد وانتقل بها إلى فضاءات رحبة من التطور والتقدم والرخاء.
وفي حادث جلل كهذا تعجز الكلمات عن التعبير عن مشاعر الحزن والأسى خاصة وأن الراحل إلى جوار ربه بحجم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان مع كل ولادة جديدة يشهدها الوطن يتوق دوماً إلى أن يكون هذا الجديد فاتحة عطاء متجدد يعود بالخير والنماء على هذه البلاد التي أحبها وأخلص لها وقدم في سبيلها الغالي والرخيص بل إنه لم يدخر جهداً إلا وقدمه، أكان ذلك أثناء الذود عن النظام الجمهوري من كل المؤامرات والمخططات التي احاطت به أو في الفترات التي تهيأت فيها لليمن سبل الاستقرار السياسي الذي أفضى إلى إنجاح الجهود التي قادها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، من أجل إعادة تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م والدفاع عنها.
وتتضاعف الخسارة التي ألمت بالوطن بفقدانه سياسياً حكيماً جعل من ممارسته للسياسة نافذة لتوثيق عرى الألفة والتآخي والمودة والوئام الاجتماعي.. كما أنه عمل من خلال المناصب التي تقلدها، وأهمها ترؤسه للبرلمان بالتلازم مع رئاسته للتجمع اليمني للإصلاح، على إثراء العمل السياسي والحزبي بمفاهيم الوسطية والاعتدال.. ليشكل بذلك مدرسة تقوم على التوازن والمنطق العقلاني الرصين الذي عادة ما ينحاز للمصلحة الوطنية على ما دونها من المصالح، ليترك للأجيال القادمة رصيداً من المآثر النبيلة التي يمكن الاستفادة منها كونها تستحق الاقتداء بها وبالأهداف الوطنية التي حملتها.
ولعل هذه المعاني قد سهلت أمام فقيد الوطن خلال حياته الحافلة بإنكار الذات أن يمد نشاطه لملامسة هموم وقضايا أمته العربية والإسلامية منطلقاً في ذلك من رؤية تستمد فاعليتها من الإيمان العميق والصادق بوحدة هذه الأمة ولذلك لم يفارقه الأمل والتفاؤل في بلوغها هذا الهدف وتجاوزها لعوامل التشظي والمسميات القطرية والإقليمية والخروج من تحت الرماد إلى بناء حضارة تستعيد فيها أمجادها ورسالتها التي كانت أول من نشر علوم المعرفة في العالم كله.
وبالتالي فإن ما ورد في بيان النعي الصادر عن رئاسة الجمهورية حول سيرة فقيد اليمن الكبير جاء معبراً عن صور الوفاء لهذه الشخصية الوطنية الرفيعة، التي كان لها دور مشهود في جميع الميادين بل إن الراحل الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر قد اكتسب إلى جانب ذلك التاريخ المشرق صفة الاعتدال في تعاطيه مع الاحداث والمواقف، حيث التزم بهذا الفكر المتوازن منذ بواكير حياته إلى اللحظة التي انتقل فيها إلى جوار ربه.
وبلا شك فإن هذا النوع من السلوك المميز بأساليبه ومستوياته الراقية قد أتاح للفقيد الراحل نسج كل هذه الخيوط من المبادئ والقيم خلال حياته المفعمة بالنضال والتضحية والايثار والتوهج والحيوية المثمرة بما أكسبه مزيدا من الاحترام والتقدير لدى خصومه قبل محبيه.. فرحم الله فقيد الوطن الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وأسكنه فسيح جنانه وألهم شعبنا وأفراد أسرته الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.