استطلاع / عبدالرحمن الشيباني : - شكلت ثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962م نقطة تحول فارقة في حياة الشعب اليمني وقواه الخيرة دلفت فيها اليمن الى عهد جديد من التحرر والانعتاق من الحكم الإمامي البغيض الذي حول اليمن الى سجن كبير وادخله عصوراً من الظلام والجهل والمرض.. لقد كانت ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين نتاجاً طبيعياً ومنطقياً لإرهاصات العمل الوطني التحرري من الامامة والاستعمار وحقيقة ماثلة للعيان بفعل الارادة الحقة والايمان بعدالة القضية وفي لحظة من الزمن ويوم تاريخي تمكن ابناء الشعب اليمني وعبر تنظيم الضباط الاحرار من الوصول بالعمل الوطني التحرري الى ذروته في تحقيق احلام وطموحات وآمال الشعب اليمني كله بتفجير الثورة المباركة والتي وفرت لثورة 14 أكتور الشروط الحاسمة لنجاحها وانتصارها كقاعدة انطلاق ودعم مادي ومعنوي.. يحتفل اليمنيون هذه الأيام بالذكرى الـ56 لقيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة في وقت عصيب وظرف استثنائي يمر به الوطن ولكن تبقى الكلمة الأخيرة للشعب.
ثورة النور
إن وعي الانسان على تقديس حريته وأرضه ووطنه ليست اختراعاً أو انفعالاً في لحظة ما.. إنها بذرة مطمئنة مودعة في الذات الانسانية وتتشكل في وعيه الوجداني والاخلاقي والقيمي تروى بالمعرفة وتتحصن بقيم المجتمع.. إنها نزوع فطري يتأصل في كل لحظة، لقد سعت الثورات في العالم جميعاً للتغيير وايجاد واقع أفضل للشعوب التي قامت بتفجيرها وما الاحتفاء بها إلا احياء لقيمها ومبادئها السامية وتحولاتها الكبرى، والتي غيرت مجرى التاريخ كما هو حال الثورة الفرنسية..
إن الثورات التي تندلع في أكثر من بقعة في العالم تجعل من الشعوب أكثر أصراراً على تجاوز عثراتها والانطلاق نحو المستقبل ليبقى الفرد في المجتمع عنصراً فعالاً منتجاً.
إرادة الشعب
في اليمن كانت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م بمثابة الافاقة المدوية والانتفاضة العارمة والتغيير الجذري الذي جعل من الاعداء في حالة ذهول قبل أن تستجمع قواها لوأد الحلم اليمني إلا أن الشعب كان لهم بالمرصاد والذين بدأوا يراهنون على الدعم الخارجي خصوصاً السعودية التي وقفت دائماً ضد احلام اليمنيين وتطلعاتهم ووأد قرارهم السيادي واستقلاليته وجعل اليمن في حالة وصاية مستدامة لقد تضافرت قوى التخلف والرجعية من الداخل والخارج لثني اليمنيين عن طلب حريتهم وابعاده عن التحولات والتغييرات التي كانت تجري من حوله ليسهل ابتلاعه باستدامة بقائه خارج العصر وهدم كل مقوماته الحضارية والانسانية لتبقى أسرة أو فئة هي من تتحكم بمصيره وتحد من تطلعاته وبما أن التغيير هي فطرة انسانية قبل أي شيء كان لابد للشعب أن ينتفض ويزيح غبار الجهل والظلام عن كاهله وأن يبدأ أولى خطواته نحو النور والحرية وقد فعلها رجالات اليمن بكل بسالة واقتدار وكان لابد لليل أن ينجلي وأن يستجيب القدر.
الاستاذ محمد حسن -اعلامي- في تصريح لـ»الميثاق« يرى أن ثورة 26 سبتمبر نقلت الشعب اليمني الى آفاق جديدة واسهمت في خلق وعي كبير كما يدور في العالم من الانتقال الى عصر جديد بعد ردح من الزمن عاشه اليمنيون في ظل التخلف والجهل..
ويضيف الاستاذ محمد حسن بالقول: لقد باتت ثورة الـ26 من سبتمبر خالدة في الوجدان اليمني ولا يمكن لأي قوة أن تزيح ما حققته هذه الثورة أو أن تشكك في جدواها.. إنها أشبه بصباح وفجر يطرز حياتنا المظلمة المثقلة برواسب الآفات والعقد والمشاكل التي أحدثتها تلك الحقبة والتي عانى منها اليمنيون طويلاً غير أن الشعب اليمني لا يرضى بالضيم وإن صبر طويلاً لكنه يمتلك مقومات النصر والنهوض ولعل ما يعانيه اليوم من ظروف صعبة بالغة التعقيد وهو يواجه عدوان بكل قوة لهو دليل على أصالة هذا الشعب وانتمائه لدينه وعروبته وقضيته التي يؤمن بها..
ويعبر الأخ محمد حسن ترحمه على شهداء الثورة اليمنية داعياً الشعب والقيادة السياسية لاستحضار مآثر وعطاءات الشهداء الأبرار واستلهام العبر وما قدموه من تضحيات في سبيل الوطن خصوصاً ونحن في أشد الحاجة لمثلها في ظل الواقع المعقد.
مخاض عسير
وفي ذات السياق يرى الدكتور سيف مكرد العبسي -كلية الإعلام جامعة صنعاء- أن ثورة الـ26 من سبتمبر ولدت بعد مخاض عسير مرت به الثورة نتيجة وقوف القوى التقليدية في الداخل وبدعم من الرجعية العربية ممثلة بالسعودية التي تآمرت ومنذ فترات طويلة على اليمن وثورته.
ويقول مكرد -في تصريح لـ»الميثاق«: »لقد عانت ثورة سبتمبر المجيدة الكثير من الاشكالات ومرت بإرهاصات سواءً أكان قبل الثورة أم بعدها فقد قامت حركات وثورات كبيرة خاضها الأحرار اليمنيين ضد حكم الإمامة كثورة 48 و55م لم يستطيع الأحرار إحداث أي اختراق في الجدار الصلب الذي كانت تمثله الإمامة بثقلها وظلمها وخيانة البعض لهكذا ثورات لكن الأمر أحدث هزات في بنية نظام الحكم الأسري السلالي واستطاعت هذه الثورات أن تمهد للثورة الكبرى عام 1962م وهو الأمر الذي أزعج السعودية واذنابها وحاولوا بشتى الطرق احتوائها وحرف مسارها.
آفاق رحبة
العقيد محمد حيدر السياغي في حديث لـ»الميثاق« يقول إن 26 سبتمبر نقلت اليمنيون الى آفاق رحبة ووسعت دائرة الاهتمام بقضايا كثيرة وكانت نقطة تحول كبرى وفق أعلى المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لقد نقلت ثورة 26 سبتمبر اليمن الى مرحلة جديدة من النور والضياء بعد أن كانت غارقة في الظلام..
ويضيف العقيد السياغي: بعد نجاح الثورة اليمنية تشكلت نواة الجيش اليمني من كل مناطق اليمن وبدأ الجميع يشعر بأن الوطن هو الجامع الوحيد لهم بعد أن كانت الأسرة ممثلاً بالحاكم هي كل شيء وتجمع كل السلطات بيده لا أحد ينكر التحول الكبير الذي أحدثته ثورة سبتمبر والمنجزات التي تحققت للشعب اليمني خصوصاص في مجال التعليم والصحة وغيرها.. وأن الجيل الحالي الذي يتواجد فيه الطالب في المدرسة والجامعة والمعهد وغيره من مجالات التعليم هو ثمرة من ثمار هذا المنجز المهم الذي غير وجه الوطن ونقله الى مستويات كبرى.
الإصرار على الظلم
ترى الأستاذ بشرى الشامي: أن ثورة الـ26 من سبتمبر نقلت اليمنيين الى حقبة زمنية مغايرة بفضل البسالة والشجاعة التي أبدوها الشرفاء من ابناء هذه الأمة.. وتضيف لقد بات اليمنيون على يقين أن الأئمة لن يستجيبوا لدعوات الاصلاح والنصح وكان الضباط الأحرار يرجون من حكم الامام عقلاً راجحاً يمكن أن يحقق بعض المطالب ولكن هيهات فقد أصر الحاكم الظالم أن يسعى لحتفه بنفسه وبقت اشعار الزبيري والموشكي وغيرهم من الشعراء كلمات تضج مضجع الإمام أحمد خصوصاً وأن المثقفين على قلتهم في تلك الأيام وبعد أن زار بعضهم بلدان أخرى وشاهدوا التقدم الذي وصلت اليه تلك البلدان تعززت فكرة الثورة أكثر فأكثر فعادوا يحملون فكرة القضاء على الجهل والظلام الذي خيم على بلادهم فترة من الزمن.
اجحاف وظلم
أما الأخ علي الجبالي فيدلي برأيه باقتضاب قائلاً »سبتمبر كان أشبه بحلم لليمن واليمنيين في أن يتم القضاء على الإمام واعوانه لما له من سطوة وما عرف عنه من ظلم واجحاف لرعيته ولعل التاريخ شاهد على الكثير من فصول هذه المآسي التي كانت ترتكب بحق الشعب اليمني اليوم ونحن نحتفل بثورة سبتمبر يجب أن تستلهم الأجيال مآثر المناضلين وأن يكونوا لهم قدوة وأن لولاهم لما كنا في المدارس والجامعات.
ثورة شعبية
وأخيراً يقول الكاتب السياسي الأستاذ عبدالجبار الحاج في هذا الصدد: ليست الثورة »الجمهورية« مجرد تؤل فيها السلطة الى غير بيت الحكم السابق ولا ضير بل من المفيد الاقرار بأن ما جرى مساء الأربعاء 25 وصبيحة الخميس 26 سبتمبر من العام 1962م من انها ثورة شعبية خاض فيها الشعب حرب السنوات السبع وقدم تضحيات من أجل النصر في مواجهة من النصوص والخطاب التآمري بخطأ أطروحات السلام والمصالحة والجمهورية الاسلامية في الخطاب »الجمهوملكي« وشعارات زائفة نحو وأد ثورة 26 سبتمبر وتصفية الثوار فقد كانت الحرب الدائرة منذ 1962م وحتى فبراير وامتدادها الجانبية حتى مارس هي حرب ثورية نحو التغيير الجذري وحرب وطنية ضد الرجعيات العربية والغرب الاستعماري كان بزعامة أمريكا وبريطانيا وفرنسا أو بقيادة وتمويل السعودية ولم تكن اسرائيل بعيدة بحكم التحالف الرجعي الصهيوني الامبريالي، لقد ظل خصوم الثورة يراهنون على السعودية من صناعة سلام وهي »مؤتمرات عمران وخمر« هدفها الرئيسي وأد الثورة وافراغ الجمهورية ودشنوا باسم السلام وايقاف الحرب اهدار كل التضحيات وتدشين مرحلة التعبئة لكن في الأخير انتصرت الثورة.
|