أحمد الزبيري - عداء نظام بني سعود التاريخي لليمن وطناً وشعباً واطماعه في السيطرة على موقعه الاستراتيجي ومناطق الثروة يعرفه تقريباً كل اليمنيين بمن فيهم أولئك الذين سلَّموا اليمن له ويقاتلون لتحقيق أهدافه مدفوعين بأوهام أن السعودية والامارات ومن يقف وراءهما سيجعلونهم وكلاء لهم لاخضاع الشعب اليمني لهيمنتهم غير مدركين أن الزمن قد تغير وبالتالي المخططات والمشاريع.. هذا هو السياق الذي يأتي فيه عدوان التحالف السعودي الوحشي المستمر للعام الرابع على التوالي.
واضح أن الهدف الرئيسي لهذه الحرب التي تشن على الشعب اليمني بصورة اجرامية هو السيطرة على الموقع الاستراتيجي في البحرين العربي والأحمر، من محافظة المهرة على حدود عمان وحتى حدود السعودية، وتعد عدن وباب المندب المناطق المطلة على الممر المائي الأكثر أهمية في العالم والممتد من المخا وحتى عدن ولن يتحقق هدفهم الا بالسيطرة على الميناء الرئيسي في البحر الأحمر -مدينة الحديدة- لخنق المناطق الجبلية التي تاريخياً تشكل الحاضنة للمقاومة اليمنية لأي غزو خارجي وهي كذلك اليوم، وبالتالي اخضاعها وتحويلها باتجاه الصراعات الداخلية في مناطق الكثافة السكانية الشمالية والوسطى والجنوبية والتي يُخشى منها أن تعي اهداف الغزو والاحتلال وتتحد لمواجهة العدوان وتحرير الأرض اليمنية منه كما حصل مع القوى الاستعمارية عبر التاريخ.
بهذا المعنى يمكن اعتبار معركة الحديدة مفصلية في هذه الحرب العدوانية الوحشية القذرة ضد الشعب اليمني.
الجيش واللجان الشعبية المدافعون عن سيادة ووحدة استقلال اليمن يخوضون معركة ملحمية اسطورية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها بالنظر الى حجم فارق القوة الهائلة لتحالف العدوان وطبيعته الاجرامية التي تجاوزت إرهاب داعش في توحشها والتي يريدها تحالف العدوان تعويضاً لخسارة مشاريعه التدميرية في العراق وسوريا وميادين اخرى ولم يبقَ لهم ساحة ممكنة لابقاء تلك المشاريع حية إلا ساحة اليمن الذي استطاعوا ابقاء العدوان عليه مبرراً بذريعة »شرعية« صنعوها ومنحوها الاعتراف الدولي تارةً بدعوى محاربة ايران أو الوجود الايراني في اليمن ناهيك عن عناوين انقاذ اليمن من عودة النظام الملكي وما يسمونه اعادة الأمل.. و.. و.. الخ، وجميعها كاذبة، والحقيقة هي السيطرة والهيمنة والاحتلال لموقع اليمن الاستراتيجي ومناطق الثروة.. في هذا المنحى يأتي التركيز على مأرب والجوف وشبوة وحضرموت، ولم تحظ مناطق ابين ولحج الداخلية بذات الاهتمام الذي تحظى به مناطق الساحل والثروة اضافة طبعاً الى صعدة بموقعها الحدودي ودوره الأساسي في مقاومة هذا المشروع، وهكذا يكون الأمر للمناطق الداخلية في الشمال والجنوب والتي ستكون مناطق صراع بين اليمنيين تحت شعارات ودعوات مناطقية وطائفية ومذهبية مدعومة من تحالف العدوان على رأسهم السعودية ودويلة الامارات ومن خلفهما بالطبع امريكا وبريطانيا واسرائيل اذا ما نظرنا الى هذه الحرب العدوانية بأفقها الواسع المتلازم مع الحروب التي شهدتها المنطقة العربية في العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين وسنوات العقد الثاني الذي يشارف على الانتهاء وبفضاء أوسع اذا ما ربطنا ما يجري بالمحاور الدولية وصراعاتها على النفوذ والمصالح والتي يشكل الشرق الأوسط فيها حجر الزاوية المحدد لمصلحة أي من تلك الأطراف الدولية.. الاشارة الى هذا كله هدفه فهم أعمق لحقيقة الحرب العدوانية على اليمن والتي توشك على انهاء عامها الرابع وتصعيدها في كل جبهات التصدي لهذا العدوان ومرتزقته وفي القلب تصعيد الهجوم على الحديدة الذي بُدئ منذ شهور لكنه انكسر وهزم في كل المحاولات السابقة.
والمختلف في الهجوم الأخير أنه جاء بعد احاديث المبعوث الدولي البريطاني جريفيث عن الحل السياسي وضرورته بل تحدث عن بناء الثقة التي اتفق عليها مع اطراف العدوان وحكومة شرعية فنادق الرياض وحكومة الانقاذ في صنعاء والاطراف السياسية المكونة لها، لا بل ذهبت الأمور بعيداً بتصريحات قادة ووزراء دول غربية كبرى بريطانيين وفرنسيين وأمريكيين وآخرها تصريح وزير الدفاع الأمريكي مايتس الذي دعا فيه الى وقف الحرب في اليمن فوراً والجلوس الى طاولة الحوار ليس بين اليمنيين وبين دول تحالف العدوان واليمن فحسب، ويعني السعودية والامارات، بالطبع ألمح في حديثه عن الحل السياسي الى حكم ذاتي وركز كما هي عادة المسئولين الأمريكيين والغربيين على اطلاق الصواريخ على السعودية والامارات من اليمن، وعلى نفس المنوال تحدث وزير الخارجية الأمريكي بومبيو وصدرت بيانات وزارة الخارجية الأمريكية حتى وصلت الأمور الى انعقاد مجلس الأمن الدولي وتقديم مشروع لوقف الحرب والذهاب الى حل سياسي ولكنه أُفشل ولم يجر الحديث عنه كثيراً لأنه لم يكن جدياً وإنما يأتي في سياق ذر الرماد في العيون على الرأي العام العالمي والتغطية على التصعيد العسكري غير المسبوق لاحتلال الحديدة.. والأسوأ أن الحديث عن الوضع الانساني في اليمن هو الأكثر انحطاطاً وسقوطاً للمنظومة الغربية والدولية سياسياً وقانونياً واخلاقياً.
لم نصل بعد الى الحقيقة التي عليها الولايات الأمريكية الترامبية التي لا تجيد الا المساومة والابتزاز لعقد الصفقات مع أكثر الأنظمة استبدادية ورجعية وتخلفاً بل والأكثر توحشاً وارهاباً في التاريخ البشري فالادارات الأمريكية السابقة كانت مقابل مليارات المال النفطي تحمي النظام السعودي والخليجي اضافة لتمويل مشاريعها التدميرية في المنطقة دون الحديث عن هذه العلاقة الحميمية، أما ترامب فحميته الحميمية يعلن عنها بشكل وقح تعكس معرفته بالأسرة السعودية التي لاشك بدون الحماية الأمريكية لن تستمر أياماً وربما ساعات، لهذا عليها أن تدفع.. ترامب لم يقل للعالم ما هي العملية السرية التي طلب منه سلمان وابنه المساعدة فيها والتغطية عليها والتي جاء الكلام عنها في خطاباته في الانتخابات النصفية للكونجرس وطلب مقابل ذلك مبلغ اربعة مليارات دولار.. لا أحد يعرف ما هي هذه العملية السرية؟! ربما تكون التغطية على مقتل خاشقجي أو التخطيط الذي شارك فيه بالرياض ضباط أمريكيون رفيعو المستوى لتصعيد الحرب العدوانية القذرة على اليمن وخاصة في الساحل الغربي والهجوم على الحديدة والتغطية على الجرائم التي سترتكب ضد اطفال ونساء وشيوخ اليمن الأبرياء.. على ما يبدو أن الديمقراطية تسمح لترامب بالحديث عن الاموال التي يجنيها من تلك العمليات السرية التي يذهب ضحيتها الأبرياء بصواريخ ومناشير أمريكا التي يقطّع بها بنو سعود اجساد ضحاياهم ليسهل اذابتها بالاحماض ورميها في مراحيض مقراتهم الدبلوماسية في تركيا وربما في كثير من دول العالم، أو قتل اطفال اليمن بالطائرات والصواريخ والقنابل الأمريكية وبدم إرهابي داعشي وهابي بارد، ماداموا يدفعون لأمريكا ورئيسها المال المطلوب.
رئيس الدولة العظمى والقطب الأوحد والديمقراطية الأولى قال للعالم إن هناك عملية وحشية سرية يريد ان يقوم بها »خادم الحرمين« وابنه وقال إن الثمن الذي ينبغي أن تدفعه السعودية هو أربعة مليارات دولار وموافقة النظام السعودي على دفعها لكن الديمقراطية الأمريكية تعطيه الحق في عدم الحديث عن هذه العملية خاصة وانها كما هو واضح اجرامية وحشية وإلا لماذا يطلب بنو سعود المساعدة والحماية الأمريكية؟!
بعد هذا كله لم يفهم أولئك اليمنيون الذين يقاتلون كجيش من المرتزقة لبني سعود وزايد ان الحرب على اليمن هي لاحتلاله وتدميره وابادة ابنائه بدون استثناء.. ألم يفهم أولئك حتى من احتلال قوات الغزو السعودي لمحافظة المهرة، والامارات لجزيرة سقطرى اللتين لا يوجد أي مبرر لوجود القوات السعودية والاماراتية فيهما.
نقول لأولئك المرتزقة اليمنيين من الجنوب والشمال الذين يشكلون -مع المرتزقة السودانيين والسنغاليين وغيرهم- الجيش البري الذي يدافع عن بني سعود في الحدود ويحتل لهم ولابناء زايد الساحل اليمني وبهم يقتلون ابناء المهرة وحضرموت وعدن والحديدة وصعدة وحجة.. انهم يقتلون ليس ابناء اليمن في هذه المحافظات فحسب بل وانفسهم واجيالهم القادمة.. إنْ لم يفهموا بعد هذا كله ان جهلهم واحقادهم اعمتهم عن ادراك انهم يرتكبون اعظم واخطر الجرائم واشنعها بحق انفسهم ووطنهم.. انهم يدمرون اليمن ويمزقونه.. انهم يقتلون حاضره ومستقبله.. وجريمة كهذه لا يمحى عارها أبداً.. ألا يكفي هذا يا قوم لتعودوا الى صوابكم ورشدكم.. ألم تعوا بعد؟!
أخيراً الحديدة معركة مفصلية في هذا العدوان الوحشي، لكنها ليست النهاية.
|