أحمد الزبيري - هزيمة مشروع الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط للهيمنة على العالم وتحقيق حلم جعل القرن الحادي والعشرين قرنا امريكيا بامتياز باتت واضحة ولم تنفع كل الدماء التي سفكتها في هذه المنطقة وبعد مايقارب ثلاثين عاما في محاولة إحداث تغيير جيوسياسي يؤمن اسرائيل والسيطرة على النفط عاشت افغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن مآسيه وعلى نحو متفاوت كل دول هذه المنطقة باستثناء اسرائيل..
امريكا تنسحب من الشرق الاوسط لان الخسائر أكثر من الارباح مخلفة كوارث من الدمار والدماء والخراب لتعود من جديد لترتيب حديقتها الخلفية بعدما تراجعت عن ادوارها فيها لما كان يعتقد اهم في تحقيق الاحادية القطبية ولزمن مديد.
المقصود في هذه العودة بكل تأكيد امريكا الجنوبية والبداية من التمرد على الهيمنة الامريكية المتجسد في الدولة الاكبر في امتلاكها احتياطياً نفطياً فنزويلا ومنها اعادة ترتيب بقية دول امريكا اللاتينية خصوصا تلك التي استغلت انشغال امريكا بطموح السيطرة الامبراطورية الكونية لتحقق استقلالها واستقرارها بعيدا عن تلك الهيمنة..
التوجه الامريكي الجديد جعل الرعب يدب في قلوب الانظمة التابعة لها في منطقتنا العربية والتي آمن قادتها بأن الحماية الامريكية لها حقيقة غير قابلة للزوال والتراجع لتجد نفسها في حالة تخبط وهي تشاهد قرارات ترامب في الانسحاب من سوريا ومفاوضة حركة طالبان للانسحاب من افغانستان والدفع بهذه الانظمة الى صيغة تحالف جديد مع ايران واسرائيل تحت تسميات براقة كتسمية ناتو عربي ناتو شرق اوسطي يضع ايران عدوا رئيسيا له والذي سيعقد في عاصمة بولاندا ولا ندري لماذا لم ينعقد في الرياض أو القاهرة أو ابوظبي أوغيرها من العواصم التي ارتبطت بالمشروع والاستراتيجية الامريكية المهزومة في المنطقة.
الحلف الجديد اكثر مما يُطمئن تلك الدول يضاعف الخوف لديها من مصيرها المستقبلي لاسيما وان انخراطها وبقوة في مشاريع الهيمنة الامريكية قد خلف لها اعداء كثراً..إضافة الى ان العدو الرئيسي لهذا الحلف على نحو معلن حولته الحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية الخفية في الماضي الى قوة اقليمية قوية وتكاد تكون هي المنتصرة في ضوء التبدلات والمتغيرات التي تحمل تحولات كبرى على الصعيد الدولي ..والاسوأ ان امريكا وهي تجرجر اذيال الهزيمة تكلفهم بمشاريع قد تؤدي الى نهاية عروش هذه الانظمة ونعني هنا صفقة القرن ومواجهة ايران وربما تركيا التي هي ايضا صاحبة مشروع يتناقض مع الادوار التي ستقوم بها هذه الانظمة..
صحيح ان نتائج تداعيات الانسحاب الامريكي من المنطقة لن تتحقق بين عشية وضحاها لكنها ستأخذ منحى دراماتيكيا غير متوقع ومسبوق..
وهنا لانحتاج الى تنبيه واجهتي تحالف العدوان على اليمن- السعودية والامارات - أن استمرارهما فيه وعلى النحو الذي اراد ان يتحول الى قوى وكيلة رئيسية لامريكا في المنطقة لم يعد يحمل هذا المعنى وسيكون لمثل هذا التوجه نتائجه السلبية وربما الكارثية إن لم يدركا مسارات المتغيرات وما يمكن ان تؤدي اليه احلافهما ومشاريعهما من تدمير عليهما..
وبالتالي فان على دول تحالف العدوان السعودي الاماراتي على اليمن التوجه الى السلام بجدية مادامت هناك فسحة من الوقت امامها ..
وبالرجوع الى التدخل الامريكي السافر في فنزويلا وقدرة النظام في هذا البلد على امتصاص الهجمة الامريكية في بدايتها والمتمثلة في الانقلاب الذي خطط جيدا ليكون غير تقليدي يضع الادارة الامريكية امام حقيقة ان امريكا اللاتينية لم تعد كما كانت في ستينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي "جمهوريات موز" تعبث فيها امريكا كما تشاء..وهذه رسالة اخرى للانظمة التابعة لامريكا في منطقتنا لتتدارك مايمكن تداركه في مواقفها وتوجهاتها المدمرة لبلدانها والمستنزفة لثروات شعوبها..
مانخلص اليه ان زمن امريكا كقطب اوحد في طريقه الى التلاشي والاتجاه نحو عالم متعدد الاقطاب صار حقيقة واقعة تفرض على كل الانظمة التي لاتزال تحتمي تحت المظلة الامريكية ان تراجع حساباتها وتعيد قراءاتها في ضوء بروز التنين الصيني واستعادة الدب الروسي تأثيره العالمي، وادراك اوروبا ان امريكا ستتوارى من جديد خلف المحيط لتجد لها مكانة في هذا العالم متعدد الاقطاب..فالفرصة مازالت سانحة وعلى تلك الدول التقاطها من خلال التوجه نحو التفاهم لحل مشاكلها مع الآخرين عبر الحوار المؤدي الى استعادة السلام والاستقرار في منطقتنا بمعناها الواسع.
|