إبراهيم ناصر الجرفي - بدايةً من المعلوم أن المؤتمر الشعبي العام ، تأسس في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، برعاية المؤسس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ، وكان حينها رئيساً للجمهورية العربية اليمنية ، قبل الوحدة ، ونشأ المؤتمر على قيم ومبادئ الوسطية الدينية والفكرية والسياسية ، وبهذا النهج الوسطي ، ابتعد المؤتمر كثيراً عن الأفكار اليسارية اللادينية ، وفي نفس الوقت ابتعد عن الأفكار اليمينية الدينية المتطرفة والمتشددة ..
ونظراً لأن مؤسس المؤتمر كان رئيساً للجمهورية ، فإن هذا الحزب قد ترعرع في أحضان السلطة ، وكان لذلك الكثير من المردودات السلبية عليه ، حيث إلتف حوله أصحاب المصالح ، وأصحاب النفوذ ، وأصحاب الشرائح المتعددة ، بحثاً عن مصالحهم ، وبحثاً عن الاحتفاظ بنفوذهم ، وبحثاً عن الجاه والسلطان ، بمعنى أن انتماءهم للمؤتمر كان انتماءً مصلحياً ونفعياً ومادياً وسلطوياً ، ولم يكن انتماءً مؤسسياً ، وعقائدياً ، وفكرياً ..
ورغم الزخم الكبير الذي ساهمت به السلطة ، في مسيرة المؤتمر ، خلال فترة حكمه الممتدة لثلاثة وثلاثين عام ، إلا أن الكثير من المراقبين كانوا يتوقعون بأن عقد المؤتمر سوف ينفرط ، بمجرد خروجه من السلطة ، أو بمجرد رحيل مؤسسه الزعيم الشهيد الصالح ، لأن المؤتمر من وجهة نظرهم ، هو حزب سلطة ، وفي أحسن الأحوال حزب شخصي ، وبمجرد فقدانه للسلطة ، أو رحيل شخص مؤسسه ، سوف ينفرط عقده ، ويتلاشى وجوده ..
وفي حقيقة الأمر تحليلاتهم لم تذهب بعيداً ، فهذا هو حال أحزاب السلطة ، وحال أحزاب الأشخاص ، لكن الذي لم يدخل ضمن حساباتهم ، بأن هناك جيلاً كاملاً من كوادر وأعضاء حزب المؤتمر ، والذين يمثلون القاعدة الشعبية لهذا الحزب ، قد تربوا ونشأوا على منهجيته الفكرية والسياسية الوسطية ، والتحقوا بركاب مسيرته الخالدة والرائدة ، وبداخلهم قناعات تطاول الجبال ، بصوابية المنهج ، وعدالة القضية ، ورقي الفكر ، وسمو الأهداف والغايات ، التي ينشدها حزبهم الوطني الوسطي الرائد ، كيف لا ، وهو يحمل مشروعاً وطنياً ، عروبياً ، سلمياً ، حضارياً ، جاء كخلاصة للفكر اليمني ، وللتجربة الحضارية لشعب عريق وأصيل ، فالحضارة ، والسمو ، والعزة ، والكرامة ، والشموخ ، تجري في عروق أبنائه ..
ولم يكن في حسابات المراقبين أيضاً ، أن هذا الجيل المؤتمري ، قد أضحت منهجية المؤتمر الفكرية والسياسية ، منهج حياة بالنسبة لهم ، يرون العالم من خلاله ، ويتعاملون مع الآخر من خلاله ، ويتعاملون مع كل المتغيرات والمستجدات من خلاله ، وقد أضحى مؤسس الحزب الزعيم الشهيد الصالح ، بالنسبة لهم رمزاً من رموز الوطن ، وعلماً من أعلام العزة والكرامة والسيادة ، ورائداً من رواد النهضة والتقدم والتطور ، وقائداً عظيماً خلد أسمه في أنصع صفحات التاريخ ، بمنجزاته العملاقة ، ومآثره الخالدة ، وحبه الكبير والصادق لشعبه ، وانتمائه العميق لحضارته ، وارتباطه الوثيق بدينه وعروبته ، وبكل شيء جميل في هذا الوطن ..
وبالفعل وبحسب توقعات المراقبين ، فقد تعرضت سفينة المؤتمر ، للعواصف العاتية والقاسية ، بعد خروجه من السلطة بشكل جزئي بعد نكبة فبراير 2011 م ، وبشكل نهائي بعد سبتمبر 2014 م ، ولكنها تجاوزتها ، رغم أن الكثير من أصحاب المصالح ، وأصحاب النفوذ ، وأصحاب الشرائح المتعددة ، خلال تلك العواصف ، قد قفزوا من فوق سفينة المؤتمر ، بحثاً عن مصالحهم ، وحفاظاً على نفوذهم ، فهذا هو ديدينهم ، وهذا هو منهجهم ، أينما كانت المصالح ذهبوا بعدها ، فالبحث عن المال ، والسلطة ، والنفوذ ، هو هدفهم الوحيد في هذه الحياة ..
وفي الرابع من ديسمبر ، أبى الأحرار من قيادات المؤتمر ، وعلى رأسهم الشهيد الزعيم الصالح ، والأمين العام الشهيد عارف الزوكا ، إلا نيل الشهادة ، والالتحاق بركب العظماء والأحرار والشهداء ، وكانت تلك الصدمة القاسية ، والعاصفة العاتية ، التي كانت كفيلة بإغراق سفينة المؤتمر ، كون المؤامرات الكثيرة عليها ، كانت كفيلة بإغراق أي سفينة ..
وبالفعل ظن أصحاب المشاريع الصغيرة ، وأصحاب المشاريع المستوردة ، ومن يقف خلفهم ، أن المؤتمر في طريقه نحو الانفراط والتلاشي ، وكل طرف بدأ يعد العدة ، لأخذ نصيبه من تركة المؤتمر ، وبدأ كل طرف يحد شفرات سكاكينه لينهش في جسده المنهك والمثقل بالجراح ، والموجع لفراق قائده وزعيمه ، وبدأ كل طرف وبكل مكر وحقد يرمق سفينة المؤتمر ، والعواصف العاتية تضربها من كل مكان ، في انتظار لحظة غرقها ..
وكانت تلك هي اللحظة الحاسمة ، والمفاجأة السعيدة ، لأن سفينة المؤتمر لم تغرق بفضل الله تعالى ، ثم بفضل القاعدة الشعبية الوفية لهذا الحزب ، والذي غرق هو من كان لا يزال راكباً فوق سفينة المؤتمر من أصحاب المصالح والنفوذ والشرائح المتعددة ، حيث غرقوا في بحر التآمر والخيانة ، ليتبقى فوق سفينة المؤتمر فقط الشرفاء والأحرار من قيادات وكوادر وأعضاء المؤتمر ، ورغم تساقط كل تلك القيادات ، إلا أن القاعدة الشعبية الصلبة لحزب المؤتمر ، وغالبيتها من أوساط المواطنين البسطاء ، صمدت في وجه العواصف والمؤامرات ، لتتجاوز سفينة المؤتمر كل ذلك ، رغم الأضرار التي لحقت بها ..
وها هم الشرفاء ممن صمدوا من قيادات وأعضاء المؤتمر الأحرار ، يصلحون ما أفسد الدهر ، ويرممون سفينتهم ، ويعيدون ترتيب صفوفهم ، استعداداً للإبحار بسفينتهم وسفينة الوطن نحو مرافئ الأمان ، متحدين كل الصعاب والمحن ، آخذين العظة والعبرة من الدروس القاسية التي تلقوها مؤخراً ..
ختاماً .. أطمئن كل الأحرار والشرفاء من أعضاء وكوادر المؤتمر ، القاعدة الشعبية الصلبة ، التي تحطمت عليها كل المؤامرات ، وواجهت كل العواصف بكل جدارة وقوة ، وكانت ولا تزال وستظل الدرع الكفيل بحماية سفينة المؤتمر في كل الظروف والأحوال ، أطمئنكم جميعاً ، حزبكم اليوم أقوى من أي وقتٍ مضى ، كيف لا وهو يستمد القوة منكم ، وحزب يمتلك قاعدة شعبية عريضة ، يتزاحم بين صفوفها الأحرار والشرفاء أمثالكم ، لن ينفرط عقده ، ولن تغرق سفينته بإذن الله ، كما أطمنكم بأن سفينة حزبكم لم يتبقى فوقها سوى الشرفاء والأحرار ، ولن يعتليها في قادم الأيام سوى الأحرار والشرفاء ، وكل ما عليكم هو أن ترفعوا رؤوسكم عالياً ، وتفتخروا بحزبكم الوطني الرائد ، وعليكم الاستمرار في تحمل مسئولياتكم الوطنية والأخلاقية تجاه ربكم ، وشعبكم ، ووطنكم ، وأمتكم ، وتاريخكم ، وحضارتكم ، وإنسانيتكم ، وعليكم أن تتسلحوا بالصبر والمثابرة والطموح وحب الوطن ..
طبعاً ما أكتبه ليس من وحي الخيال ، ولا مجرد أماني ، بل هو نتاج ما أقرأه من خلال استطلاعي للرأي العام ، ومن خلال مشاهدتي لحالة الإلتفاف الجماهيري حول المؤتمر .
|