د. طارق المنصوب -
❊ لقد سبق وان اشرت في الندوة التي احتضنتها »جامعة إب« الشهر الماضي وبعد دراسة قانونية ومتأنية و»مقارنة للنظامين الرئاسي والبرلماني«، وتطبيقاتهما المعاصرة- إلى حقيقة مفادها أن أصل الخلاف الذي يجري اليوم بين السلطة والمعارضة في مجتمعنا اليمني، وبين أنصار ومؤيدي الجانبين، ومهما حاول البعض صبغة وتلوينه بتلاوين حزبية وانفصالية ومطلبية، يفترض أن يدور حول كيفية تطبيق أيٍّ من النظامين السياسيين »النظام الرئاسي أو النظام البرلماني«، تنفيذاً للوعود الانتخابية لمرشح المؤتمر ومرشح اللقاء المشترك، وحول الوسائل الكفيلة بتأمين تنفيذ »الثوابت« أو المبادئ الديمقراطية في الحكم بشكل عام، وأنه ليس هناك- بحسب تصريحات البعض- خلاف أو اختلاف حول المبادئ نفسها أو ما نطلق عليه مسمى »الثوابت«، وهذه الإشارة مهمة للجميع، في بيان أن نقاط الاختلاف بين السلطة والمعارضة بالإمكان أن تتقلص عند هذه الحدود الدنيا، وكان يفترض أن يفتح ذلك الفهم للمبادرة الباب واسعاً أمام حوارٍ بناءٍ ومسئول بين السلطة والمعارضة، على الرغم من الرفض المستمر لأطراف اللقاء المشترك الجلوس إلى طاولة الحوار البناء والمسئول..
وعلى قاعدة الأصلح لمجتمعنا اليمني، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، واجترار الماضي ونكأ الجراح.وكنت- وعلى الرغم من رفض العديد من المنتمين لأحزاب اللقاء المشترك من المثقفين والمتخصصين حضور الندوات العلمية أو النقاش العلمي حول بنود المبادرة، بذريعة ان النقاشات حولها لن يغير من واقع أنها أصبحت نصوصاً دستورية جاهزة لعرضها على مجلسي النواب والشورى-، ومازلت أتوسم الخير في وجود قوى وطنية عاقلة داخل أحزاب اللقاء المشترك عندما اشرت إلى تلك الأمور، وأؤمن بضرورة أن يكون النقاش حولها قانونياً وعلمياً وفكرياً، وأن لايتحول إلى جدالٍ وسجالٍ ينتمي إلى مجال السجال السياسي بنية تعظيم المكاسب وتحقيق الفوز وتجنب الخسارة، ووجوب حث جميع ممثلي القوى السياسية اليمنية ومفكريها على الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض السياسي، وفتح الباب أمام مشاركتها في الحوار السياسي لأجل ضمان جدية التعديلات الدستورية، لدراسة مختلف النقاط التي تضمنتها مبادرة التعديلات، والتعامل معها بروح إيجابية، وتغليب المصلحة الوطنية على ما عداها من المصالح الفئوية والحزبية والشخصية والمناطقية، وغيرها من المصالح الضيقة الأفق.ولم أكن يوماً أعتقد بوجود أية مشكلة في اعتراف الأحزاب السياسية اليمنية المتحاورة بمبدأ الاختلاف أو تعدد الآراء المثمر والإيجابي، بل إن التعددية السياسية- التي يقوم عليها نظامنا السياسي، والمقرة بنص دستوري واضح في إطار المادة (5) تقوم على أساس الاعتراف بحق الاختلاف في الرأي حول القضايا والموضوعات السياسية، شريطة أن لايمس كل ذلك بثوابتنا الوطنية والمتمثلة في: (1) الشريعة الإسلامية بوصفها أساس النظام السياسي اليمني، ومصدراً رئىسياً لجميع التشريعات في المجتمع اليمني، (2) النظام الجمهوري، (3) الوحدة الوطنية، (4) نظم الانتخابات الحرة التي تكفل المواطنة المتساوية، على أساس التعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان، (5) السيادة أو التمثيل الشعبي، بوصفه الأساس لشرعية انتخاب جميع الهيئات التمثيلية في المستويين المحلي والمركزي، (6) التداول السلمي للسلطة.
وبمرور الأيام ازددت إيماناً وقناعة بضرورة تبني نص دستوري صريح ضمن التعديلات المقترحة من فخامة الأخ الرئيس تضمن بقاء تلك الأسس ضمن القضايا التي لايجوز الاتفاق مستقبلاً على خلافها أو تعديلها، على أساس أنها صارت من القضايا الأكثر إلحاحاً، بالنظر إلى المتغيرات والأحداث التي شهدها مجتمعنا اليمني خلال الأيام الماضية، والتي دفعت البعض إلى التطاول على بعض الثوابت التي كنا نعتقد- ومازلنا- أنها من الأمور التي لم تعد محلاً للنقاش، وأنها محصنة بإرادة شعبية تأبى كل مظاهر الانفصال والتجزؤ.ومع هذه القناعة الراسخةخ لايكفي- برأيي المستند إلى خبرة تدريسية متواضعة للقانون الدستوري اليمني- صدور قانون أياً كانت درجته لمنع المساس بها، ومعاقبة كل من تسول له نفسه الإساءة إلى النضال التاريخي لشعبنا اليمني في سبيل تحقيق الثورة ونيل الاستقلال، وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، وصولاً إلى الاعتراف بحق الشعب اليمني في ممارسة العمل السياسي في ظل التعددية الحزبية والديمقراطية، بل يجب النص عليها دستورياً، وهذا مقترح أضعه بين أيدي المهتمين، بوصفها مجموعة من الثوابت التي لايجوز أن يطالها التعديل أو التغيير أو الإلغاء، وعلى أن يتم الاستفتاء الشعبي على هذا التعديل.
ولن نكون متفردين بهذا الإجراء أو مخالفين لما هو سائد بين النظم السياسية الحديثة، كما يزعم بعض محللينا وكُتابنا بدون معرفة قانونية تامة ويقين كافٍ وبغير بينة واضحة، بل سنكون مقتدين ببعض التجارب الدستورية العريقة والحديثة، الغربية منها والعربية، التي تمنع المساس بثوابت النظام السياسي، كما هو الحال في »فرنسا« والعديد من النظم السياسية والدستورية الديمقراطية الأخرى، التي لم يمنعها الأخذ بالنظام الديقمراطي الليبرالي من استثناء بعض القضايا تقديراً للسجل النضالي لشعوب تلك البلدان، وعدها من الثوابت التي لايجوز بتاتاً الاتفاق على خلافها، بما يضمن استقرار الحياة السياسية، ويكفل تضييق مساحات الخلاف والصراع بين الأطراف السياسية المختلفة، وحماية المنجزات والمكاسب التي تحققت للشعوب.
❊ أستاذ العلوم السياسية المساعد-
جامعة إب