د. محمد الخامري - الرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني طيَّب الله ثراه يحكي مادار بينه وبين الزعيم جمال عبدالناصر حول تجار الحرب اليمنيين..
يقول القاضي في مذكراته رحمه الله:
التقيت بالرئيس جمال عبدالناصر للمرة الثانية بعد الثورة وعلى انفراد، وشرحت كل ما لديّ، *وقلت له من الضروري أن تعالج مشكلة اليمن مع السعودية بالتفاهم والطرق السلمية، وأنه إذا لم يتم ذلك فإن الحرب ستطول وتطول.
فقال لي الرئيس:
لا تتشاءم؛ فقد وصلتني جوابات من اليمن تقدر "الأسابيع" للتخليص على بعض الجيوب الباقية، كما جاءني جواب من "الغادر " يقول فيه: انه لم يخرج على الجمهورية إلا لكون رئيسها السلال، وهو لايرضى به، وطلب الأمان ليصل القاهرة، وإذا جاء ولم نتمكن من إقناعة بالسلال أقنعناه بالبقاء في "القاهرة".
قلت له (والحديث للقاضي الإرياني):
ياسيادة الرئيس، المثل يقول أهل مكة أدرى بشعابها، ونحن أخبر ببلادنا وتاريخ قبائلها، فما دام قد وجدوا من يدفع الذهب، وهو مالم يألفوه، ويأتي بالسلاح، وطمّعهم به أكثر من طمعهم بالمال، فإن الحرب ستطول، وعلينا أن نقدر لها السنين لا الأسابيع ولا الشهور..
وقلت له:
خذوا مثلاً على ذلك، لقد كان الإمام يحيى في مطلع العشرينيات على حرب مع الإمام محمد بن علي الإدريسي الذي كان يحكم جيزان وعسير والمخلاف السليماني، ويبسط نفوذه على الحديدة وما وراءها شمالا، وكانت القبائل اليمنية الشمالية هي التي تحارب في صفوف الإمام يحيى وفي صفوف الإمام الإدريسي، وكانوا يذهبون للحرب مع الإدريسي من أبواب الإمام يحيي، فإذا عُوتبوا لخروجهم على إمامهم قالوا هذا إمام المذهب (يعنون الإمام يحيى)، وذلك إمام الذهب (يقصدون الادريسي).
وكانوا متفقين على أن لايسمحوا بقيام معركة حاسمة لصالح أحد الجانبين المتحاربين، ويدعون الله أن ينصر الإمام نصف نصر، وينصر الإدريسي بالنصف الثاني؛ حتى تستمر الحرب ويدوم الارتزاق..!!
وقلت: إنهم يحترفون الحرب كمرتزقة، ومادام قد وجدوا من يمونهم بالمال والسلاح وهو من لايؤتى من قلة فإن الحرب ستطول، وإن شقاء اليمن سيستمر إلى أمد يعلمه الله..
فأجاب الرئيس جمال عبدالناصر:
ألم أقل لك لا تتشاءم، إن قواتنا قادرة على الحسم ووسائل الحسم متوافرة لديها.. لديها الدبابات والطائرات والمدافع المختلفة العيارات، لم تعد البندقية هي الوسيلة، وأنا أقدّر لإنهاء العملية والتخليص على الجيوب الباقية أربعين يوماً..!!
قلت له:
وأنا أدعو الله سبحانه أن يحقق أملكم، ومع ذلك أرجو أن تسجلوا لي هذا الموقف الذي وقفتُ فيه موقف الناصح الذي لايدفعه إلى النصيحة إلا حبه لوطنه وتقديره لجميلكم وعونكم، وقد تذكرون هذا الرأي المنبعث من الإخلاص والتقدير والصادر عن تقدير صحيح للأمور..
_______
مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني رحمه الله، الجزء الثاني 1962-1967م
|