يونس هــزاع حسان - الخطة أو الصفقة الكبرى التي أعلنها ترامب يوم الثلاثاء الـ28 من يناير في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض والى جانبه رئيس الوزراء الاسرائيلي ـ أقل ما يقال عنها ـ أنها كانت استفزازية سواءً من حيث الشكل »الطريقة التي تقدم بها ترامب، أو المضمون« حيث أظهرت الرئيس الأمريكي على أنه أكثر اسرائيلية، وأكثر تصهيناً من الاسرائيليين والصهاينة أنفسهم.. ومن الواضح أنه قد عمد الى ذلك ولم يكن عفوياً.. فلم تكن المسألة خطة سلام بقدر ما كانت رسالة انتخابية، وورقة سياسية لصالح ترامب ونتنياهو معاً.. أراد ترامب أن يحقق التفافاً لمؤيديه حوله، والتخلص من تداعيات المساءلة التي يتعرض لها في الكونجرس.. وكذلك الحال بالنسبة لنتنياهو الذي يمثل أمام القضاء الاسرائيلي في قضايا فساد.. في هذا التوقيت يقدم ترامب صفقته بعد ثلاث سنوات من الكتمان ليحشد التأييد له ولحليفه نتنياهو، ليستغل العاطفة الدينية لليهود والمسيحيين.. متبنياً أطروحات هي الاكثر تطرفاً من قبل اليمين الاسرائيلي المتطرف بقيادة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو..
كان واضحاً من ذلك الكم من عبارات الشكر والمديح التي وجهها ترامب لنتنياهو والممزوجة بلغة العيون والجسد من الشد على اليد الى المغازلة بالغمز بالعينين مراراً.. لقد كان بكل ذلك يعلن أبوته المشتركة لتلك الخطة المزعومة في غياب أي ممثل عن الفلسطينيين.. لقد أبدى فخره بتلك العلاقه مع نتنياهو لمساعدته في معركته السياسية ـ القضائية، وحشد التأييد لنفسه.. وكان يعلن بالفعل عن حملته الانتخابية أكثر من كونه يعلن عن مبادرة لتسوية النزاع في الشرق الأوسط.. طبعاً الخطة أو الصفقة قوبلت بالرفض من الفلسطينيين بكافة فصائلهم، أما الموقف العربي والدولي فقد تراوح بين التحفظ والرفض، والقبول بها كأساس للتفاوض المباشر وفقا للقرارات الدولية.. الموقف المصري هو الوحيد الذي دعا الى دراسة الخطة الأمريكية دراسة متأنية..
غالبية المحللين يعتبرون خطة ترامب محكومة بالفشل رغم تضاؤل خيارات الفلسطينيين لانها تصب بقوة في مصلحة اسرائيل، وتفرض شروطاً تعجيزية على ولادة دولة فلسطينية..لا شيء يدل على ان هذه الخطة يمكن أن تؤدي الى مفاوضات.. لقد هاجمت الهان عمر عضو الكونجرس الامريكي عن الحزب الديمقراطي الرئيس الامريكي ترامب.. وقالت إن خطته المزعومة للسلام في الشرق الأوسط ماكرة ومخزية ومناهضة للسلام.. وأضافت البرلمانية المسلمة من أصل صومالي :" كان بامكانهم جلب العدالة واتفاقية للسلام، ولكن بدلاً من ذلك قام ترامب ونتنياهو اللذان تحاصرهما الاتهامات بتقديم اتفاق سلام مخز ومخجل.. كما انتقد العديد من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الامريكي خطة ترامب.. وقالت السيناتورة اليزابيث وارن -التي تسعى للحصول على ترشيح الحزب للرئاسة- إن خطة ترامب لا تقدم أي مستقبل لدولة فلسطينية.
وبصرف النظر عن حركات الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي ـ النص كم ـ كما يسميها اخواننا المصرييين.. يمكن تلخيص ما قدمه الرئيس ترامب على أنه خطة في 10 نقاط:
1- اسرائيل واسرائيل أولاً (اظهار انطباعاته الايجابيه عن اسرائيل، والثناء والشكر لنتنياهو).
2- فلسطين : لقاؤه بالرئيس الفلسطيني في بيت لحم ثم في البيت الابيض،واظهار التعبير عن حزنه على وضع الفلسطينيين مشيراً، انهم وقعوا ضحية للارهاب.
3- تسويق الخطة أو الصفقة المزعومة على أنها متميزة عن غيرها ـ تحدث لأول مرة وأنها فرصة تاريخيةـ انجاز تاريخي مرتبط بفترة رئاسته للولايات المتحدة وادارته في البيت الأبيض.
4- الحديث عن آلية أمريكية اسرائيلية لتحويل هذه الرؤية الى خطة عمل.
5- التأكيد على أن القدس غير المقسّمة ستظل عاصمة لإسرائيل، وعلى أن الرؤية تضمن أمن دولة اسرائيل في كل المراحل.
6- حاول ترامب أن يبدو منصفاً للفلسطينيين بعد كل الانحياز الى اسرائيل الذي حرص على اظهاره في حديثه السابق واللاحق الى اسرائيل.. واصل ترامب حديثه مُقدماً عروضاً يعتبرها مغريةً وفرصاً تاريخية ينبغي عدم تفويتها..
7- مخاطبة الرئيس الفلسطيني..عروض مغرية تطمينات وعروض أكثر اغراءً للفلسطينيين.
8- الحديث عن التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في مواجهة التطرف والارهاب، والربط بين ذلك وبين أهمية الاهتمام بشريحة الشباب وايجاد فرص لهم في المنطقة.. والتذكير بانجازاته في محاربة الارهاب، وايران وقتل زعيم داعش أبوبكر البغدادي، وقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني.
9- مطالبة العالم الاسلامي بالاعتذار عما أسماها أخطاء تاريخية في مهاجمة دولة اسرائيل الجديدة منذ عام 1940م.
10- اظهار الدعم اللامحدود الذي تلقاه لانجاح خطته (ردود الأفعال التي أعقبت اعلانه للخطة أظهرت عدم مصداقية ادعاءاتها الى حد كبيرخاصةً على المستوى العربي والاسلامي، والى حدٍ ما على المستوى الدولي).. والمضي في استغلال العاطفة الدينية لليهود والمسيحيين، واظهار الحرص على أن تبقى الاماكن المقدسة ملاذاً للجميع، والتأكيد مرة أخرى أن شراكة أمريكا في المنطقة وتحالفه مع اسرائيل هو الافضل على الاطلاق.
اختتم ترامب كلمته بالتأكيد على ما يمتلكه من قدرات استثنائية في ابرام الصفقات.. وعلى أنه رجل الصفقات الأول في العالم..
النتائج المستخلصة من صفقة ترامب، وعلى ضوء الخريطة التي نشرها على حسابه في تويتر عقب اعلانه والتي تظهر الدولة الفلسطينية كما تعكسها تلك الخارطة كما لو أنها أرخبيل وسط المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967.. تلك النتائج تتمثل في :
أولاً: في الجانب الفلسطيني :
1- عاصمة دولة فلسطينية على منطقة في ضواحي القدس الشرقية (منطقة أبو ديس ـ مساحتها لا تتجاوز أربعة كيلو مترات مربعة).
2- كل ما هو خارج جدار الفصل العنصري في القدس أراضٍ فلسطينية.
3- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الكيان الاسرائيلي.
4- امكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين لاحقاً الى أراضي الدولة الفلسطينية.
5- اقامة صندوق لتعويض اللاجئين.
6- شق طرق وأنفاق للربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة في الدولة الفلسطينية.
7- وقف البناء في المستوطنات خلال فترة انتقالية (أربع سنوات) يتم خلالها التفاوض على اقامة الدولة الفلسطينية بعد الوفاء بالشروط الآتية:
* تفكيك سلاح حماس ومنظمة الجهاد الاسلامي.
* اعلان غزة منطقة منزوعة السلاح.
* التنازل عن حق عودة اللاجئين.
* الاعتراف بالحدود الجديدة لدولة اسرائيل.
* وقف دفع مخصصات مالية لاسر الشهداء والأسرى.
* وقف التحريض ضد اسرائيل في المناهج الدراسية الفلسطينية.
8- اقامة مشاريع في الدولة الفلسطينية بقيمة 50 مليار دولار بتمويل من دول الجوار (الدول الخليجية).
9- الحفاظ على الوضع القائم في المناطق المقدسة بالقدس الشرقية.
10- منح الفلسطينيين أراضي في صحراء النقب يتم ضمها الى الدولة الفلسطينية.
ثانياً في الجانب الاسرائيلي :
* مدينة القدس غير المقسمة عاصمة لاسرائيل.
* فرض السيادة على 30٪ من اراضي الضفة الغربية.
* إلزام الفلسطينيين بالعمل ضد الارهاب، ووقف التحريض ضد اسرائيل.
* إلزام الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية.
* لن يتم اخراج أي مستوطن من الضفة الغربية.
* الغاء الادارة العسكرية المفروضة على المستوطنين.
* إلغاء كل قيود البناء في المستوطنات لاحقاً.
بالاضافة الى ما ستقدمه امريكا لاسرائيل من مكاسب.. أهمها :
* تجديد الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.
* الموافقة على فرض السيادة على المستوطنات
* "فيتو" على كل قرار يتم تقديمه ضد اسرائيل في مجلس الامن الدولي.
|