عبدالوهاب الشرفي - تمر علينا ذكرى الوحدة واليمن يمر بأسوأ مراحله ، فهو في يجاوز الـ»26« عاما من السجال حول الوحدة وهو في اتون العام العاشر للصراع الداخلي والسادس من الحرب العدوانية التي يشنها التحالف السعودي داخل اراضيه .
من العام 1994 وملف الوحدة اليمنية هو اكبر الملفات السياسية المفتوحة في بلد ، ومع ان العنصر الجنوبي لم يغب يوما عن التوليفة الحكومية للحكومات المتعاقبة منذ ذلك العام الا ان غياب الحزب الاشتراكي اليمني عن الحضور بصفته الممثل الجنوبي في الوحدة اليمنية كان له بالغ الاثر في الاعتراف الجنوبي بالشراكة السياسية مع قوى الشمال ، فهذا الحال ترتب عليه خلو الساحة الجنوبية من ممثل رئيس وقوي للجنوب وبالتالي دخول قوى سياسية غير تقليدية على المشهد الجنوبي ظلت عالقة فيما بين حاجة الجنوب لممثل جامع وقوي بعد فقد الاشتراكي لهذا الحال وبين حاجة هذه المكونات نفسها لقبول الجنوب بها كممثل للجنوب .
رغم ان التركيبة الحاكمة لليمن شاركت فيها شخصيات جنوبية بما لايقل عن النصف ورغم انها شاركت في سنوات لاحقة بأكثر من ذلك ايضا فكان رئيس البلد جنوبي ونائبه جنوبي ورئيس وزرائه ووزير دفاعه ووزير خارجيته كذلك جنوبيون يشغلون أهم مواقع السلطة والحكومة الا ان ذلك لم يقنع القوى غير التقليدية الجنوبية بان الجنوب موجود وحاضر في دولة الوحدة اليمنية .
في الشمال لم يكن الحال ايضا مستتباً فمع وجود ممثل رسمي للشمال في دولة الوحدة ممثلا بالمؤتمر الشعبي العام وكذا وجود قوة فاعلة اخرى هي التجمع اليمني للإصلاح الا ان الصراع على السلطة والثروة كان يتنامى ووصولا الى العام 2011 م الذي خرج فيه هذا الصراع الى العلن وتصاحب معه ايضا ظهور قوى غير تقليدية شمالية برزت لاحقا كمنافس قوي وغالب على السلطة والثروة .
كان لصراع قوى الشمال التقليدية وغير التقليدية اثره ليس على صيغة الدولة اليمنية وحسب والتي لم تعرفه صيغة يمكن وصفها بالوطنية الجامعة منذ مابعد الـ2011م، واما كان هذا الصراع بمثابة الفرصة التي كانت دول الاقليم تتربصها للدخول المباشر في الملف اليمني سياسيا اولا من فوق الطاولة وأمنياً استخباراتي من تحتها وصولا للتدخل السياسي والعسكري المباشر في البلد .
ظل مشهد السلطة في البلد مشهدا غير وطني جامع ففي اغلب الشمال سلطة انبثقت عن مكون غير تقليدي بدرجة محورية عاد وتحالف مع مكون تقليدي كانت الصراعات قد اثخنته ونالت منه ومن فاعليته بقدر كبير وبمقابل سلطة ليس لها مركز على ارض البلد كانت في بداياتها تحوز الشرعية لكنها فقدتها لعوامل كثيرة ليس اولها انتهاء فترتها وليس آخرها استجلاب عدوان خارجي على البلد وبينهما ان تلبسها مكون حزبي واحد كان هو محور تركيبتها سياسيا وعسكريا بدرجة اكبر . وبذلك باتت الازمة في البلد اولا ازمة دولة قبل ان تكون ازمة وحدة .
كان لأزمة السلطة التي جوهرها قوى الشمال اثرها في تبلور قوى غير تقليدية جنوبية كقوة عسكرية بداية بصفة مقاومة ما وصف بانقلاب قوة غير تقليدية شمالية على الدولة وتوجهها نحو محافظات الجنوب كذلك ما سمح للقوة الجنوبية غير التقليدية بأن تتنظم وتتسلح وتحضر كقوة مؤثرة جوهريا في الساحة الجنوبية لكنها لم تحضر بالقدر المطلوب في الساحة اليمنية او بالاحرى في الملف اليمني ، فحتى بعد تبلورها كقوة عسكرية اصبحت هي الاولى حضورا في الساحة الجنوبية الا انها كما هي منذ البداية تفتقر لصفة تمثيل الجنوب.
لم يكن دخول التحالف السعودي وبمعية القوى الدولية اللاعبة في الاقليم صادقا في العمل على تحقيق الشعار الذي رفعه او الغطاء الذي تدثر به للدخول الكامل على الملف اليمني والذي كان انها ما يسميه انقلاب القوى غير التقليدية الشمالية واعادة ما تسمى بالشرعية وانما كان له اجندة مختلفة اهمها التحكم في الصراع اليمني وصولا بالملف اليمني الى مرحلة يمكن معها فرض السلطة المتناسبة مع اجندة التحالف السعودي والقوى الدولية اللاعبة في المنطقة .
لم يكن لعب التحالف السعودي لاجندته هو فقط في الملف اليمني وانما في ملفات عدة في الوطن العربي والهدف هو ذاته فرض الحكومات المتناسبة مع تلك الاجندة، ومع انه تعامل مع ما تسمى الشرعية كحامل للتدخل في اليمن الا ان الصيغة التي تركبت منها ماتسمى الشرعية نتيجة هيمنة القوة السياسية الواحدة غير المرضي عنها من قبل دول التحالف السعودي جعلت اداء التحالف يعمل ضد التمكين لهذه المسماة شرعية والعمل على احلال القوى المتناسبة معها في كل جزء من البلد يمكن فرضها فيه ، وكانت القوى الجنوبية غير التقليدية هي مطلب التحالف السعودي والذي عمل على دعمها ومساندتها وتنظيمها وتدريبها وتمويلها وصولا بها الى قوة يمكن عبرها السيطرة على محافظات الجنوب اليمني او اهم مافيها على الاقل وغل يد القوة المسماة بالشرعية عن التصرف كسلطة في الجنوب ، ووصولا الى الخطوة الاخيرة التي اقدمت عليها هذه القوى الجنوبية غير التقليدية بإعلان الادارة الذاتية للجنوب .
في خضم هذا الصراع الذي تشهده اليمن لم تضرب الوحدة اليمنية في مقتل حتى الآن ومازال حظها موجودا ووافرا ويصعب القفز عليه رغم كل هذه الملابسات السياسية والعسكرية العاصفة بالبلد ، فهذه القوى غير التقليدية الجنوبية لم تستطع ان تصبح الممثل للجنوب ، واصبح حالها هو حال القوى الاخرى المسيطرة في الاجزاء الاخرى من البلد والتي تفتقر جميعها للحق في التمثيل الجامع لليمن كسلطة شرعية منتخبة مفوضه عبر الاطر الرسمية للحكم ، وكل ما وصلته هذه القوى الجنوبية غير التقليدية هو الاعتراف بها كقوى سياسية تمثل جزءاً من التسوية السياسية في اليمن مثلها مثل القوى السياسية الاخرى المنخرطة في العملية السياسية في البلد .
لم يعد من الممكن لقوى الشمال الفاعلة حاليا ان تفرض الوحدة دون الشراكة الحقيقية الندية مع الجنوب ولابد لها من ان تقبل بترتيب اوراق السلطة والثروة بموضوعية كاملة ليس مع الجنوب فحسب وانما ايضا مع الشمال كذلك لان هذه القوى تهيمن على الشمال ايضا بشكل يخل بصيغة الدولة الوطنية الجامعة ، ولن يكون من الممكن للقوى الجنوبية غير التقليدية ان تقفز على الوحدة اليمنية وتفرض دولة جنوبية مستقلة ، كما لايمكن للتحالف السعودي ان يدعم هذه القوى الجنوبية وصولا بها لدولة ولايمكنه الدفع بها وتعميمها كسلطة للبلد باعتبار انها قوى متناسبة وقابلة للترويض لحمل اجندته مسايرة لأسلوب اغلاقه الملفات التي يعمل فيها في الوطن العربي .
الحقيقة الثابتة هي ان ملف الوحدة وملف الدولة مازالا الملفين الاهم والمحوريين الذين يجب حلهما لاغلاق الملف اليمني، الأمر واضح انه لايتم على هذين الملفين من قبل احد لا من القوى اليمنية ولا الاقليمية ولا الدولية ، وهذان الملفان هما ملفان مرتبطان جوهريا فلا يمكن حسم ملف الوحدة مالم يحسم ملف الدولة ، وكل العمل الذي يتم على الواقع هو في اطار قيام سلطات واقع لا يستطيع اي منها منفردا التأثير في هذين الملفين أياً كانت المساحات التي يتمكن اي منها ان يبسط نفوذه كسلطة واقع فيها .
الوحدة اليمنية مازالت قائمة والدولة اليمنية مازالت حاجة قائمة ، وهامش التغييير المتاح هو صيغ هذه الوحدة وهذه الدولة و الوصول لصيغة مثلى للدولة يقابله أوتوماتيكياً الوصول لصيغة مثلى للوحدة اليمنية .
عندما قامت الوحدة اليمنية قامت تبعا لاتفاق نظامين رسميين يحوزان شرعية تمثيل الشطرين الذين توحدا ، وانهاء الوحدة لايمكن ان يتم الا بتوافر هذا الشرط وهو اتفاق نظامين يحوزان شرعية تمثيل الشطرين وهذا غير متوفر ولن يتوافر مستقبلا . فالوحدة اليمنية عمليا باقية لايمكن لاحد اعادة البلد للتشطير ومشكلتها مترتبة على مشكلة الدولة في البلد التي اذا حلت بشكل امثل لن تكون الوحدة محل سجال وهو سجال تعبوي اكثر منه سياسي ، وما يمكن ان يتبدل هو صيغة هذه الوحدة ما بين اندماجية، واضح صعوبة عودة الوحدة وفق هذا النموذج وبين فيدرالية هناك حاجة للاتفاق على تفاصيلها ، لكن لايمكن لأي طرف انهاء وحدة اليمن .
*رئيس مركز الرصد الديمقراطي - اليمن
alsharafi.ca@gmail.com
|