نزيه احمد العماد - تحل علينا الذكرى الثلاثين لاعادة تحقيق الوحدة اليمنية في مايو عام 1990م ، كان عمري انذاك 12 عاماً كنت أشاهد على التلفاز حفل رفع علم الوحدة وكذلك الحفل الخطابي في نفس اليوم ومبعث اهتمامي بالموضوع كطفل أن أرى والدي الذي كان أحد رجال الدولة برفقة الرئيس علي عبدالله صالح الى عدن لصناعة ذلك الحدث العظيم.
تثبت الصور في ذاكرة الانسان صغيراً وتكبر معه من خلال اتساع المعرفة بأبعادها وأهميتها، اذ ظلت الصورة الذهنية ترافقني بعد ذلك وتقفز الى مرمى بصري عند كل حدث له علاقة بموضوع الوحدة عارضة أمامي الرئيس صالح وهو يسحب الحبل الذي ينتهي بسارية العلم ويشرئب عنقه مع العلم الذي يرتفع رويداً رويداً، وبجانب الرئيس شريكه الاستاذ علي سالم البيض وخلفهما ثلة من رجال الدولة في الجنوب وفي الشمال وفيما تطغى العاطفة الجياشة على المشهد وترتسم الفرحة على وجوه الجميع اذ يبكي بعضهم ويقاوم آخرون فيما تتحرك العدسة لعرض الواقفين، يظهر أمامي أبي، كأنما الأمر يكاد يصبح شخصياً بالنسبة لي على الاقل، و رأيت القاضي عبدالكريم العوشي والاستاذ عبدالعزيز عبدالغني والشيخ صادق أمين ابوراس والاستاذ يحيى العرشي والاستاذ راشد محمد ثابت والمهندس حيدر ابو بكر العطاس والدكتور ياسين سعيد نعمان ، وكل أولئك الذين وعدوا بأن تكون الوحدة اليمنية عهد عالق في ذمتهم وذمة كل يمني.
مرت ثلاثون عاماً وما زال ذلك المشهد يتوهج في ذاكرتي ويزدان مع كل تفسير لبعض التفاصيل ، وما أنا على ثقة منه أن لكل واحد من جيلي ذكرياته الخاصة حول الحدث وعبر تفاصيل مختلفة، ولعل هذا مدخلاً مناسباً للقول أن الوحدة اليمنية قد تداخلت في وجدان كل يمني وكبرت معه ولم يعد بمقدور السياسة إعادتها الى أجواء ماقبل العام 1990م حتى وان تكالبت الدنيا وأعلن الف انفصال في كل يوم وأقيمت حدود بعد حدود، فالوحدة أصبحت متجذرة في وجداننا كجيل عاش رخاءها وأيامها الجميلة .. عندما تكبر القيم تخرج من دائرة السياسة وتصبح ملكية الشعوب فيما يصبح حديث السياسيين عنها أو تصرفاتهم بشأنها باب من ابواب التطفل الذي ما انزل الله به من سلطان ، ولا سلطان على الوحدة بعد الثاني والعشرين من مايو الا سلطان الشعب.
لقد مرت الوحدة اليمنية بالكثير من المعتركات سواء محاولة الانفصال والحرب عام 1994 والتي انفق المال الخليجي من أجل تفتيتها وقدم السلاح والسياسة والنفوذ دعماً للانفصال وانتصرت الوحدة بارادة اليمنيين الذين هبوا للدفاع عن حقهم في السيادة على بلدهم وهزموا المشروع الخليجي بقيادة السعودية والامارات ، وهاهو الزمان يعيد نفسه، يصعد المال الخليجي من جديد بقيادة السعودية والامارات ايضاً، بوجوه جديدة ودماء جديدة ، ويهب اليمنيون من جديد للدفاع عن حقهم، ومن جديد سيكسر ارادة التدخل الخارجي، إنه التاريخ يحضر ويغيب ، يتجلى بألوان مختلفة ولكن بوجه واحد، هزيمة وانتصار.
رحل الكثير من الرجال ومن اصحاب القامات العالية في العطاء الذين صنعوا ذلك اليوم، وآخرون خانوا العهد وتلوثت ذممهم بالمال الخليجي، ولكن ثمة رجال ما يزالون يعطون اليمن من سهرهم وفكرهم، واخص هنا الشيخ صادق امين ابوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام، الذي أعطى اليمن ووحدتها وحكومتها، الكثير من حياته منذ بواكير أيام شبابه ، ولا غرو أن يلتمع الذهب فهو ابن السياسة والعطاء كابراً عن كابر.
نشعر في المؤتمر الشعبي العام بزهو الاعتداد بقادتنا الذين لعبوا أبرز الأدوار الوطنية وزاحموا النجوم في التوهج والعطاء السياسي ، ونشعر بالثقة على مكتسباتنا بمن بقي منهم فإنهم عقلاء هذا الزمان، كما نفاخر بأن حزبنا هو الوحيد الذي يرأسه أحد صناع الوحدة الذين بقوا على عهدهم وحافظوا على ذمتهم.
مهما علت الأصوات وادلهمت الخطوب وساد العواء على الزئير فإن الحق باق والباطل زائغ والوحدة باقية.
|