د. عبدالوهاب الروحاني - القبيلة والطائفة والمذهب مسميات لم يعد لها معنى في قواميس المجتمعات المعاصرة.. لان العلاقات العصبوية تذوب في ظل الدولة وتتماهى مع المؤسسة
بقوة القانون..
قلت في الخاطرة السابقة عن شهادة الاخ يحيى ابو اصبع، انني لم اجد صورة واحدة تخلد للاشتراكي نشاطا او تدافع عن قضية من القضايا الوطنية التي كان يرفعها.. او تبرز مناضلا اشتراكيا مجهولا عانى وعذب ثم قضى بسبب انتمائه.. ليس لان الوضع كان "سمن على عسل" وانما لان الاخ يحيى كان "عايش في العسل" كما قال له علي العتمي.
معاناة الناس، وبسطاء القوم، والطبقة الكادحة من "البروليتاريا الرثة" عمالاً وفلاحين وكادحين.. الذين يفترض انهم قضية الاشتراكي ومشكلته.. كانت جديرة بالاشارة والتذكير..
الحديث كان طويلا وبتفاصيل ظريفة وصغيرة.. اغرق في البيوت والعائلات، وكبار حاشد وبكيل، الذين صورتهم الشهادة ان اغلبهم يسار.. او على الاقل متعاطف..!!!
ثم كان الأظرف فيه جدلية "الشيخ والنقيب" بدلاً عن جدلية هيجل والمادة !!.
هذا النوع من احاديث الذكريات يعزز من القناعة بأن القبيلة راسخة في الذهنية اليمنية، ولن تتزحزح، بمعنى اننا لن نمضي، وان "دولة القبائل" التي عرض الغشمي على ابو اصبع التشارك في بنائها " انا وانت نبني دولة القبائل لمائتي سنة... اريدك تمسك الجبهة القومية من رقبتها وانا امسك الشمال..".
قد يظن البعض - وهو ظن خاطئ - ان لدي مشكلة مع الاخ يحيى منصور ابو اصبع، فهو زميل عرفته جيدا، واحترمه كثيرا، وهو دون شك من بين نماذح نزيهة من القبائل الماركسية التي تقاتلت في 86 م وحكمت في الجنوب 25 عاما، واصبح الكثير منهم اليوم مرتميا في احضان امراء وشيوخ النفط.. وهو بالتاكيد ليس منهم.
المشكلة برأيي ليست في سرد المواقف وحديث الامنيات بين الرئيس »الشيخ« والشيخ »الرفيق«، لكن المشكلة برأيي هي في نكوص المستنيرين.. في تفكير النخب السياسية والمثقفة في البلاد، التي تصر على التخندق في حروب البسوس وداحس والغبراء، ولا تريد ان تتعامل مع العصر ومعطياته..
الاحزاب القومية واليسارية والدينية في الشمال والجنوب منذ الثورتين »63/62« ظلت تراهن على الحسم بالقبيلة لكنها لم تفلح.
الحزب الاشتراكي حكم 25 سنة باسم اللينينية الماركسية، وتحالف مع القوى المستنيرة ولكنه ظل يدور في فلك القبيلة، واخيرا لم يفز وقادته الا بلقب "القبائل الماركسية".
دخل الحزب الاشتراكي الوحدة وهو يراهن على القبيلة في السيطرة على الدولة الجديدة الموحدة، ولعل الجميع يتذكر زوامل بكيل وبعض حاشد في "الصرارة" ليلجأ الحزب في نهاية المطاف للتحالف مع قوى "الرجعية والتخلف"، اذ لم يعد لرموزه اكثر من تذكر الامجاد والبحث عن الاصول والمشجرات.
تسابقت الحركات الاسلامية، والعسكر، والقوميون والرؤساء باستثناء الحمدي على من يحتوي القبيلة اولاً، ولكنهم فشلوا جميعا، واذا ما نجحوا فلفترات محدودة ولغرض" الفيد" ولم يؤسسوا لاي انطلاقة جادة في مسيرة حياة اليمنيين.
وبهذا يصبح مفهوم الوعي بالقضية الوطنية، وبناء الدولة ومفردات النظام، هي سبيل اليمنيين للخروج من المأزق الذي يعيشونه والدوامة التي تعصف بهم.
|