الدكتور/ عبدالحفيظ النهاري ❊ - نشأت صحيفة «الميثاق» في 22 نوفمبر 1982م كلسان حال المؤتمر الشعبي العام، على إثر نجاح الحوار الوطني في صياغة «الميثاق» الوطني والاستفتاء عليه، وتأسيس المؤتمر الشعبي العام كتنظيم ينهض بتطبيق مضامينه وبرنامج العمل السياسي المترجم له، في 24 أغسطس 1982م بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام.
وكان من الضروري أن تؤسس صحيفة «الميثاق» لتكون حاملا لخطاب سياسي موحد يزخر بقيم السلام والعمل الوطني المشترك الناهض بالتنمية والبناء، وصدر عددها الأسبوعي الأول في 22 نوفمبر 1982 كلسان حال للمؤتمر الشعبي العام، في عدد ملون بحجم نصفي.
يصدر اليوم العدد الألفين «2000» من الصحيفة والذي يعبر عن مسيرة صحفية منتظمة ومنضبطة، إذ ظل جمهور القراء من المؤتمريين ومن الطبقة السياسية ومن عامة الشعب، ينتظرون «الميثاق» بانتظام كل يوم خميس، ثم كل يوم إثنين فيما بعد.
وظل خطاب صحيفة «الميثاق» رصينا يتمثل السلام الوطني، والوسطية والاعتدال ويعبر عن المشروع الوطني الجامع، وينشد تحقيق الاستقرار والتنمية، بعد أن كان الصراع الايديولوجي المتطرف يسارا ويمينا قد أخذ مداه في تقويض الاستقرار والأمن والسلام.
ومرت صحيفة «الميثاق» بمراحل وطنية وسياسية مختلفة كانت أولاها: الاهتمام بالتنظير الفكري والثقافي والتوعية السياسية بـ«الميثاق» الوطني وبرنامج العمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام، واهتمت بمسيرة التربية السياسية والتنمية الوطنية وبتعزيز الولاء الوطني وتغليب قيم السلام، والوحدة، وقيم الوسطية والاعتدال، وواكبت الإنجازات السياسية والتنموية وتكريس قيم الوسطية والاعتدال، والهوية الوطنية وقيم الولاء الوطني بمعزل عن التبعية الخارجية، وواكبت تطور وتحولات المؤتمر الشعبي العام المضطردة الذي عقد مؤتمراته بانتظام واختط لنفسه برامج سياسية طموحة ورائدة دشنتها صحيفة« الميثاق» حتى انعقاد المؤتمر العام الرابع في تعز، وظهور إرهاصات الوحدة الأولى.
أما المرحلة الثانية من خطاب «الميثاق» الوطني، فكانت مرحلة تحقيق الوحدة الوطنية ومرحلة بناء دولة الوحدة على أسس ديمقراطية حديثة، بما تضمنته من تعدد سياسي وصحفي ومدني.
حيث ظهرت «الميثاق» بعد الوحدة في شكل جديد بالحجم الورقي الكبير بعد أن رأس تحريرها الأستاذ/ عبدالله غانم، واستطاعت «الميثاق» أن تستوعب تحولها من لسان حال تنظيم وطني جامع، إلى صحيفة حزبية تعبر عن سياسة وبرنامج حزب المؤتمر الشعبي العام الذي خرجت من تحت عباءته التنظيمات الأخرى وتشكلت خارجه.
وتمكنت صحيفة «الميثاق» في هذا التحول الكبير من الإسهام في تشكيل هويتها الجديدة كمنبر حزبي أمام منابر حزبية منافسة، واختطت الوسطية والاعتدال في التعبير عن توجهات وسياسات المؤتمر في ظل الصراع السياسي الكبير الذي تنامى بعد تأسيس دولة الوحدة والذي انتجه الفضاء الديمقراطي الجديد وحدة الصراع بين اليمين واليسار.
وساهمت صحيفة «الميثاق» في الدفاع عن دستور دولة الوحدة والاستفتاء عليه، وعن الخيار الديمقراطي التعددي، وساهمت في تعزيز بناء مؤسسات دولة الوحدة والمؤسسات الديمقراطية ودافعت عن قيم الوحدة. وقدمت خطابا حزبيا وسياسيا متمكنا في أول انتخابات نيابية تنافسية في دولة الوحدة في أبريل 1993م، ضمن الحملة الإعلامية الانتخابية للمؤتمر الشعبي العام.
أما المرحلة الثالثة فتجسدت إبان رئاسة الأستاذ/ أحمد الشرعبي لتحريرها في احتداد الصراع حول الوجود الوحدوي، وتحولت من حيث الشكل إلى الحجم النصفي، واستطاعت أن تكتسب حيوية جديدة في خضم ذلك الصراع حول شكل دولة الوحدة واستمرار دولة الوحدة، وخاضت حملتها الإعلامية القوية في إسناد معركة الدفاع عن الشرعية الدستورية وعن الوحدة الوطنية، وبلغت أعلى تيراج في الأعداد المطبوعة والموزعة في تاريخها، على الإطلاق.
وكانت مرحلة انخرطت فيها «الميثاق» بقوة ويقين وطني في الدفاع عن الشرعية الدستورية وعن الوحدة الوطنية، ودافعت عن نتائج الاستحقاقات الديمقراطية، والانتقال من وحدة التوافق إلى الوحدة المؤسسة على المرجعية الدستورية ومرجعية الانتخابات، وواكبت باقتدار المعترك السياسي وحرب الدفاع عن الشرعية الدستورية وعن دولة الوحدة التي تكللت بانتصار 7 من يوليو 1994م.
أما المرحة الرابعة فتجسدت في الحفاظ على المسار الديمقراطي بعد حرب 1994م وعلى المؤسسات التي كان ينقصها بالطبع شراكة الحزب الاشتراكي اليمني، الذي خرج من المعادلة كشريك في دولة الوحدة، وأصبح حزبا في الدرجة الثالثة بعد التجمع اليمني للإصلاح، حليف المؤتمر في تلك الحرب،.
واستمرت «الميثاق» في خطابها الوطني المناصر للاستحقاقات الديمقراطية والتنموية ملتزمة سياسات وخطاب المؤتمر الشعبي العام وتنافسيته مع الأحزاب الأخرى.. وتعاظم دور صحيفة «الميثاق» والتحديات التي واجهتها بعد تشكل ائتلاف أحزاب اللقاء المشترك، حيث أصبحت صحيفة «الميثاق» بمفردها كلسان حال للحزب الحاكم الذي أحرز الأغلبية في الانتخابات النيابية 1997، لتواجه وحيدة سيلاً من الصحف المعارضة التي تنهش في المؤتمر الشعبي العام بالحق وبالباطل والتي خرجت عن قواعد الخطاب المعارض إلى الخطاب المحرض والمخرب، وناضلت صحيفة «الميثاق» طويلا في هذه المعادلة المختلة في الدفاع عن المؤتمر واستبسلت في تلك المعارك الطويلة، وخاصة أن الإعلام الرسمي المرئي والمسموع كان غير مسموح له بالانخراط في الدفاع عن الحزب الحاكم، أو الترويج له والدفاع عن سياساته، بقدر ماكان يتحدث بلسان الحكومة المتزن والمسؤول عن الجميع.
وتميزت «الميثاق» في حملاتها الإعلامية في الانتخابات النيابية 1997م و 2003، وخاضعت حملات صحفية ناجحة في الانتخابات الرئاسية الأولى المباشرة 1999، وفي حملة التعديلات الدستورية عام «2000»، وانتخابات السلطة المحلية، وواكبت باقتدار واتزان كل الاستحقاقات الوطنية والديمقراطية.
وكان لصحيفة «الميثاق» دور كبير ورائد في مناهضة التطرف الفكري والديني والسياسي ومناهضة الإرهاب، وخاصة في مرحلة توحيد التعليم ودورها في تعزيز وحدة الهوية ووحدة الشخصية الوطنية، وبلورة دور اليمن في تعزيز السلام الوطني، والإقليمي والدولي، والمساهمة في مكافحة الإرهاب، الذي استهدف سلام وأمن واستقرار اليمن والإقليم والعالم.
وخاضت صحيفة «الميثاق» معارك مشهودة في مناهضة التنظيمات الإرهابية والاختلالات الأمنية والحركات المسلحة في الجنوب والشمال على حد سواء.. وجاءت الانتخابات الرئاسية التنافسية المباشرة عام 2007 لتجعل من صحيفة «الميثاق» حاملا مهماً لبرنامج المؤتمر الشعبي العام الرئاسي المتنافس مع برنامج أحزاب اللقاء المشترك مجتمعة وتتحقق النتائج المرجوة.
وخاضت صحيفة «الميثاق» بعد ذلك ماراثون الجدل السياسي والحوار السياسي حول تجديد آلية الانتخابات وحول التعديلات الدستورية وحول الاستحقاقات الانتخابية 27 أبريل 2009، مدافعة عن النظام الجمهوري، وعن الوحدة الوطنية، وعن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وعن الشرعية الدستورية، وعن الأمن والاستقرار، وعن مؤسسات الدولة.
أما المرحلة الخامسة فتجسدت في مرحلة الانتقال السلمي للسلطة، بعد أزمة فبراير 2011م وتنفيذ استحقاقات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، حيث تحولت «الميثاق» من صحيفة المؤتمر كحزب حاكم إلى صحيفته كحزب شريك في الوفاق الوطني وفي المرحلة الانتقالية، وتبنت خطابا ناقدا للأخطاء التي مارستها السلطة الانتقالية، بعد أن توقفت بسبب الظرف الاستثنائية التي مرت بها البلاد خلال الأزمة السياسية.
لكن صحيفة «اليمن اليوم» اليومية كانت قد أطلت على جمهور المؤتمر وقامت بدور مهم في بلورة الخطاب السياسي المعبر عن خطاب المؤتمر الشعبي العام في هذه المرحلة.
وحين انتظمت صحيفة «الميثاق» في الصدور من جديد كان الوضع السياسي قد تفاقم وتضخمت التحديات الوطنية والتنظيمية، وخاصة بعد التدخل الخارجي المتمثل في انطلاق ما تُسمى عاصفة الحزم في مارس 2015، والذي دفع تيار مؤتمر الداخل إلى الانخراط في اصطفاف داخلي لمناهضة الاستقواء بالخارج.
حيث حاولت «الميثاق» في هذه المرحلة الصعبة أن تدافع عن قيم الاستقلال، والاستقرار، وعن مؤسسات الدولة، وعن مؤسسة الجيش والأمن، وعن المقدرات الوطنية، وتناهض مشروع استباحة المقدرات الوطنية وخاصة في ظل الحصار البري والبحري والجوي الذي تسبب في معاناة كبيرة للشعب اليمني تمثل في انقطاع الموارد والمرتبات، والأعمال، وتفشي الأمراض، فضلا عن آثار الحرب من قتل وتدمير، وتقويض للأمن الداخلي. ودافعت «الميثاق» عن قيم الجمهورية والوحدة والديمقراطية، ومؤسسات الدولة، وعن المجتمع المدني، أمام التجريف الذي تعرض له.
حتى جاءت أحداث الـ 2 من ديسمبر 2017م لتشكل انعطافا كبيرا في تجريف المؤسسة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام وفي مقدمتها صحيفة «الميثاق»، لتدخل الصحيفة في منعطف جديد، ويصبح مجرد استمرار صدورها تحديا كبيرا، فضلا عن دورها في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية للمؤتمر الشعبي العام، والحفاظ على خط الوسطية والاعتدال أمام تغول التطرف الطائفي والمذهبي ونمو الكراهيات الذي أنتجته الحرب وعمقته الممارسات الخاطئة من كل الأطراف.
وها هي صحيفة «الميثاق» تصدر عددها الـ«2000» بكل انتظام واقتدار لتشكل مسيرة صحيفة تنظيمية رائدة تعكس رسوخ التجربة المؤتمرية ورصانة خطابها وبرامجها، وثبات يقينها الوطني، وعمق تعاطيها مع القضايا والتحولات الوطنية.. وكان من نصيب الزميل يحيى نوري أن يرأس تحرير «الميثاق» في هذه المرحلة الصعبة وفي ظل ظروف غاية في التعقيد، بعد نزوح كبير لقيادات المؤتمر إلى الخارج بعد أحداث الـ2 من ديسمبر، الأمر الذي جعل خطاب الصحيفة محكوماً بالبيئة الداخلية التي أنتجتها الحرب.
❊ نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمؤتمر الشعبي العام
|