عبدالله الصعفاني * - منذ لحظة تسريب مقطع من فيديو سجّل جانبًا من حفلة تعذيب الشاب عبدالله الأغبري قبل قتله، دخل اليمنيون في الوطن والمهجر حالة من الاستنفار والتوتر.
بصورة سريعة تحولت الجريمة إلى قضية رأي عام احتلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أنْ تأخذ طريقها إلى وسائل الإعلام التقليدية.
أخذت الناس الحماسة المتوقَّعة طلبًا لحكْم قضائي سريع - حتى خارج إجراءات التقاضي -فإنْ يتعرّض شاب للتعذيب الذي كشفت كاميرا صاحب محل الجوالات مكان تنفيذ الجريمة، ومن قِبل خمسة أشخاص، وبشكل جمَع بين السادية وما يسميه علماء النفس بالعدوى الجماعية؛ فهو خطب مؤذٍ وموجِع بلا حدود.
اهتمام لافت
انتشار فيديو التعذيب صاحَبَته أحاديث حول تدخلات مشايخ ووجاهات، ووصل الأمر حدّ اتهام الناس للمستشفى الذي استقبل الضحية بإصدار تقرير مزور لصلة تشابه ألقاب بينه وبين أحد الجناة، لكن مدير المستشفى الدكتور باسم العامري نفى ذلك بشدة كما تابعته، مؤكّدًا أنه أبلغ مندوب البحث الجنائي بوجود تعذيب سبق الوفاة، وأنّ مندوب البحث الجنائي في المستشفى قام بواجبه، وهو ما أكده المندوب بلسانه، لكن الرأي العام ظل عند نفس اتهامه للمستشفى، ولا زال.
الشكوك والمخاوف دفعت الشارع إلى تسجيل مظاهرات محدودة ليست معهودة في صنعاء بسبب ظروف البلد الاستثنائية، وقد شاهدتُ جزءًا من التجمهُر عند بوابة المحل الذي أغلقَته النيابة، ووصمته بالشمع الأحمر، فضلاً عن ملازمة سيارة شرطة لبوابة المحل الواقع في شارع القيادة.
للقضاء مجراه
وكما أنّ لجهاز الأمن ومعه النيابة مبررات تقتضيها الحاجة لتتبع خيوط الجريمة ومعرفة امتداداتها التي ربما كشفت عن متورطين جُدد، صعّد المطالبون بالحسم من منسوب مخاوفهم، مستشهِدين بحقيقة ما يشهده القضاء اليمني من تسويف يُشيرُ إلى كون العدالة البطيئة شكْل من أشكال الظلْم.
على أنّ من الأهمية الإشارة إلى امتنانٍ مجتمعي لسرعة مداهمة مكان الجريمة، والقبض على الجناة وإيداعهم السجن، وتحمُّل نقابة المحامين اليمنيين مسؤولية الترافع في القضية لصالح الضحية وأولياء الدم، فضلاً عن وصول رسائل قوية للوجاهات التي يُعتقدُ بتدخلها، حتى أكدت القبيلة التي ينتسبُ لها الجاني عدم مسؤوليتها، بل ودانت الجريمة.
الجوالات والبنات
في هذه الأثناء، وبالتزامن مع القضية، يحتدمُ في المجتمع اليمني نقاش حول مخاطر محلات صيانة الجوالات على النساء، والبنات تحديدًا.
ومبعث النقاش مخاوف من استغلال بعض أصحاب المحلات لِما يصلُ إليهم من الهواتف للصيانة أو للبيع، وإمكانية حصولهم على صور خاصة، إما عند ضياع جوال أو إصلاحه أو بيعه.
ويتزايدُ النقاش المجتمعي حول وجود مَن يستغلّ ذلك في ابتزاز البنات بصورهن، والهدف دائمًا هو الحصول على المال أو الإيقاع بالبنات والنيل من شرفهن تحت وقْع التهديد ومخاوفهن من انكشاف أمر الصور للآباء وأولياء الأمور، أو نشر ذلك على الملأ في وسائل التواصل.
أولياء أمور البنات
هنا تبرز قضية مهمة تتصل بما يجب تكريسه في أذهان البنات وأولياء أمورهن من فضيلة الحرص على أنْ تتمتع النساء عمومًا بالوعي الكافي الذي يدْرِكْنَ فيه أنه ليس من خصوصية في الهاتف حتى وهو بين يديّ المستخدم، وقد صار معلومًا إمكانية النفاذ التجسسي، واستغلال أخطاء المستخدم للحصول على كلّ البيانات، ما يعني ضرورة الحرص وتجنُّب النساء والرجال أنْ تتضمن الجوالات التي نحملها صورًا أو مقاطع يُخشى وصولها إلى أيدي مَن لا يخاف الله، ولا يخجل من الناس.
مسؤولية البنت أو الأخت أو الزوجة أنْ تتسلح بالشجاعة الكافية لإبلاغ أهلها عن أيّ حادثة تُسرِّب صورها إلى آخرين، وتُعرّضها لاتصالات ابتزاز.
ومهما كانت ردّة الفعل يظلّ ولي الأمر أكثر رحمة من مبتز يساومها على شرفها بكلّ قذارة ونذالة.
بالمقابل على الأب أو الأخ أنْ يُعلّم مَن في بيته من النساء حسنات الاعتزاز بالذات، والثقة في النفس والمصارحة عند حدوث مشكلة من أول لحظاتها، وأنّ أيّ تسويف أو تأجيل ليس إلا زيادة في أرقام فاتورة ما لا تُحمد عواقبه.
ومن أبجديات الموقف أنْ لا يتردد ولي الأمر، أو حتى المرأة نفسها في الإبلاغ عن من يُهدِّد أو يبتز.
مسؤولية الأمن
حول فعل التهديد والابتزاز من الضروري أنْ يقوم ولي أمر الفتاة بالإبلاغ، وفي نفس الوقت فإنّ من واجب قسم الشرطة أنْ يستنفر جهوده للقبض على المهدِّدين بالصور، وردعهم وإبلاغ الجهة التي صدر عنها رقم هاتف المبتز؛ لِأنّ الشركة المزوِّدة لخدمة الهاتف غير مخولة باتخاذ إجراءات لصالح صاحب الشكوى.
وكما أنّ من المهم إعادة النظر في تحويل ملحقات محلات تجارية إلى مقايل وغرف نوم؛ إذ يفرضُ الحال منْع ذلك بلائحة؛ لِما فيه من خلق فرص لتنفيذ الابتزاز وارتكاب جرائم، كما ليس من العدل التباري في اتهام أصحاب كلّ محلات الجوالات أو الضغط عليهم أو ابتزازهم خارج القانون؛ لِأنّ التطفيش بدون سبب ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
وبعد؟
قد يُسارع القضاء اليمني في قول كلمته في قضية الضحية الأغبري استجابةً لضغوط الرأي العام، وقد يتأخر النطق بالحكم تحت مبررات استكمال التحقيقات والمرافعات ومعرفة كلّ الخيوط، وفي كلّ الأحوال فإنه لا بُدّ من تحقيق العدالة والردع.
وإذا كان هناك من حسنة يتيمة لهذه الجريمة القذرة، فهي شيئان، الأول: إدراكنا لحجم تطور الجريمة في اليمن، حيث لم تعُد جرائم القتل فردية أو تحت ضغط حالة انفعالية، وإنما صارت عدوى جماعية عند البعض، كما ظهر في فيديو التعذيب، ويا عالِم بالغيض والفيض من الجرائم غير الموثَّقة.
والثاني: أنّ الجريمة وحّدت آراء اليمنيين من المهرة إلى صعدة، وحتى مهاجِرهم الممتدة على اليابسة، وما وراء البحار.
*كاتب يمني
|