د. عبدالعزيز الشعيبي - الحديث عن ثورة 26 سبتمبر في ذكراها الـ 58 تحتاج الى مجلدات لتغطيتها ولذلك سوف يقتصر حديثي وعلى عجالة عن الوحدة اليمنية كهدف من اهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.
تضافرت عوامل عدة في الابقاء على حالة العزلة والجمود في اليمن- قبل قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م وشيوع الجهل وتكريس الفرقة والانقسام بين ابناء الوطن الواحد من خلال تغذية النعرات التي تبث الفرقة المذهبية والمناطقية والقبلية وبين القرى والمدن وتنمي روح التمجيد للعرق والسلالة وقد لجأ الحكم الامامي الى ذلك ليتسنى له الاستفادة من القاعدة الاستعمارية (فرّق تسد) بتمزيق وحدة الشعب ومنعه من التكتل ضد الاوضاع الماسأوية التي كانت قائمة.
وكانت اليمن من اكثر الدول تخلفاً وعزلة ولم تكن الامامة تسمح لأي قوة رأس مال للعمل بحرية داخل الاراضي اليمنية كما ان علاقاتها التجارية بدول العالم لاتكاد تُذكر وكانت الدولة محرمة على الاجانب الا بإذن خاص من الامام كما انها كانت لا تقيم أي علاقات او تمثيل دبلوماسي مع أي دولة من الدول الاوروبية.
الامامة في فكر الإمام هي فكرة طائفية لا يؤمن بها معظم الشعب اليمني ولا يرون ان لها حقاً في فرض السيطرة على ربوع الشعب اليمني بذلك الاسلوب الاستعبادي الذي انتهجته السياسة الامامية بل يرون فيها سلطة فرضت عليهم سياسيا ودينيا من قبل الامامة والتي لا تقف عند هذا الحد بسلطانه السياسي بالتفرد على الشعب بمعتقدات وطقوس واحكام مذهبية لا تتفق وقيمه وعاداته وعقيدته.. وقد تم هذا الحكم الامامي في بسط السيطرة والنفوذ الى حد الادعاء بأن اقواله وافعاله هي بوحي يوحى، لذلك فالناس عنده من غير المؤمنين ايمانا مطلقا بنظامه بغاة وكفرة الى الحد الذي سوغ فيه لنفسه فرض الأعباء الكبيرة على معظم ابناء الشعب اليمني واشاعة روح الكراهية والافتراء على بعض المذاهب بأقاويل لا يجوز دينيا واخلاقيا ولاعرفا نعتهم بها وكان من شأن هذه التصرفات ان تخلق شعوراً بالغيرة لدى غالبية الشعب بجعل الانقسام ظلاً قائماً مخيماً على البلاد ويهدد مصيرها على الدوام حتى اصبح الشعور لدى ابناء الشعب اليمني ان الحكومة الامامية هي حكومة دخيلة عليه لا تعبر عن ارادته، والأدهى من ذلك يراها وكأنها حكومة خاصة بجزء معين من فئات الشعب و ليست لكل ابناء الشعب اليمني
وما زاد الامر تعقيداً ان الامامة كانت حكما مطلقا ممسكا بزمام الامور كلها، مركزة كل السلطات في يدها ولم تكن تسمح بالتصرف حتى في صغائر الامور الا بعلمها وبموافقتها، ومن ضمن تعقيد الامور حول قضية الوحدة الوطنية الاصرار على ان يبقى الوطن بلا وسائل تدير عيشه سوى البندقية التي يستطيع الفرد الحصول بها على متطلبات حياته وحتى نهاية حياة الائمة لم يقم نظامها بتغيير النظم المالية والادارية بل كانت تسير وفق نظم وضعها العثمانيون في اليمن.. وتجدر الاشارة الى ان غلبة الطابع الديني والقبلي لدى الامام والظروف التاريخية التي عاشها قد فرضت على ذلك النظام الاوتوقراطي الجامد في حكم اليمن من جهة كما فرضت عليه تلك العوامل التمسك بالعزلة الشديدة عن العالم الخارجي من جهة اخرى.. وخلاصة القول ان المسؤولية في هذا الشأن تقع على عاتق الامامة في اليمن التي تعتبر نفسها سلطة مقدسة لا تعلوها سلطة اخرى كما اعتبرت البلاد مزرعة هو صاحب غلاتها الشرعية ولم تفعل لليمن خلال حكمها الذي دام طويلاً شيئاً يُذكر او يبرر تصرفاتها فقد تصرفت في شؤون اليمن بسلطان مطلق وقيدت حركته في اللحاق بركب التقدم الذي وصلت اليه الشعوب الاخرى ولذلك كان من الطبيعي ان تظهر المطالبات اولاً بتغيير ذلك الواقع الا انها لم تلق استجابة بل ان الاجابة كانت في المزيد من القمع والتنكيل والسجون والاعدامات وهو الامر الذي زاد من اصرار اليمنيين على العمل الجاد من خلال طلائع الشعب اليمني بتصديها لسياسة الامامة التي فرضت حالة الجمود على الشعب اليمني حقيقة مسلَّمة عليه ان يؤمن ويذعن لها.
وخلال سلسلة طويلة من المحاولات والنضالات ضد حكم الامامة تُوجت بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م بقيادة تنظيم الضباط الاحرار ..
لقد شكلت ثورة سبتمبر منعطفاً في تاريخ اليمن واول انجاز حقيقي نحو توحيد الوطن المجزأ وبناء الدولة اليمنية الواحدة على كامل ترابه فقد كانت هذه الثورة وحدوية في آفاقها وفي اهدافها وجسدت الترابط الحقيقي بين جماهير الشعب اليمني في الشمال والجنوب وكان المواطنون الذين توافدوا من كل انحاء الوطن نواة جيشها وحملة علمها وانطلاقاً من ذلك جعلت الثورة هدف قيام الوحدة اليمنية في مقدمة مبادئها يتم تحقيقها وفق الترابط الآتي :
-- القضاء على النظام الامامي في الشمال ومقاومة الاستعمار البريطاني وطردهم من الجنوب وقيام اليمن الموحد على كامل التراب اليمني، وبانتصار ثورة اكتوبر 1963م في الجنوب اعتبرت مسألة قيام اليمن الموحد قابلة للانجاز أكثر من أي وقت مضى ولاسيما ان الميثاق الوطني الدليل النظري للجبهة القومية اثناء مرحلة الكفاح المسلح وضع هدف تحقيق الوحدة اليمنية في مطلع الاهداف التي لابد من انجازها.
واستمر التأكيد على اهمية الوحدة اليمنية في كل الوثائق النظرية منذ الاستقلال في اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي.. ولم يتوقف الامر عند هذا الواقع النظري بل تجاوزه الى الواقع العملي فقانون الجنسية لم يفرق بين اليمنيين ووُقعت اتفاقية الوحدة في القاهرة عام 1972م ثم تبعها بيان طرابلس في نوفمبر من العام نفسه وردت منه اول اشارة لموضوع دستور الوحدة الذي انجز فعلاً عام 1981م
وشكلت تلك البداية نحو الوحدة اول خطوة عملية في طريق الوحدة اليمنية وتتابعت الخطوات على هذا الطريق وعُقدت اتفاقيات عدة في مختلف المجالات الصناعية والتعدينية والمواصلات والمصارف والاحصاء وخطط التنمية والسياحة وتتابعت اللقاءات والاتفاقات للتقارب وايجاد ارضية واحدة للربط بين الشمال والجنوب، ومن هنا جاء اتفاق عدن التاريخي في 30 نوفمبر 1989م بين قيادتي شطري اليمن ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض حيث تم فيه الاعلان عن اتفاقية وحدوية جديدة تضمنت قيام دولة يمنية واحدة على اساس مشروع دستور الوحدة الذي تم انجازه عام 1981م، ويبدو ان هذا اليوم قد اختير بوعي تاريخي حيث تزامن مع ذات اليوم الذي تحقق فيه اندحار الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م..
وتُوجت تلك المسيرة الوحدوية بالاعلان عن قيام الوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو 1990م قبل موعدها المقرر يوم 30 نوفمبر 1990م كأعظم انجاز في تاريخ اليمن في العصر الحديث تجسيداً لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وثورة الرابع عشر من اكتوبر 1963م الخالدتين.
|