جمال الورد - كَمٌّ هائل من الموظفين الحكوميين تسألهم عن عملهم فتجدهم في »قسم العلاقات العامة«، دون أن يكون هناك تعريف واضح لأقسام العلاقات العامة ـ وما أكثرها ـ وبمجرد أن تستفسر عن طبيعة عملهم، وإن كانوا فعلاً يدركون أهمية العمل في قسم العلاقات العامة وما هي المهام الملقاة على عاتقهم، فلن تجد إجابة تُبين لك عظمة الدور الذي يفترض بهم القيام به، فقط يبادرك الموظف هذا أو ذاك بأن العلاقات العامة ينحصر دورها عادة في »كاونتر« بالإدارات الحكومية مهمته أن يدل المراجعين على طريقة تخليص معاملاتهم، أو في الحد الأقصى، تنظيم بعض الفعاليات الخاصة بالجهة الحكومية ودعوة وسائل الإعلام المختلفة لتغطية تلك الفعاليات فقط.
إن القصور الحكومي في التعاطي مع العلاقات العامة عادةً ما يبرز في ظل التدليس والتشويه والشائعات المنتشرة في ظل تعدد مصادر النشر ومواقع التواصل الإجتماعي، وطغيان الشائعات الذي غيب أدوار المؤسسات وجعل المواطنين يتلقفون المعلومات من مصادر غير ذي صلة بالأمور الواجب توضيحها من قبل الإدارات المختصة وهي"العلاقات العامة" في المؤسسات الحكومية المختلفة.. وعندما ترى التخبط وتضارب التصريحات أيضاً داخل المؤسسة الواحدة تدرك إلى أي مدى وصل غياب دور العلاقات العامة.
في إحدى المرات دخلت لمؤسسة حكومية كبرى، تُعنى بتوضيح الرأي للعامة، ويقع على عاتقها إزالة اللبس ودحض الشائعات التي تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتؤثر سلباً على الحالة المعنوية لدى المواطنين وكذلك تشيطن هذه المؤسسة أو تلك من مؤسسات الدولة، وتخدم أجندة ضارة بالوطن والمواطن، وكانت زيارتي لصديق يعمل في هذه المؤسسة، وبادرته بسؤال هل لديكم إدارة تُعنى بالعلاقات العامة، ليجيبني نعم، في المكتب المجاور لي وعددهم يتجاوز عشرة موظفين، فقلت جميل جداً وما هو عملهم، هل يقومون بواجباتهم وما تقتضيه المرحلة خصوصاً من توضيحات وإرشادات وتشبيك مع مختلف الجهات كون هذا جوهر عمل العلاقات العامة.
وللأسف لا يعرف موظفو العلاقات العامة في المؤسسات الرسمية في اليمن حقيقة دورهم ومضمون رسالتهم، فهم كما يصف أحدهم ينحصر عملهم بأنه أشبه بأرباب الكرم؛ولا يرونهم إلا في إعداد الفعاليات تارة أو تجهيز ولائم المجاملات تارة أخرى!!! ويعود السبب ربما إلى أن أغلب موظفي العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية ليسوا من المتخصصين في مجال العلاقات العامة.. وهنا ينبغي تدريب هؤلاء الموظفين للارتقاء بمستواهم وتنمية معارفهم ومهاراتهم وتغيير اتجاهاتهم بهدف تعريفهم وتمكينهم من أداء أعمالهم بكفاءة وفاعلية.
ولعل ما لفت انتباهي أن بعض الموظفين بل والمدراء في المؤسسات الحكومية يخلط بين رجل العلاقات العامة ورجل البروتوكول أو المراسم، فيلبسون لباس هذا على هذا أو العكس، مع أن الفرق بينهما كبير جدا ولا تخطئه عين، كما أن التركة الثقيلة التي خلفتها البدائية في تعاطي العلاقات العامة كتنظيم إداري مستقل، ما زالت تؤثر بعض الشيء في النظرة العامة لهذه الإدارة والوظيفة المهمة.
ولا نبالغ إن قلنا إن موظف العلاقات العامة هو ضابط إيقاع مؤسسته التي يعمل بها، فإن كان إيقاعه أبطأ من اللازم دخلت المؤسسة في الظلام وانعكس ذلك على مدى حضورها وتأثيرها في محيطها الذي تعمل فيه، وإن زاد عن الحد المعقول سبب جلبة وضوضاء قد تجلب سلسلة من المشاكل التي لا تنتهي، فموظف العلاقات العامة مسؤول عن إنشاء قنوات احترافية تربط موظفي المؤسسة صعوداً بإدارتهم العليا ونزولاً مرة أخرى إلى الموظفين، والحفاظ على قوة هذه القنوات ووضوحها وشفافيتها. كما أنه مسؤول عن حماية اسم وصورة المؤسسة داخلياً وخارجياً من خلال إدارة الأزمات اعتماداً على خلفيته الإعلامية خارجياً وخبرته في بناء شبكة تواصل متينة وموثوقة داخلياً.
ومما لا شك فيه إن أحد أدوار موظف العلاقات العامة لرصد نبض الشارع الرسمي وغير الرسمي حيال مؤسسته التي يعمل بها؛ يكمن في متابعة ما تنشره الجرائد وتصفح المواقع الإلكترونية ومواقع الإعلام الاجتماعي وتبيين الحقيقة وتفنيد الشائعات،وتوضيح المعلومات المغلوطة وتصويبها للخروج بتقرير يفيد صناع القرار بها، لكن ذلك يمثل جزءاً صغيراً جداً من سلسلة الأعمال اليومية التي يقوم بها.
ويؤكد مختصون أن غياب دور المؤسسات الرسمية في دحض الشائعات، وعدم توضيحها للحقائق وحماية المجتمع وتحصينه ولو بالحد النسبي من الشائعات، مرده غياب دور العلاقات العامة في المؤسسات الرسمية ، ومما لاشك فيه ان العلاقات العامة برزت في الدول المتقدمة لما لها من أهمية في ايجاد حلول مدروسة للمشكلات التي تواجهها المؤسسات لأنها تمارس في ظروف مستقرة، تتحدد فيها المسؤوليات والحقوق والواجبات في جو من الحرية.
أما في الدول النامية ومنها (اليمن) فإن مفهوم العلاقات العامة ووظائقها مازال يدور في طور التنظير ويخضع لتفسيرات خاطئة، ونظرة قاصرة، ما أثر بالتالي على حالة التوازن والتوافق بين فئات الجماهير والمؤسسات التي تنشط فيها، ويستدعي هذا الوضع جهوداً متواصلة يفترض ان يضطلع بها ذوو الاختصاص الذين درسوا اكاديمياً هذا العلم الذي يمتزج بالفن.. وليمتزجا بالتالي، بتوليفة متناسقة مع التخصص، لتتوافر أسباب ترسيخ جذورها، وتحقيق أهدافها، انطلاقاً من التعرف على مفاهيمها ووظائفها، طالما ان هناك منظمة وجمهوراً (منتسبين) فهذا يعني أن هناك حاجة ماسة لممارسة نشاط العلاقات العامة.
وجدير بالذكر أن العلاقات العامة في المؤسسات الرسمية لا يقصد من وراء ممارستها أن تصبح وسيلة دفاعية لجعل تلك المؤسسات تبدو في صورة غير صورتها الحقيقية، إنما هي جهود بناءة ومحترمـة لكسب ثقة الجمهور وتحقيق التفاهم المطلوب معه، وهذه الجهود يجب أن تكون دائمة ومستمرة وتعمل على قياس الآراء والاتجاهات وتوضيح السياسات وتقوم بتنفيذ برامج تستهدف كسب ثقة المواطن وكسب تفاعله بهدف تحقيق رسالة تلك المؤسسة أكانت رسمية أو حزبية.
ولعلنا في اليمن ونتيجة لما يتعرض له وطننا الغالي وشعبنا العظيم من هجمة منظمة للإساءة والتجني والتسفيه بين مختلف الأطراف، وانتشار الشائعات وثقافة التخوين الأمر الذي نجم عنه أضرار لا تُحصى على مجتمعنا، وباتت هذه الأخطار المحدقة تؤرق العقلاء، ومن هنا تبرز أهمية وضرورة تفعيل دور العلاقات العامة في التصدي للشائعات التي تميل بعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم لاستخدامها كمادة إعلامية، وهي ليست متصلة بأحداث واقعية أو بمواقف أو برامج الجهات المعنية.
كما يبرز دور الصحفي المهني، والذي لا ينفصل عن دور الجهات الرسمية في مكافحة الإشاعة ووقف انتشارها، "فالاثنان مكمّلان لبعضهما البعض"، خصوصاً وأن مصطلح السلطة الرابعة لم يطلق عبثاً على الصحافة، فدور الصحفي يتمثل إلى جانب المبادئ والمهام الأساسية، في توعية وتوجيه الجمهور وتنويرهم بصحة المعلومات والبيانات المنتشرة في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية؛ وهذا يأتي في إطار مكافحة الأخبار الكاذبة والترويج للرواية الصائبة.
كان الأجدى أن يكون قطاع العلاقات العامة أكثر (تمكيناً) في المؤسسات الحكومية والخاصة، ليس في مهام الاستقبال والتوديع وحفلات ومهرجانات غير ذات جدوى، وإنما في تعزيز الاتصال المؤسسي داخلياً وخارجياً ورسم صورة ذهنية عن مؤسساتهم التي ينتمون إليها وتكامل العمل مع الآخرين، فهم واجهة القطاعات، ولا أظن غيرهم قادراً على هذه المهمة .
وأخيراً .. إن جُل ما أرجوه بالنسبة إلى مهنة العلاقات العامة أن يسود الفهم الصحيح لهذه المهنة المهمة ، وأن يستوعب العاملون في هذا الحقل والمسؤولون في المؤسسات أن عمل العلاقات العامة يتضمن نوعين أساسيين من الأنشطة: البحوث العلمية، ووسائل الاتصال، فالبحث العلمي جانب حيوي في العلاقات العامة؛ لأن المؤسسات قد لا تعرف رأي الجمهور فيها وكيف يفكر الناس بها، ولماذا يعتنقون تلك الآراء عنها، ولا بد من معرفة إجابات دقيقة عن تلك الأسئلة؛ لمساعدة إدارة المؤسسة في تحديد سياساتها وممارساتها؛ لذا ينبغي أن يستفيد خبراء العلاقات العامة من البحوث العلمية واستطلاعات الرأي في الحصول على معلومات من الجمهور؛ فالباحثون يجمعون المعلومات التي تساعد على تحديد المشكلات والمواقف العديدة التي تواجه المؤسسات الرسمية ودورها المغيب.
|