أيمن الكفراوي - تكمن المشكلة الرئيسية في أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان يظن منذ بداية المعركة في اليمن أنها "حرب ذباب علي مواقع التواصل الإلكتروني".
لم تفلح السعودية لا في "إعادة الشرعية" ولا في كبح جماح الحركات المسلحة
في شهر مارس 2015 ومن مؤتمر صحافي بالعاصمة الأميركية واشنطن، كان وزير خارجية السعودية يُعلن بدء الحرب على الشقيقة اليمن بهدف ما أسماه "إعادة الشرعية اليمنية"، بعدما منحتهم الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لشنّ عدوان أسْمته السعودية "عاصفة الحزم"، لتدخل الحرب عامها السادس حتى الآن، من دون تحقيق أي نجاح حقيقي يُذكَر.
لم يفلح السعوديون لا في "إعادة الشرعية" ولا في كبح جماح الحركات المسلحة، كما ادّعى النظام السعودي في بادئ الأمر، رغم تأكيده إمكانية تحقيق بغيته من الحرب في بضع أشهر فقط.
وبعد فترة من هذه التصريحات ومن زاوية أخرى، كان وزير الدفاع اليمني في نجران يلقي كلمة بعد سلسلة انتصارات حققتها القوات المسلحة اليمنية، فصرّح قائلاً للنظام السعودي بشكل واضح: "إن لم تلتزموا بما طرحناه عليكم، سنبدأ المرحلة الثانية من الحرب.. لقد أسقطنا خط الدفاع الأول ونحن مستعدون لإسقاط خط الدفاع الثاني".
بين التصريحين، ما المعطيات التي مكّنت حكومة صنعاء من ردّ العدوان على أرضها وكسرعنجهية عدوان فارغ؟
تكمن المشكلة الرئيسية في أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان يظن منذ بداية المعركة في اليمن أنها "حرب ذباب علي مواقع التواصل الإلكتروني" لا غير، ولكنه تفاجأ، هو ومن معه، بما حقّقته القوات اليمنية من إنجازات وتقدّم على أرض المعركة، وبامتلاك اليمن وسائل الدفاع عن أرضها وشعبها.
قيل للنظام السعودي منذ بداية المعركة، تعالوا إلى الحوار لأنكم لن تستطيعوا فعل شيء في اليمن، فالتاريخ يشهد أن اليمن كان ومازال عصيّاً على أي متكبّر، ولن يفلح أصحاب الأموال والعتاد على كسر اليمن، ولن يستطيع التحريض بالخطاب المذهبي والطائفي تفرقة أبنائه، ولن تنجح العنجهيات وجلب مرتزقة من دول أخرى في تغيير واقعه. نصح أقرب المقربين من النظام السعودي بعدم الاحتكام إلى منطق العنف لأن السعوديين غير قادرين على الانتصار، ولأن الحرب ستفلسهم وستكون مستنقعاً لهم، ولكنهم لايحبون الناصحين.
ومع بدء الحرب، كانت بعض أنظمة الشرق الأوسط تنظر إلى السعودية بازدراء حينما أعلنت شن الحرب علي الشقيقة اليمن، لأنهم كانوا يعتبرون أن القوات المسلحة اليمنية هي قوة مضادة للقاعدة هناك، وكان المُلفت رفع أعلام القاعدة على بعض دبابات "التحالف السعودي" في الجنوب اليمني في وقت سابق، وللأسف بعدما شنوا الحرب، اتهموا إيران كذباً وزوراً بأنها تسعى إلى تقسيم اليمن، في حين أن الإماراتيين حينما ذهبوا منفردين سراً الى طهران طرحوا صيغة الجنوب والشمال، فإذ بإيران المتهمة بـ"السعي للتقسيم"، يطرح عليها الإماراتيون عليها التقسيم.
وكان الجميل والمُلفت في الأمر هو ردّ إيران بشكل واضح "اذهبوا وتحاوروا مع الحكومة في صنعاء وقواتها المسلحة على أرض المعركة".
يحاول النظام السعودي التهجّم بالصراخ والضجيج فقط، حتى باتت الأمور اليوم أوضح بكثير من ذي قبل، لقد هُزم نظام محمد بن سلمان وآلة الطغيان والقمع السعودي أمام الشعب اليمني الأبيّ. ولكن للأسف، بعض الأنظمة العربية غير المنصفة، تحاول تغطية عين الشمس بغربال من خلال تزييف الواقع والتستر على هزائم السعودية ولكن الحقائق أمام القاصي والداني تكذّب ذلك.
تعريجاً على ما سبق، دعونا نذكر بعض النتائج التي انعكست على السعودية جرّاء الزجّ بها في حرب اليمن:
- بلغت تكلفة الحرب بأقل تقدير حتى الآن 800 مليار دولار
- تراجع إحتياطي النقد الأجنبي: عام 2014م كان 797 مليار دولار وصار وفق أقرب إحصائية عام 2017م، 487 مليار دولار وذلك بحسب صحيفة "الوطن" الخليجية.
- اضطرت المملكة للاقتراض من أسواق الدين العام في 2015 وعام 2016 وارتفع دينها من 91 الى 149 مليار دولار بحسب شبكة "بلومبيرغ" الأميركية، واليوم تواجه السعودية 500 قضية إفلاس تتعلق بشركات كبرى، 382 منها في الرياض فقط .
- تراجع فائض الميزان التجاري بنسبة 6.1 في النصف الأول من عام 2019 أي بحدود 4 مليارات دولار بحسب وكالة الأناضول.
- تراجعت أرباح أرامكو بعد الضربة الأخيرة التي وُجّهت لها من قبل القوات اليمنية، وهنا نقطة مهمة، إذا كانت الحرب على اليمن قد كلفت السعودية مئات مليارات الدولارات حتى الآن، لم يكلف القوات اليمنية تسديد ضربة قاتلة للمملكة في رأس مالها إلا بضع آلاف من الدولارات، لاسيما في واقعة "أرامكو" في سبتمبر من العام الماضي.
- أضف إلى ذلك تصريحات مفادها أن كل الأرقام والرؤية التي قدّمها محمد بن سلمان حول رؤية السعودية للعام 2030 هي أرقام مُبالغ فيها ولا أساس لها من الصحة، وأن الحديث عن هذا الحجم من النفط غير صحيح، بدليل التقشف في الخدمات وفرض الرسوم الباهظة علي المقيمين ومغادرة رجال المال والأعمال أراضي المملكة.
والجدير بالذكر انهم قالوا في تصريحاتهم أن التحالف يحاول تجنّب المدنيين في حربه وأضافوا إن اي معركة من الوارد أن تحدث فيها بعض الارتباكات والأخطاء، فماذا عن هذه النتائج:
- 100 ألف غارة استهدفت شعباً عربياً وهو اليمن بحسب معهد لوفير الأميركي.
- 20 مليون جائع في اليمن بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
- في إحصاء أُجري عام 2019، رُصدت 109 آلاف حالة كوليرا، وفي التعداد العام، أي منذ بدء الحرب، سُجّلت 500 ألف حالة حتى شهر أغسطس من هذا العام بحسب منظمة الصحة العالمية.
- المدير الإقليمي لمنظمة اليونيسيف قال: "الظروف المعيشية لأطفال اليمن تجلب العار على البشرية".
- عدد قتلى الأطفال اليمنيين حتى اليوم 6 آلاف و700 طفل، و400 ألف طفل يعانون من سوء التغذية.
- 233 ألف يمني لقوا مصرعهم نتيجة غارات "التحالف" والأزمة الإنسانية.
ما الحلّ الآن أمام السعودية؟
الخيار الوحيد أمام السعودية إذا أرادت أن تبحث عن حلّ أو تسوية لأزمتها في اليمن، أولاً يجب أن تعود إلى رشدها وتترك للشعب اليمني حرية تحديد مصيره وأن تكفّ عن سفك الدماء وإلاّ فإن هذا الدم سيجرفها إلى أبد التاريخ.
إنّ محاولاتها المستمرة استهداف قيادات الحكومة اليمنية في صنعاء مثل عملية اغتيال وزير الشباب والرياضة حسن زيد، لن تجديَ نفعاً ولن تُثني القوات اليمنية عن استهداف النقاط الحيوية العسكرية والاقتصادية السعودية، لأن الدفاع عن كرامتهم وصدّ العدوان هو حق مشروع.
|